بقلم : زهير دعيم
سألتني مرّة احدى السيدات السعوديات الفاضلات في رسالة الكترونية قائلةً :
مَن أنت ، ومن هو الهك الذي تكتب عنه ، ويدعوك الى محبّة الأعداء ؟
وكعادتي ومن منطلق قناعتي بنشر النّور في كلّ الأمكنة حتى الصحراوية منها والجليديّة ، قرّرت أن أجيب.
وقبل أن أجيب رنّت في خاطري اجابة قرأتها قبل حوالي اربعين سنة للأديبة اللبنانية – الفلسطينيّة الكبيرة مي زيادة ، وكانت وقتها قد استقرّت في مصر ، قالت اجابة لسؤال من كاتبة اخرى تدعى جوليا طعمة دمشقيّة ، تسأل فيها مي زيادة : مَن أنتِ ؟ في وقت ما كانت الحضارة بعد قد نشرت اجنحتها وحلّقت ، فلا حامل ولا محمول ولا انترنت ولا يحزنون.
فجاء جواب الأديبة الكبيرة :
"أصحيح أنك لم تهتدي بعد إلى صورتي، فهاكِهَا: استحضري فتاة سمراء كالبنّ أو كالتّمر الهنديّ، كما يقول الشعراء، أو كالمِسك كما يقول متّيم العامريّة، وضعي عليها طابعاً سديميٍّا من وجد وشوق وذهول وجوع فكريّ لا يكتفي، وعطش روحي لا يرتوي، يرافق ذلك جميعاً استعداد كبير للطرب والسرّور، واستعداد أكبر للشجن والألم- وهذا هو الغالب دوماً- وأطلقي على هذا المجموع ميّ..."
ولا أخفي ولم أخفِ اعجابي أبدًا بجواب مي زيادة ، فقد اعتبرته آنذاك وما زلت أعتبره قمّة في الذّوق الأدبيّ ، ومِلحًا في تربة الإبداع.
أمسكتُ قلمي وقلت سأكون هذه المرّة مُقلّدًا رغم أنني لا أطيق التقليد ، فكتبت : " أصحيح أنك لم تهتدي بعد الى صورتي فهاكِها :
استحضري خليقة جديدة مغسولة بدم الإله المُتجسّد ، أضيفي اليها الفرح المُلوّن الدائم ، والرّجاء العابق بشذا الصيرورة ، والطمأنينة المُمتدّة على سفوح الحاضر والآتي ، وأعجنّيها بدموع التوبة الصّادقة ، وزركشيها بالوان الموعظة على الجبل ، وانشريها نورا من شمس البِرّ، وأطلقي على هذا المجموع زهيرًا "
لطالما سُئل المؤمنون : لماذا هذا الفرح على وجوهكم ؟ ولماذا الطمأنينة تملأ كيانكم ؟ فلا عبوس ولا تجهّم ولا سواد..بل الكلّ فرحٌ وفرحٌ وفرح....فرح يصدر من الأعماق ، فرح يملأ الحنايا والزوايا والثنايا وكلّ الأرجاء.
فرح جاء من المصدر ، ذاك الذي يجعلك مطمئنًا ، هادئًا ، طاهرًا ، لا تخشى الموت ولا أعوانه ، تنام وتستيقظ وعلى شفتيْكَ ترنيمةٌ ، وعلى لسانك آية ، وفي داخلك رجاء ، وفي بيتك محبّة.
نعم يسوع وليس آخر هو سبب الرّجاء الذي فينا ، هو سبب فرحنا وعنوان خلاصنا ، وهو خبزٌ لجوعنا وماء زلال لعطشنا.
إنّه الينبوع الذي لا ينضب ، ونحن مغروسون على ضفافه ، كما الشجرة المخضرّة ، الوارفة الظلال ، هكذا المؤمن الحقيقيّ ، الذي بدّل الفرح الوقتيّ الباهت بفرحٍ أزليّ ، سرمديّ ومستديم ، يقف أمام الشدائد منتصبًا ، ويتحدّى الصِّعاب ...لا يلين ولا يتراجع.
أختاه هذا أنا وهكذا اخوتي واخواتي ..هكذا أحدنا ...قطرة من ينبوع الحياة.