قطعت مصر شوطاً سياسياً كبيراً منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى الآن، فلقد ثارت مصر وانتفضت مرات عدة، أكثر من ثلاثة أعوام من العمل السياسى الذى أبهر العالم، إلى أن طلبت بعض الدول الكف عن إبهارها بهذا الشعب، وفى مقدمتها أمريكا، كل هذه المقدمات السياسية والاحتجاجية استطاعت أن تسقط مبارك وأن تزيح الإخوان، وأن تؤسس لنظام رئاسى جديد بقيادة الرئيس السيسى، الذى يفتح آفاق الجمهورية الثانية، عمل سياسى عريض وعميق تمخض عن نظام سياسى يؤيده الشعب بعزم وصلابة لم يحدثا منذ نظام عبدالناصر!
تلك المقدمة الطويلة تؤسس لسؤال بدأ يتردد صداه الآن وهو: أين السياسة الآن على خريطة الرئاسة المصرية؟
لا جدال فى النجاح الملحوظ الذى حققه السيد الرئيس على صعيد السياسة الخارجية، ولا اختلاف على المذاق المتميز الذى أضفاه الرئيس السيسى على صورة مصر فى قمة المناخ فى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ودوره فى أزمة سد النهضة، والتقارب مع القوى العسكرية المتميزة فى روسيا، والتقارب المشرف مع الأمة العربية، كل هذه نجاحات كبيرة خارجيا، كما أنه جدير بالذكر والاحترام الجرأة الاقتصادية فى تخفيض الدعم على المحروقات، وتضحية الرئيس بجزء من شعبيته ثمنا لإنقاذ موازنة مصر، وهو شخصيا لم يكن مضطرا، ولكنه آثر مصلحة الوطن، وهناك أيضا قناة السويس والإسكان الاجتماعى وغيرها من الأفكار والمحاور الاقتصادية المهمة، ولكن السؤال هنا: هل هناك مجهود موازٍ على صعيد السياسة الداخلية والأخذ بيد المجتمع السياسى لينهض؟ وهل هناك توجه لإحياء وإنعاش الأحزاب السياسية وتدعيمها لإقامة نظام سياسى يقوم على مشروع سياسى حقيقى؟
بداية هل يحق لنا أن نسأل الآن نفس الأسئلة التى كانت مشروعة حتى أيام قليلة ولطالما واجهنا بها مبارك، ثم المجلس العسكرى، ثم محمد مرسى؟ هل يطرح الإعلام والساسة نفس الأسئلة بنفس النمط على الرئيس المنتخب الذى نحترمه؟
من أين سيبدأ الرئيس فى التعامل مع الشأن العام الداخلى والديمقراطية الداخلية، متى يتم الإعلان عن المشروع السياسى للجمهورية الثانية التى أسسها الشعب فى ٣٠ يونيو؟ أين تشكيل مؤسسة الرئاسة، ومن يعمل فى ماذا؟ كيف تدار أروقة العمل الرئاسى اليومى، وما هى آليات صنع القرار؟ من الذى يستشيره الرئيس ولماذا؟ من أين سيتعاطى الرئيس مع آليات الديمقراطية فى مصر، من أين سيبدأ فى إقرار دولة المؤسسات، وكيف سيتمأسس القرار فى مصر؟ ما هو وضع الأحزاب على طاولة أفكار الرئيس؟ هل سيتعاون معهم؟ هل سيتجنبهم؟ أين خريطة التعامل مع العمل المدنى فى مصر؟ كيف سيكون وجه الإعلام المصرى لسنوات قادمة فى ظل رئيس أيدناه ونتمنى له النجاح دائما لأنه اختيارنا ونجاحه من نجاحنا، ولكننا من حقنا أن نسأله ونطالبه بكل جدية أيضا بمزيد من المكتسبات السياسية والحريات.
هل نشأة الرئيس العسكرية ستغلب على تعاطيه مع العمل السياسى فيبتعد عنه ويشكك فى نواياه، أم أنه سيتجنب تلك الندية ويقدم يد العون والمساندة للحياة السياسية حتى لا تدور مصر فى نفس الفراغ السياسى عند كل استحقاق انتخابى أو حتى تشكيل حكومة من بعده؟ هل ستظل مصر تلجأ للحل السهل وتبحث عن أبناء المؤسسة العسكرية لسد الفراغ السياسى، وتكون المفارقة أن المؤسسة الوحيدة التى لا يصرح لها بالعمل فى السياسة هى المؤسسة التى تصدر الرؤساء وحدها لمصر منذ ثورة ١٩٥٢ حتى الآن؟!! المؤسسة العسكرية لا جدال حول دورها فى حماية الوطن، فنحن نحترمها ونجلها ونعتبرها جزءا أساسيا من الهوية المصرية الجامعة، ولا مزايدة على وطنيتها وتجردها، ولكنها تكتوى من نار السياسة، فهى دائما تدفع كل الثمن وحدها، وهذا ما لا نريده أو نتمناه، كما أنها وإن كان من حق مصر أن تستفيد من أبنائها المنضبطين العسكريين، فمن حق مصر عليهم أيضا أن يؤسسوا لانضباط عام ومجتمع سياسى صحى يؤسس لتدعيم إصدار ساسة ورجال مجتمع يصلحون وينافسون على المقعد الأهم فى مصر، وهو مقعد الرئاسة، والكثير منهم موجود بالفعل تحت الفضاء العام، ولكن المهمة المنتظرة أن يمهد لأن يتداول أبناء مصر كل المقاعد السياسية فى ظل انفتاح سياسى تحتاجه مصر بشدة.
حتى الآن الفراغ يملأ المكان، مجلس النواب غائب ولا يعلم طبيعة تكوينه أو ميعاد انتخابه إلا الله، الأحزاب لا تتواجد فى أى مناسبات أو احتفالات رسمية بالقدر الكافى، الانفتاح على المجتمع العام والتواصل الذى استمر عليه الرئيس عدلى منصور يحتاج الآن إلى مزيد من العناية والاهتمام.
نقلا عن المصري اليوم