حين تتحدث مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك، سوف تستشعر للوهلة الأولى حرصه الدائم على الظهور وكأنه لا يكترث كثيراً بتجاهله مثلاً فى احتفالات «حرب أكتوبر»، ولا يغضب من الهجوم عليه، أو «فبركة» تصريحات له.. إذ أجاب عن عدد من الأسئلة حول هذه النقاط بقوله مرة: «أنا مابتفرقش معايا.. أنا أديت واجبى تجاه البلد».. ويقول مرة أخرى: «يعملوا اللى همه عايزينه.. براحتهم!».
ربما كان الرجل فى مرحلة ما بعد تخليه عن السلطة شديد الاهتمام بما يقال عنه، أو بما يتلقاه من إجراءات ومحاكمات.. وبصرف النظر عن وجهة نظرك تجاه «مبارك»، فسوف يتسرب إليك إحساس مؤكد بأنه يتحدث فى الأغلب الأعم بلسان «الذاهب»، الذى رمى كل شىء وراء ظهره.. لذا تكررت عبارة «يااااه.. يا مجدى» أكثر من مرة فى هذه التصريحات، حتى حين كنت أصر على تكرار السؤال، وكأنه يريد أن يقول لى: «لم يعد يهمنى شىء»..!
.. وكان طبيعياً أن أسأله:
■ هل تشعر أنك «مرتاح» الآن وأنت لا تتابع تفاصيل ما يجرى فى مصر، حتى تجاهك شخصياً؟
- شوف.. والله أنا ساعات بتابع حاجات معينة لأطمئن على البلد.. وساعات بحاول أتابع أمور أخرى، ولكن لا تصلنى تفاصيل عنها.. بس أكتر حاجة بقيت مش حابب أتابعها هى اللى بيتقال عنى، أو الهجوم الظالم ضدى «عمّال على بطال».. أنا قلت لك إننى بشر، والبشر يصيب ويخطئ.. وأنا كنت متوقع شوية إنصاف، يعنى لما يتكلموا ويكتبوا، ياخدوا حياتى كلها، مش بس التلاتين سنة اللى كنت فيها رئيس، وده هو الإنصاف.. فأنا خدمت البلد أكتر من 60 سنة، سواء فى القوات المسلحة أو السياسة والحكم، وكمان فترة رئاستى كانت كلها شغل لمصلحة البلد.. وأكيد هناك إيجابيات وسلبيات، ومش معقولة يحمّلونى كل الجرايم والأخطاء، ووصل الأمر إلى التقوّل علىّ بأشياء لم تحدث.
■ هل لديك انطباع أن الناس فى مصر باتت لديها قناعات تجاهك تختلف عن فترة يناير 2011؟
- بصراحة.. أنا ده اللى بيهمنى.. الناس.. المواطنين.. وأنا أعرف أنهم تعرضوا لطوفان من الأخبار والكلام والآراء أثناء المظاهرات وبعدها.. وطبيعى يعتقدوا أن مبارك ده كان.. وكان.. وكان.. بس ربنا كبير، وكل شوية بتتكشف حقائق، والناس بتعرف الحقيقة، وأكيد فيه مواطنين كتير فهموا بعد كده، وأنا لا يهمنى كثيراً إذا كان الرأى العام يتحول إلى التعاطف معى من عدمه.. وإنما يهمنى أن الحقيقة تظهر، ونعرف جميعاً مَن الذى قتل وتآمر، ومن الذى اجتهد فى خدمة الوطن.
■ ولكنّ الكثيرين يرون أن الفساد انتشر فى السنوات الأخيرة فى حكمك؟
- ده موضوع كبير، لأن الفساد والرشوة وخلافه، ليست اتهامات بالقول أو العبارات المرسلة، وكل شىء خضع للتحقيق والمحاكمات، والكثير من القضايا التى انتهى نظرها أمام القضاء الموقر انتهت بالبراءة، وده يعنى أن الفترة التى أعقبت تخلىَّ عن الحكم شهدت بلاغات بالجملة، معظمها دون سند أو دليل قانونى، والدولة حققت فيها، وهذا أمر جيد، وكمان لازم نعرف أن الفساد موجود فى العالم كله.
■ بس.. الفساد فى العالم درجات.. والمهم أن مؤسسة الحكم تكافحه؟
- أيوه.. إحنا كافحنا الفساد كتير.. وربما كان علينا أن نتخذ إجراءات أكثر قوة.. بس المهم أنه لم يكن برعاية الدولة كما يزعم البعض.
■ هل تتابع ما يحدث فى المنطقة، سواء فى سوريا أو العراق أو ليبيا؟
- أتابع هذه التطورات بقدر الإمكان.. وحسب ما يصل لى.
■ وكيف ترى الخطر الذى تمثله تنظيمات مثل «داعش» و«بيت المقدس».. وغيرهما؟
- دى كلها تنظيمات متطرفة تحاول جر المنطقة العربية إلى حروب وعنف وتقسيم.. وهى أكبر خطر يواجه العرب الآن.. ولكننى فى الوقت نفسه سعدت جداً بالتحالف والتنسيق بين مصر والسعودية والإمارات فى مواجهة المخططات والمؤامرات التى تستهدف الدول العربية.
■.. والإخوان..؟!
- لا أريد أن أقول إننا حذرنا منهم كثيراً، حتى لا يعتقد البعض أننى أتحدث عن نفسى.. بس الأكيد أننا كنا نعرفهم جيداً، ونعرف أنهم يسعون إلى السلطة، وتغيير كل شىء فى مصر.. وكان «عمر سليمان» -يرحمه الله- يقول لى إن مخطط «الإخوان» مع أطراف غربية شغّال جامد، وكنا نحاول حماية البلد، وأظن أن الناس شافت بعينها وعرفت مَن هم «الإخوان»؟!
■ وما رأيك فيما يحدث فى سيناء؟
- أولاً لازم نكون حازمين فى مواجهة الإرهاب، سواء فى سيناء أو فى كل مكان بمصر.. وأنا واثق أن الجيش المصرى العظيم سوف ينتصر فى سيناء، بس نفسى نصبر شوية، لأن طبيعة الإرهاب تحتاج إلى وقت، وجيشنا قادر على هزيمته.
■ وكيف ترى حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى شهوره الأولى؟
- هو رجل وطنى ومخلص.. والجيش المصرى طول عمره مدرسة للوطنية والتضحية، والرجل يخوض حرباً عنيفة على كل المستويات، سواء فى الداخل لإنقاذ الاقتصاد والأوضاع الصعبة، أو مع قوى خارجية تتربص بمصر، أو ضد الإرهاب والتطرف والعنف.. وهو -فى اعتقادى- يدرك ذلك، وفرحت جداً عندما رأيته قريباً من الشعب، ويستجيب له، ولابد أن نكون موضوعيين فى تقييمه، فقد تولى المسئولية فى فترة شديدة الصعوبة، وأنا أعرف أن لديه شجاعة وحكمة فى إدارة الأمور.. ويكفى أنه وضع حياته ومصيره مع الناس.. وأتمنى دائماً أن يوفقه الله ويمر بالبلد من هذه المرحلة الصعبة، وأدعو الشعب كله للالتفاف حوله، لأنه لن يستطيع إنجاز أى شىء دون عمل جاد ويقظة من الجميع.
■ وما الذى أعجبك فى قراراته أو خطواته خلال المائة يوم الأولى لرئاسته؟
- يضحك «مبارك» ويرد: يا عم حرام عليكم.. مش عارف إيه حكاية المائة يوم دى.. دى حكاية صعبة قوى.. الجماعة فى أوروبا وأمريكا بيعملوها لتقييم الحكومات وتوجهاتها فى قضايا محددة، لأنك مستحيل تقدر تقيّم واحد أو حكومة أو رئيس بالكامل فى 100 يوم.. إزاى عايزين نقيّم «السيسى» فى 100 يوم، وهو لسه بيقول «بسم الله»، لازم نديله فرصة كافية لعلاج الأزمات والمشاكل، ووضع حلول، وكل ده محتاج وقت علشان الناس تحسّ بيه، وكمان مدة رئاسته 4 سنوات، طيب إدوله سنتين وبعدين اتكلموا.. عموماً الراجل ماشى كويس، وفاهم هو بيعمل إيه، ومعاه جيش قوى، وشعب عايز يتقدم.
■ حين تتحدث عن المشاكل والأزمات.. يرى البعض أن هذا ميراث فترة حكمك؟
- المسألة مش كده خالص.. دى بلد زى أى بلد.. فيها مشاكل وأزمات، بعضها جزء من أوضاع العالم كله.. بس لو بصيت لكل اللى بيحصل الآن، ستجده ناتجاً عن ارتباك جاء بعد يناير 2011، وده شىء طبيعى، وبيحصل فى أى دولة تتعرض لما تعرضت له مصر.. كل واحد فينا بيؤدى دوره.. وأنا واثق أن مصر هتكون أحسن إن شاء الله.
■ ما رأيك فى مشروع تنمية محور قناة السويس؟
- والله.. أنا ما تابعتش الموضوع بدقة من الأول.. لما أعرف كل التفاصيل.. ممكن أتكلم.
■ إذن.. دعنا نتحدث عن رأيك فى حفر قناة السويس الجديدة؟
- مش عارف التفاصيل أيضاً.. بس دى خطوة جيدة.. وأكيد الدولة درست المشروع كويس، وعارفة إيجابياته.. واللى بيهمنى أكتر إن المشروع ده وغيره بيؤكد أن البلد شغالة.
■ وكيف رأيت نجاح الشعب المصرى فى جمع 64 مليار جنيه فى 8 أيام لمشروع القناة؟
- يضحك مرة أخرى.. ويقول: دى والله حاجة رائعة.. وفرحت جداً.. وده كمان يؤكد أن البلد فيها فلوس.. يعنى منهم 27 مليار جنيه دفعوها الناس العادية.. وزى ما قال محافظ البنك المركزى: «من تحت البلاط أو الترابيزة.. مش فاكر».. يعنى الناس معاها فلوس آهيه..!
■ من الذى يزورك فى المستشفى؟
- طبعاً.. عائلتى، وبعض الأصدقاء، والمقربون، للاطمئنان علىَّ.
> وهل يزورك أو يتصل بك أحد من المسئولين أو الشخصيات العامة؟
- يضحك من جديد، قائلاً: مجدى.. بلاش تدخل فى المحظور.. فيه ناس كتير بيسألوا علىَّ.. لكن لن أذكر أسماء.. واللى خايفين يكلّمونى.. هم أحرار..!