الأقباط متحدون - وكان على حسن البنا أن يشطبَ اسمه
أخر تحديث ٢٢:٠٥ | الأحد ١٢ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ٢ | العدد ٣٣٥٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وكان على حسن البنا أن يشطبَ اسمه

نقلآ عن المصري اليوم
نقلآ عن المصري اليوم
بقلم   أحمد الشَّهاوى
قال لى جمال البنا «المتوفَّى فى ٢٠١٣» الشقيق الأصغر لحسن البنا- وكنت أعرفه لسنواتٍ طويلةٍ، وتربطنا مودةٌ-: إنَّ حسن لم يُصدر كتابًا فى حياته عن الشاعر مسلم بن الوليد المعروف بـ «صريع الغوانى»، فقلتُ له: إنَّ معى نسخةً مُصورةً، فأكد ثانيةً أنه لم يكتب، ولم يقترب من هذا الشاعر.
 
وهكذا من النادر أن نجد ذكْرًا ولو عابرًا فى أدبيات الإخوان عن إقدام حسن البنا على تقديم ديوان «صريع الغوانى» بعد تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين، لأنهم يروْن فى مؤسِّسهم وإمامهم ومُرشدهم الأوَّل أنه لا يمكنُ أن يذهب نحو شاعرٍ اهتم بشكلٍ أساسيٍّ بالتغزُّل فى النساء والخمْر، حتى أطلق عليه «صريع الغوانى»، ولا شك أنهم نجحوا فى الإخفاءِ والكذب حتى على الرجل الذى قدم الكتاب، والإنكار والحذفِ والشطب والردم والمحو، وهذا دأبُهم فى الإقصاء مع الذين معهم ومنهم، أو مع من يختلف معهم فى الفكر والمذهب، وقد فعلوا ذلك كثيرًا خلال مسيرتهم وسيرتهم، التى لا تتسمُ بالصدق أو الموضوعية، إذْ شعارها اكذبْ واكسبْ، وراوغْ وناورْ حتى تتمكن، ولا يهم من سيُضار، وقد مارسوا الإقصاء نفسه مع سيد قطب، إذ استطاعوا أن يُغلِّبوا الجانبَ الدينيَّ على الجانبِ الأدبيِّ فى كتبه، رغم أنه بالإحصاء نجد أن كتب سيد قطب الأدبية تفوقُ حصرًا الكتب الدينية، كأنهم يروْن تأليفَ الكتب الأدبية جريمةً أخلاقيةً أو من فعل المُوبقات، ينبغى ألا تقترنَ بالبنا وقطب، وأنهم يعتذرون نيابةً عنهما بشطبها وإغفال ذكرها وعدم الإشارة إليها، أو الإنكار الكُلى لما قدماه من إسهامٍ أدبيٍّ حتى ولو كان من وجهة نظر الدرس النقدى ضعيفًا، ولا يرقى لما قدمه أقرانهما المجايلون لهما من كتَّابٍ وشعراء.
 
لكن الإخوان دائمًا ما ينسوْن أنه لا أحدَ يستطيعُ أن يجبرَ التاريخَ على النسيان والحذف، أو يُكرهه على أن يشطبَ ما لا يريدونه، رغم امتلاكهم المالَ والنفوذَ فى مواقع كثيرةٍ، ولكن الإخوان الشاطبين الحاذفين المُكْرِهِين على النفى نجحوا بنسبٍ كثيرةٍ فى عملهم هذا.
 
فلم يكُن اختيار حسن البنا لديوان «صريع الغوانى» اعتباطًا أو محض مصادفة، وإنما جاء عن اقتناعٍ وإيمانٍ بالمُنجزِ الشعريِّ، الذى تركه هذا الشاعر العباسيُّ، وقبل أن يهتم به شخصيًّا كأول مصريٍّ يُقدم على الاحتفاء والاحتفال بإرث مسلم بن الوليد الشعريِّ قبل حسن علوان الذى قدم تحقيقًا آخرَ عام ١٩٤٩ فى مصر، كان قد اهتم به من العرب الأقدمين أبوتمَّام، والجاحظ، وابن قُتيبة، والمُبَرِّد، وابن المعتز، وابن عبدربه، والقالى، وغيرهم حيث أوردوا مقاطعَ من شعره فى بعض كتبهم، لكن حسن البنا نشر ديوانه كاملا فى أول اتصالٍ عملى وعلمى له بالأدب، ولكنه نشْرٌ معيوبٌ لم يرق إلى ما سبقه أو ما لحقه فى دراسة «صريع الغوانى»، إذ لم يجتهد علميًّا فى التقديم، واكتفى بالنقل من كتاب الأغانى واعتبرها مقدمة تصرَّف فيها، ولم يُقدِّم لشعر الشاعر أو عصره وحياته والمعاصرين له ومن اهتموا بشعره، حتى إنه لم يذهبْ إلى دار الكتب المصرية ؛ ليطَّلع على نُسخ الديوان المحفُوظة وهى أكملُ وأتمُّ وأصحُّ من نسخة الهند، التى طُبعت فى مومباى، وجاءت شروحه تعليميةً مدرسيةً، لا تعدو كونها تعريفاتٍ بسيطةً، كأنه يُقدم ديوانًا لتلاميذ مدرسته التى كان يعملُ بها، وليس عملا أدبيًّا كما يفعل مجايلوه من المشتغلين بالتحقيقِ الأدبيِّ.
 
لم يذكر حسن البنا كلمةً واحدةً عن منهجٍ للتحقيق، ولا لماذا اختار صريع الغوانى من بين شعراء كثيرين درسهم وقت أن كان طالبًا فى كلية دار العلوم، وما الذى جذبه فى شعره، بمعنى أنه ترك طبعة الهند كما هى مع إضافاتٍ قليلة، ولكن يُحمد له أنَّ له سبقًا وإن كان دُون المستوى علميًّا وأكاديميًّا، رغم أنه لم يكن طريَّ العود أو مراهقًا أو مبتدئًا، وعمله هذا يشير إلى أن الرجل لا يحب البحثَ العميقَ، وليس جادًا فى العلم، وليس لديه استعدادٌ للتقصِّى وجمع المادة العلمية، ولا الذهاب نحو الدراسات السابقة، أو المقارنات، إذ يحب الاعتماد على الغير، حيث أكمل صنيعه اثنان، متعللا أنه مشغولٌ بجماعة الإخوان المسلمين، ولم يعد لديه وقتٌ ينفقه على «مسلم» وأن جُل وقته صار لـ «المسلمين»، وكان حريًّا به أن يشطبَ اسمه من على الكتاب.
 
فمن يرجع إلى طبعة سامى الدهان عضو المجمع العلمى العربى بدمشق لديوان «صريع الغوانى»، وهى مطبوعةٌ فى دار المعارف بمصر، وكان قد انتهى منها عام ١٩٥٧، ومتاحةٌ على الإنترنت، يدرك أن ما فعله حسن البنا هو عملٌ بدائيٌّ، لا يليق حتى بتلميذٍ فى الثانوى.
 
لماذا ذهب حسن البنا إلى «صريع الغوانى» تحديدًا دون غيره من الشعراء؟ لا أحد لديه إجابة مُحددة أو مقاربة، لأننى لم أعثر على زميلٍ مجايلٍ للبنا يقدِّم الإجابة، لكننى أصرُّ وأومنُ دومًا أننى أذهب إلى من يُشبهنى ولو فى شيءٍ واحدٍ، وليس فى كل الأشياء، ولا أقرأ إلا ما أريدُ وأبتغى وأحبُّ، ولا أكتبُ إلا عمَّن أومنُ به وأقتنعُ بإنجازه، ولا أحتفى بأحدٍ لم يؤثِّرْ فيًّ، أو لم يتركْ فى رُوحى مكانا فسيحًا، ومن يختار علما ليدرسه أو يحقق كتابا له، أو إرثا تركه، لابد أن هناك إعجابًا خفيًّا بهذا العلم وعالمه، دعنا الآن من التشابه والتماثل والاقتناع والإيمان أو اشتراك الصفات بين الباحثِ والمبحُوث، أو بين الدارس والمدرُوس.
 
«صريع الغوانى» كان كلفا بالهوى، يتبعه فى كل مكانٍ، وزير نساء كما تشير إلى ذلك رواياتُ كتاب الأغانى عنه، وكانت تأتيه الجوارى إلى بيته كما يقول دعبل بن على الخزاعى، فيرسلُ غلامه فى بيع أشيائه، لينفقَ على ذلك حتَّى باع منديله حين أعسر ذات مرة. ويذكر سامى الدهان أن صريع الغوانى «كان مُتيَّمًا يغريه الجمال بالفتنة والهوى، وكان يهيمُ بالخمرة والمرأة»، كما تنقل لنا كتبُ التراث أن «صريع الغوانى» عاش على المنح والهدايا والأعطيات والأموال التى نالها ويصعب إحصاؤها وحصرها لقاء قصائده فى المدح.
 
سيبقى أمر إقبال البنا على «صريع الغوانى» لغزا، كألغازٍ كثيرةٍ لم تفك فى تاريخ الإخوان.
 
ahmad_shahawy@hotmail.com
 
نقلآ عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع