الأقباط متحدون - الأمم المتحدة: عبدالناصر ١٩٦٠ـ السيسى ٢٠١٤
أخر تحديث ٠٤:٥٦ | السبت ١١ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ١ | العدد ٣٣٥١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الأمم المتحدة: عبدالناصر ١٩٦٠ـ السيسى ٢٠١٤

د. سعد الدين إبراهيم
د. سعد الدين إبراهيم

إن الدورة السنوية للأمم المتحدة (سبتمبر- أكتوبر) من كل عام هى مناسبة لرؤساء الدول أن يتوجهوا إلى مدينة نيويورك فى الولايات المتحدة، دون حاجة إلى دعوة رسمية من الحكومة الأمريكية. فمقر الأمم المتحدة فى جزيرة مانهاتن، هو أرض دولية مُحايدة، بحكم ميثاق الأمم المتحدة، الذى تم توقيعه فى نهاية الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) بين الدول المُنتصرة فى تلك الحرب، وكانت مصر، وست دول عربية أخرة منها.

وكما فى أى محفل يضم عدداً من المُشاركين، يستطيع أى مشارك أن يُحيى، أو يُصافح، أو يجتمع مع أى مُشارك آخر. وليس فى المُبادرة بالتحية أو السلام أو الاجتماع فضل منه أو حط من شأنه تجاه المُشاركين الآخرين. ولم تختلف فى ذلك الدورة الأولى (سبتمبر ١٩٤٥) التى شاركت فيها ٣٧ دولة عن الدورة التاسعة والستين (سبتمبر٢٠١٤)، التى شاركت فيها مائة وسبعون دولة، من حيث القواعد العامة، بصرف النظر عن حجم الدولة، أو ثروتها، أو أهميتها.

لماذا هذه المقدمة، قبل الحديث عن عبدالناصر، الذى شارك فى الدورة الخامسة عشرة (١٩٦٠)، وعن السيسى الذى شارك فى الدورة التاسعة والستين (٢٠١٤)؟

إن السبب هو ما ألحت عليه وسائل الإعلام المصرية من أن عبدالفتاح السيسى لم يطلب مُقابلة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ولكن الرئيس الأمريكى هو الذى طلب مُقابلة الرئيس المصريى! والمعنى الضمنى لهذا الإلحاح الإعلامى المصرى، هو أن الكرامة المصرية مُمثلة فى رئيسها تأبى أن تطلب مُقابلة الرئيس الأمريكى. فيالها من صبيانية مراهقة؟ فالعلاقات الدولية تحكمها المصالح. وكما قال قديما، داهية السياسة الإيطالى ميكافيلى: لا توجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة، ولكن هناك مصالح دائمة.

وهذه المصالح الدائمة، هى التى تدفع رؤساء الدول، أو من يُمثلهم إلى المُبادرة بالتواصل مع رؤساء دول آخرين أو من يُمثلهم. ولمن يفهمون أصول العلاقات الدولية، ليس فى هذا الأمر أو ذاك، فضل لهذا أو مهانة لذاك.

فيما عدا هذه السقطة للإعلام المصرى، فقد كان الأداء المصرى رائعاً، سواء للرئيس السيسى، أو للجالية المصرية فى الولايات المتحدة، وهو تقريباً ما حدث مع عبدالناصر، عام ١٩٦٠. فرغم أن العلاقات المصرية ـ الأمريكية كانت متوترة فى ذلك الوقت، بسبب رفض مصر للأحلاف الأجنبية، وإصرارها على موقف مُحايد بين الشرق (الاتحاد السوفيتى) والغرب (أمريكا وحُلفائها) إلا أن عبدالناصر، رأى فى ذهابه إلى نيويورك فُرصة ذهبية لمُخاطبة الرأى العام الأمريكى والعالمى، وطرح رؤية جديدة للبُلدان النامية، التى لا تريد مُعاداة أى من القوى الكُبرى، بل تنشد صداقة الجميع، دون الانتقاص من كرامتها أو استقلالها.

وقد تبدو هذه الرؤية التى طرحها عبدالناصر، فى ذلك الوقت غير خارقة للعادة. ولكنها كانت بالفعل كذلك، خاصة من وجهة نظر مهندس السياسة الخارجية الأمريكية، وزير خارجيتها جون فوستر دالاس، الذى كان يتبنى رؤية ثُنائية للعالم، لا ثالث لها، فالغرب الرأسمالى هو الخير المُطلق، والشرق الشيوعى، هو الشر المُطلق. فكيف يكون هناك موقف ثالث مُحايد، بين الخير المُطلق، والشر المُطلق؟

لذلك كانت كلمة عبدالناصر، فى الأمم المتحدة عام ١٩٦٠، انفجارية، وفى حضور الرئيس الأمريكى وقتها، دوايت أيزنهاور، ووزير خارجيته جون فوستر دالاس.

ولكن للإنصاف كان هناك احترام شديد من عبدالناصر للرئيس الأمريكى، لا فقط كجنرال عسكرى ماهر، قاد جيوش الحُلفاء ضد ألمانيا، وانتصر عليها، فى إحدى المعركتين الفاصلتين فى الحرب العالمية الثانية، وهى معركة نورماندى، ولكن أيضاً لأن أيزنهاور كان يحترم مبادئ العدالة واستقلال الدول. ولم ينس عبدالناصر لأيزنهاور موقفه الشريف فى إدانة العدوان الثُلاثى (البريطانى ـ الفرنسى ـ الإسرائيلى) ضد مصر، فى أكتوبر ١٩٥٦. وحينما التقى عبدالناصر الرئيس الأمريكى، فى اجتماعات الأمم المتحدة، لم يتردد عن شُكره على ذلك الموقف. لقد كان هؤلاء هنا وهناك، رجال دولة، من الطراز الأول. وكانت صحافتنا فى ذلك الوقت (١٩٦٠)، على نفس المستوى الرفيع من المهنية. فلا هى نوّهت أو ألحت على مسالة من طلب مُقابلة من؟ ولا هى انخرطت فى مثل ما رأينا صبيانيات الإعلام المصرى، بعد أربعة وأربعين عاماً (٢٠١٤).

نعم، كانت مُناسبة طيبة، قدم فيها عبدالفتاح السيسى، نفسه للعالم، كرئيس مُنتخب، لأهم دولة محورية فى الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد فعل ذلك بوقار واحترام.

نعم، تصرفت الوفود العربية والأفريقية والإسلامية بحماس ووقار، فى استقبالها وتوديعها للرئيس المصرى، حينما اعتلى منصة الأمم المتحدة. ولا أظن أن رئيس دولة أخرى، حظى بنفس الحفاوة فى هذه الدورة. لقد كان جزءاً من هذه الحفاوة لمصر، ولكن جزءاً آخر كان للرئيس عبدالفتاح السيسى بشخصه، لما رآه أو سمع عنه العالم من إنجازات الرجل، خلال مدة رئاسته القصيرة.

نعم، أنجز السيسى كثيراً، خلال الأيام الخمسة التى قضاها فى نيويورك ـ حيث قابل رؤساء ومسئولين من أكثر من ثلاثين دولة. ربما كان أهم هؤلاء جميعاً، من وجهة نظر هذا الكاتب، هو رئيس الوزراء الإثيوبى، هيلى ماريام ديسالين، الذى تُعتبر بلاده نمراً أفريقياً صاعداً، تجمعه بمصر علاقات تاريخية موغلة فى القدم، وكان قدامى المصريين يطلقون عليها (بلاد بنط)، وحتى قبل أن نكتشف فى القرن التاسع عشر، أن ثُلثى مياه النيل تأتى لنا من الأمطار الغزيرة التى تسقط على مُرتفعات الهضبة الإثيوبية. وحسناً أدرك السيسى ونظيره الإثيوبى هيلى ماريام ديسالين، أنه لا بديل لاقتسام مياه النيل، وبناء السدود للمحافظة على الجزء الأوفر منها، إلا بالتعاون لخير البلدين.

نعم، تصرفت الجالية المصرية فى الولايات المتحدة، بحرارة وحماس، فى استقبال الرئيس السيسى والوفد المُرافق له، من الوطن الأم. ولم ينس الرئيس السيسى أن يشكر أبناء الجالية من على منبر الأمم المتحدة، على تلك الحفاوة.

نعم، أتيحت الفُرصة أيضاً لمن لا يحبون الرئيس السيسى أن يُعبّروا أيضاً عن كراهيتهم، وفى حماية شُرطة نيويورك. صحيح كان عدد الكارهين أقل كثيراً من عدد المُحبين، ولكن المشهد فى حد ذاته كان جديراً بالتسجيل، أى أن يقف أصحاب الرأى وأصحاب الرأى الآخر فى مواجهة سلمية للتعبير عن وجهتى نظر مُتعارضتين. ونرجو أن يأتى الوقت فى حياتنا أو حياة أبنائنا الذى يستطيع فيه كل المصريين أن يتظاهروا سلمياً، وفى حماية شُرطة بلدهم.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد

وعلى الله قصد السبيل

semibrahim@gmail.com

نقلا عن المصري اليوم

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع