ما إن أتصفح الجرائد والمواقع الإخبارية كل صباح، حتى أجدنى أبحث عنهم، كالباحث عن الإبرة فى كومة قش، عن لؤلؤة بين الكثير من الدبش، إنهم مصريون ليسوا من أنصار مبارك ولا أنصار مرسى! هم التيار العام، الذى لم يطبل لمبارك ولم يستفد من نظامه، ولم يتماه مع مرسى وأهله وعشيرته!
أما عن الفلول فلقد عادوا بسياساتهم القديمة، نفس الكاتالوج، يبالغون فى التطبيل لدرجة أنك تشعر أننا نعيش فى سويسرا، ويتنافسون فى اتهام الشباب بالخيانة، ورمى كل من ينتقد قانونا أو مسؤولا بأفظع الألفاظ وأحقر الاتهامات، وإلصاق تهمة «الخيانة والعمالة» للناس لمجرد أنهم ليسوا على نفس القدر من التطبيل! وكأنهم يملكون صكوك الوطنية وختم الجنسية المصرية وحدهم! وحينما تتحدث أمامهم عن حقوق الإنسان ومساجين الرأى، فكأنك لوَّحت لثور هائج بقطعة قماش حمراء! فيتحولون ثيرانا ينطحونك بأنك «طابور خامس»، ولو أنك سألتهم: أو لم توافقوا على دستور ٢٠١٤؟ الذى ينص على أن ٢٥ يناير ثورة؟ يقولون لك إن كل ذلك ديباجة وحبر على ورق بس! وعن الرئيس السيسى الذى تراه متحدثا فى كل مناسبة عن ثورتى ٢٥ و٣٠، يبررون ذلك بأن الرئيس بدبلوماسية، ولأنه رئيس لكل المصريين، فإنه يجامل شوية العيال «السيس» بتوع «مؤامرة» يناير، أو «النكسجية» و«الينايرجية» بتوع حقوق الإنسان عشان الصداع!
أما الإخوان فهؤلاء مرضهم مزمن، يعيشون الوهم، ومظلومية الهولوكوست، بأنهم الوحيدون الذين يملكون ناصية الدين ومفاتيح الجنة! وأننا قوم من الكفار ويجوز تطبيق الحد علينا، لأننا نقضنا بيعتهم لمرسيهم الفاشل! وحينما تتحدث معهم عن التخابر والهروب من السجن وبيع أسرار الدولة إلى قطر وأخونة الدولة، يبررون كل ذلك بخدمة الدين ومشروع الخلافة الإسلامية! هم قوم لا يفكرون ولا يفهمون أصلا، إن مفاهيمهم عن الخلافة وأستاذية العالم ما هى فى نظرنا إلا هرطقة مافيا دولية وتنظيم إرهابى جبان يتاجر بالدين، لكن هيهات أن يدرك هؤلاء أننا لم نَخُنْ ثورة ٢٥ يناير، لكننا لم نوافق على خيانتهم لمصر، وأن تصبح بلادنا مجرد ولاية تحت حكم السلطان العثمانى المخبول أردوجان! فنحن فى نظر هؤلاء: «انقلابيون» «لاحسو بيادة» «خائنون لثورة ٢٥»!
المنهج فى الحالتين السابقتين هو «الأڤورة» الزائدة عن الحد، لدرجة الجنون والخبل، هذا الـ Approach لا يبنى وطنا للأسف، فالشعب المصرى حين أسقط مبارك ونظامه لم يكن ناكرا لجميل رئيس كانت مصر فى عهده كالسويد أو كندا أو البرازيل مثلا! وحين أسقط الشعب مرسى كان ذلك لأنه لم يطبق أهداف ثورة ٢٥ يناير التى لم تناد بشعارات دينية، لكنها كانت ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لكن مرسى وأهله وعشيرته سرقوا الثورة إلى طريق ظلامى مسدود، وتفننوا فى شيطنة شباب الثورة وكل من ينادى بحقوق الإنسان والإبداع والقانون والمساواة، وهو ما يحدث الآن من فلول مبارك للأسف!
لذلك فإن هناك بالتأكيد هالةً من العمى لدى الفريقين عن الحقيقة، كما أن هناك تشابها بين المنهجين فى رمى المعارض لهم بأفظع الشتائم والتهم حتى يُخرسوا صوت العقل والضمير، فضلا عن الكتائب الإلكترونية الجاهزة فى الفريقين لتشويه المعارضين، إما بنعتهم بالإخوان الخونة العملاء أو الانقلابيين لاحسى البيادة! وهى المبارزة التقليدية أو «الكلاسيكو» المصرى السياسى العتيد بين مطبلاتية الأنظمة وأنصار الجماعة!
لذلك فإن «الكتلة الحرجة»، التى هى ليست فلولا ولا إخوانا، التى خرجت فى الثورتين لا لهدف إلا حب الوطن، هذه هى التيار الوسطى بين مجموعتين من المتطرفين أنصار السمع والطاعة والمصلحجية، وصحيح أن هناك فى هذه الكتلة من الأخطاء والاختلافات الكثير، ما منع أعضاءها من الاتحاد، إلا أن المعركة طويلة وصعبة، لأننا نُهاجَمُ ونُقمَعُ من تيارين منظمين ولديهما من الأموال ما يستطيعان به شراء الذمم والكراسى وبعض الأقلام والأبواق الإعلامية على مر التاريخ، لأنهما يدركان أننا البديل عن مناهجهما البالية، لكن تيارنا للأسف غير منظم ولا يمتلك أدوات الدعم المالى الكافى لتلك المعركة التاريخية.
لكن استمروا يا أصدقائى، فأنا أبحث عن مقالاتكم كل صباح، وأثق فى أنكم تبحثون عنى أيضا، وليس صحيحا أننا قلة، ووجودنا مهم جدا، لأننا رمانة الميزان الباقية، فطوبى للتيار الثالث!
نقلا عن المصري اليوم