الأقباط متحدون - قائد البحرية الإسرائيلية نموذج للتخبط ١٩٧٣
أخر تحديث ٢٢:١٥ | الثلاثاء ١٤ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ٤ | العدد ٣٣٥٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قائد البحرية الإسرائيلية نموذج للتخبط ١٩٧٣


فى سلسلة حلقات ست بدأت فى «المصرى اليوم» فى السادس من أكتوبر، تحدثنا عن وثائق إسرائيلية تكشف الأوضاع المتردية لأجهزة المخابرات ولهيئة الأركان ولقادة الجبهات والفرق المدرعة والقوات البرية ولوزير الدفاع ورئيسة الحكومة. قدمنا براهين قاطعة من نصوص الوثائق تفضح حملة الدعاية المضللة التى تقوم بها إسرائيل فى أنحاء العالم لتغسل وجهها من الهزيمة وأثبتنا بأقوال القادة فى محاضر اجتماعاتهم الرسمية أنهم ظلوا يستنجدون بالجيش الأمريكى ويطالبون بإرسال معدات وطائرات ودبابات بأطقمها البشرية، بعد أن فقدوا أطقماً بشرية عديدة فى ساحة المعركة. اليوم ولأول مرة أميط اللثام عن وثيقة بطلها الجنرال بحرى بنيامين تيليم، قائد سلاح البحرية الإسرائيلى. إنها شهادته أمام لجنة التحقيق فى الهزيمة لجنة أجرانات وهى تقدم نموذجاً فاضحاً لحالة الحيرة والارتباك وافتقاد الاتجاه وغياب التوجيه الذى سيطر على جميع أسلحة الجيش الإسرائيلى، طالعوا معى الفقرة الافتتاحية فى التحقيق.

لقد سأله القاضى أجرانات، رئيس اللجنة، قائلاً: أخبرنا عن المعلومات التى كانت لديك حول احتمال نشوب الحرب، اعتباراً من شهر سبتمبر وحتى الاندلاع الفعلى للقتال. ويجيب قائد البحرية قائلاً: أستطيع القول إنه لم تكن عندى معلومات واضحة، وعلى قدر ما أتذكر فلقد تلقيت فى أواخر سبتمبر، وتحديداً يوم ٣٠ ملخص تقدير للوضع جاءنى من رئيس شعبة المخابرات بالسلاح البحرى العقيد لونتس. أشار التقدير إلى أن الأسطول المصرى فى وضع استعداد للقيام بمناورة كبيرة وعلى نطاق واسع لم يسبق له مثيل فى البحرية المصرية.

إن السبب فى اعتبار هذه المناورة فريدة يرجع إلى أن المصريين قاموا بتعبئة جميع الوسائل البحرية المدنية، مثل سفن الصيد وسفن الخدمات التى لم تشارك من قبل فى مثل هذه المناورات وهى سفن للنقل المدنى ونقل البضائع أيضاً. فضلاً عن كل ذلك فإن البحرية المصرية أعلنت حالة التأهب القصوى كما كان معتاداً فى المناورات السابقة. أضاف قائد البحرية قائلاً إن التقدير الذى أعده العقيد لونتس يعنى رفع درجة الاستعداد المصرى للقيام بالمناورة، ولكنه رأى أنه كانت هناك إمكانية سهلة لتحول المناورة إلى قتال فعلى.

دعونا فى مصر نتأمل تصرف قائد البحرية الجنرال تيليم حسب بقية شهادته أمام لجنة أجرانات لنستخلص النتائج. يقول الرجل إنه على الرغم من أنه لم يعط هذا التقدير المخابراتى أهمية، فإنه على سبيل الاحتياط قام بإصدار أوامره إلى البحرية الإسرائيلية برفع درجة الاستعداد كما هى العادة أثناء المناورات المصرية السابقة. حتى هنا يبدو تصرف الرجل تصرف القائد اليقظ الذى لا يترك فرصة للمخاطرة، غير أن السطور التالية لذلك الكلام فى شهادته تكشف عن درجة التخبط المذهلة التى نتجت لدى قائد البحرية وغيره من قادة الأسلحة عن درجة الإحكام والدهاء فى خطة الخداع الاستراتيجى المصرية. يقول الجنرال تيليم إنه التقى بالجنرال إيلى زعيرا، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إما فى يوم ٣ أو ٤ أكتوبر، وسأله عن رأيه فى تقدير العقيد لونتس فأجابه زعيرا بأن لديه براهينه الخاصة التى تدل بشكل واضح تمام الوضوح على عدم وجود أى تحركات تؤدى إلى اندلاع الحرب.

أرجو أن يتأمل القارئ الجزء التالى فى الشهادة، الذى يحمل مفاجأة مذهلة، وهى أن قائد سلاح البحرية قد عاد فى اليوم الرابع من أكتوبر عن أوامره برفع حالة التأهب وأصدر أمراً جديداً يلغى هذه الأوامر، ويعيد الوضع فى الأسطول الإسرائيلى إلى وضع الاستعداد العادى. يقول الجنرال تيليم بالنص: «ولأن التقييم الشامل لرئيس المخابرات العسكرية الجنرال زعيرا هو الذى اقتنع به، فلقد كان رأيه هو المقبول عندى بالإضافة إلى أنه لم يعبر عن قلق من الوضع خلال اجتماعنا بهيئة الأركان يوم الثانى من أكتوبر. ترتيباً على ذلك فقد قمت يوم الرابع من أكتوبر بإلغاء حالة الطوارئ التى كانت قائمة فى سلاح البحرية وأعدت السلاح إلى حالته الاعتيادية».

إن هذا التخبط فى القرارات لدى قادة الأسلحة الإسرائيلية يستحق من باحثينا العسكريين والمخابراتيين التوقف والتأمل. إنه تخبط لم يقتصر فقط على مرحلة ما قبل شن الهجوم المصرى السورى بسبب خطة الخداع، بل امتد بعد ذلك إلى ساحة العمليات وميدان القتال ووسم الأداء العسكرى فى الأسلحة البرية والجوية والبحرية. لقد ظهرت آثار هذا التخبط وما صاحبه من حيرة فى مواجهة الأداء المصرى المذهل فى حالة شلل تام وفى صراخ جميع قادة الأسلحة بضرورة الاستنجاد بالجيش الأمريكى وهو ما حدث بالفعل. إن هدفى من دراسة الوثائق الإسرائيلية لا يتوقف عند واجب التأريخ الصحيح وتوفير المادة اللازمة لباحثينا الشبان، ولكنه هدف يمتد إلى أملى فى تأجيج جذوة الإحساس المصرى بالقدرة على الانتصار المبين فى مواجهة تحديات الداخل والخارج. لقد حلم جيلى من مقاتلى حرب أكتوبر بأن يكون نموذج النصر حافزاً للنصر فى معركة البناء الحضارى، ومازلنا نحتضن هذا الحلم.

info@bahrawy.com

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع