ما سطره الكاتب المخضرم غسان شربل، فى افتتاحية الحياة اللندنية الاثنين ٦ أكتوبر الجارى، يستحق كل تقدير واهتمام، خاصة أنه يفسر التصريحات المستفزة للرئيس التركى رجب طيب أردوجان ضد مصر ورئيسها خلال الفترة الماضية، وتأكيده أن موقع أردوجان الإقليمى فى ظل محمد مرسى مختلف كثيرا عن موقعه حاليا خلال رئاسة السيسى، حيث كان باستطاعته مخاطبة أمريكا وأوروبا من موقع مختلف عما هو عليه الآن، فاليوم يجد نفسه أمام علاقة «سعودية- مصرية» مميزة قد تكون قادرة على عرقلة الطموحات التركية والأحلام الإيرانية أو الاعتراض عليها.
لاشك فى أن المشهد الإقليمى تغير بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأنه مثلما ظل العالم، خاصة الغربى منه، يعيد حساباته فى التعامل مع المواقف الإقليمية والدولية، بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١ بشكل مغاير عما كان يرى الأمور قبل هذا التاريخ، سيظل لفترة طويلة يعيد حساباته فى التعامل مع الإرهاب وثورات الربيع العربى بنظرة مغايرة لمرحلة ما قبل ٣٠ يونيو وما بعدها، بعد أن نجحت مصر عمليا فى أخذ المبادرة بمواجهة الإرهاب والعنف الذى كثيرا ما وجد الدعم والمساعدة من الغرب، بل وصل الأمر أحيانا إلى العناد مع السلطة الحالية، والتلويح بقطع المساعدات العسكرية تارة، وتجميد التعاملات الاقتصادية تارة أخرى، حتى جاءت الجلسة الـ٦٩ للأمم المتحدة، لتكشف عن واقع مغاير تماما، ثَمَّن فيه الغرب موقف مصر قيادة وشعبا فى مكافحة الإرهاب، والبحث عن تعاون بنّاءٍ اقتصاديا وسياسيا وأمنيا أيضا، وأنه لا يمكن مواجهة الإرهاب دون مشاركة مصرية، وترجمته لقاءات ومشاورات عقدها الرئيس السيسى مع قادة الدول العظمى.
العالم الغربى أصبح فى مأزق، وأردوجان ليس ببعيد عن هذا المأزق، وإما الانضمام للاستراتيجية المصرية فى مكافحة الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه، وإما اقتصار الحرب على تنظيم معين (داعش) ربما تفلح مواجهته، ولكن سيفرز عشرات من التنظيمات المتطرفة، ويتم تصدير الإرهاب بأفكاره وعناصره إلى الغرب ذاته. أردوجان اختار مسار العند، ولا يترك مناسبة سياسية أو اقتصادية إلا ويضع السلطة الحالية فى مصر موضع الاتهام والانتقاد. أصبح فى موقف ضعيف عن ذى قبل، لكن التوحد العربى، خاصة مصر والسعودية والإمارات، أفشل كثيرا من المؤامرات التى كانت تحاك لدول المنطقة وشعوبها، وهو ما يكشف عن ضرورة وجود بُعْد عربى يواجه تحديات المرحلة، ويضع الخطوات اللازمة لمواجهتها، فمصر عادت من جديد لدورها الإقليمى والدولى، وعلى الرغم من مرور ثلاثة أعوام من المشكلات الداخلية نتج عنها كثير من العقبات، فسرعان ما تعافت، وعادت لمكانتها، وبفضل التنسيق مع قادة الدول العربية أصبحت فى مكانة تؤهلها إلى لعب دور أكبر يضع حدا لاضطرابات المنطقة وتغير ملامحها الجغرافية والسياسية أيضا.
تبعثرت كروت اللعبة فى الشرق الأوسط! ومن كان يحلم بالزعامة والخلافة تراجع إلى حجمه الطبيعى! ومن كان يبحث عن إسقاط الدولة المصرية ومحاولة دعم عناصر وجماعات متطرفة على أمل أن يحل بديلا عنها فشل، ومن كان يطمع فى تغيير خريطة المنطقة لتحقيق مصالحه القديمة انكسرت أحلامه، وأصبحت هناك دولة لها قيادة وجيش وشعب يقف خلفهما، وهناك دول صديقة تدرك المخاطر التى تحوم بالمنطقة.
الموقف ببساطة يكشف عن ضرورة تعظيم الدور المصرى الخليجى لخدمة شعوب المنطقة، ومن خلال مشروعات اقتصادية تنموية تحقق لشعوب المنطقة مزيدا من التنمية، فليس سهلا أن يسقط ٢٢ ألف مواطن خلال محاولة عبورهم البحر المتوسط، حسب تقديرات منظمة الهجرة الدولية، منذ عام ٢٠٠٠ حتى الآن، بشكل غير شرعى إما غرقاً أو اختناقاً أو جوعاً أو برداً، وسط صمت الأنظمة السياسية والنخبة، فمثل هؤلاء يبحثون عن العيش الكريم والحياة الآمنة، ولما لم توفرها لهم دولهم، بحثوا عنها باتجاه أوروبا، وآن الأوان لوقف هجرة العقول إلى الشمال، وترك الأوطان، فدول المنطقة أَوْلَى برجالها ونسائها.
نقلا عن المصري اليوم