بقلم - مينا ملاك عازر
أكتب هذه الكلمات، وأنا خارج لتوي من حضور عرض للفريق الأول لمسرح كنيسة مارمرقس بشبرا، أخذ العرض عنواناً، سكة السلامة لأنه وببساطة تصريف جديد لمسرحية سكة السلامة، للمبدع سعد الدين وهبة، تصريف يجعل المسرحية موديل لعام 2014، قبلما أخوض في تفاصيل العرض، أسمحوا لي أن أشكر الصديق العزيز ريمون زكي الذي دعاني لحضور هذا العرض، إذ حصلت على وجبة فكرية دسمة لم يضن أحد من المشاركين في العرض إعداداً وإخراجاً وتمثيلاً وديكوراً من كل الجوانب على المشاهدين بأي فكرة تثمن وتثري العرض.
بيد أنني استوقفني بعض الأخطاء البسيطة غير المنطقية في العرض مثل، أن الصوت الذي ظهر يمثل وجود طائرة بحث عن التائهين لا يمكن أن يكون صوت لطائرة هيليكوبتر، وأن الأمريكي فر معتمداً على بوصلة فمن أين أتت البوصلة فجأة؟ ولم يكن لها محل في العرض من البداية، ولماذا لم يعتمدوا على تقنية الجي بي إس؟ وهي تقنية لا تعتمد مطلقاً على وجود شبكة موبايل فهي تعتمد على الأقمار الصناعية رغم أن المسرحية كلها تقع في نسخة 2014.
لكن لأن الفريق الأول له رصيده لدي أستطيع أن أتغافل عن هذه الملحوظات، وأتغاضى عنها ليس هذا فحسب ولكن لأن المسرحية بشكل عام رائعة من روائع الهواة.
الهواة يا سادة، قدموا ملخص حقيقي لكل أزمة مصر حكومة وشعباً وهي أننا غير متحدين، أننا لسنا أيد واحدة، وهذا ما عبر عنه المبدع الذي صمم أو اختار رسمة تذكرة العرض، إذ أظهر عدد من الأيادي المتشابكة وكأنها يد واحدة، ويد أخرى غير متشابكة معهم ممسكة بسلاح موجه لليد المتحدة، الهواة يا سادة أبدعوا تشخيصاً وهنا التشخيص يحتمل أن يكون فن التمثيل نفسه، فكانوا ممثلين رائعين بلا جدال، وشخصوا إكلينيكياً -أي طبياً- حين شخصوا مرضاً عضال يفت في عضض أمتنا، وهو الفرقة، ووضعوا له علاج بسيط وجازم وهو الاتحاد.
قدم الهواة تصريفاً مواكباً لأزمة البلد السياسية والتي تجلت منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث تشرزم كل الطوائف التي تجلت في العديد من الشخصيات بل أضافوا إليها شخصية مواطن أمريكي أبدوا من خلالها، كيف تهتم أمريكا بمواطنيها في أي أزمة يقعوا فيها، في حين عدم اهتمام حكومة مصر ببني وطنها، وعكسوا من خلال تصرفه الأخير بأن اعتمد على البوصلة وتركهم في تيههم وفر أن الأمريكيين يهتمون بمصلحتهم ويسعون لها بأي طريقة وحين يجد النجاة يترك سريعاً من ارتبط بهم في الورطة.
يا سادة إن الهواة أوجدوا في كل مشهد من مشاهد مسرحيتهم حالة فريدة تستطيع أن تلمسها في أداء كل شخص لشخصية تعبر عن فئة أو طائفة في المجتمع، حتى في لحظة الفينالة، كانوا مبدعين حين وجد التائهون نفسهم وجهاً لوجه مع موت لا مفر منه إلا الاتحاد حيث هددهم المجذوب بأنه يجب أن يقتل واحد منهم، فلم يتحدوا ضده لخطف السلاح من يده وبقوا متشرزمين إلى أن أمسك ممثل التيار مدعي التأسلم بالسلاح وهدد الجميع بما فيهم المجذوب، المسرحية يبقى لها أن ترصد اتحاداً للأسف طارئً في الثلاثين من يونيو لم يستمر طويلاً، بل للأسف سرعان ما انهار أمام الأطماع السياسية، أما أبرز ما يستلفت الجميع مظهر الصحفي المثقف "فكري عبد السلام" الذي أعطي دور أكبر من المعتاد في مسرحية سكة السلامة، وبات هو المثقف الذي ينظر وينذر ويدعو للاتحاد ولكنه عكس بشكل قاطع أزمة المثقفين المصريين وهي أنهم في برج عالي وعاجي يبتعدون بأنفسهم عن الشعب، فلا يمسعهم ولا يفهمهم، ولا يقبل بهم الشعب وبالتالي لا يلبون نداءهم إلا في الوقت الضائع.
أخيراً، تحية لكل فرد اسهم لخروج العرض للنور، والآن علينا أن نشكر الهواة وورشة عمل كاتبي النص المسرحي، خالص التقدير لأصحاب الأفكار الرائعة الدسمة، هذا بعيداً عن أي شيء رأيته عيب بالنص، فالحبكة الدرامية هي المبرر الوحيد في رأيي التي تجعلني أبتلع أي ملحوظة، خاصةً أنني أمام لؤلؤة فنية، وإن جئتم للحق إنه إن لم تكن المسرحية لؤلؤة، فما ظهرت تلك الذرات من الغبار لكن لو كانت المسرحية متواضعة، لذهب الغبار في رجلين كوارث أخرى- الحمد لله- لم تحدث، وتفوق الهواة على أنفسهم وعلى المحترفين تمثيلاً وفكراً وأكدوا أن السلاح الحقيقي هو سلاح العلم والفن.
المختصر المفيد الأيدي المتحدة والعلم والفن هما الجسر للانتقال مما نحن فيه لما هو أفضل.