أقر مؤخرا الشيخ القرضاوي أحد أئمة المسلمين في هذا العصر وعضو جماعة الإخوان المسلمين بأن خليفة المسلمين في القرن الواحد والعشرين أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي وزعيم تنظيم داعش وباعث الخلافة الاسلامية كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وهذا شرح لي موضوع ذبح الرهائن لدى داعش ( بالمناسبة ليسوا أسرى حرب أو جواسيس ولكنهم صحفيون وعمال إغاثة). ولتفسير موضوع ذبح الرهائن ما عليك إلا أن تنظر إلى شعار الأخوان المسلمين فهو على شكل سيفين متقاطعين وبينهما كلمة "وأعدوا" .
أما كلمة "وأعدوا" فالمقصود طبعا هو الآية الكريمة : "وأعدوا لهم ماإستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". يعنى الناس داخلين على حرب وغزو وأرهاب.
والأخوان المسلمون دائما كانوا يقولون لنا في أحاديثهم السياسية المعلنة أن الإسلام هو دين السلام وأن تحية المسلمون هي السلام عليكم وهو دين التسامح والتعارف بين الشعوب. وان كان هذا هو حقا ما يؤمنون به ألم يكن الأجدر بهم أن يختاروا لشعارهم أية مثل: "إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" وإن كانوا حقا دعاة وليسوا غزاة ألم يكن الأجدر بهم أن يختاروا لشعارهم القلم والكتاب على أساس أن أول كلمة نزلت في القرآن كانت كلمة "إقرأ" ولم تكن كلمة "وأعدوا". وأن القلم يرمز للعلم حيث أن الله فضل من يعلم على من لا يعلم.
ولا شك لدي في أن أفكار جماعة الأخوان المسلمون قد قامت بتفريخ كل الجماعات الإرهابية إبتداء من تنظيم القاعدة وحتى تنظيم داعش مرورا بتنظيمات الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وحماس وبوكو حرام والشباب الإسلامية بالصومال وخلافه، الكل يؤمن بالسيفين وبالغزو لنشر الدين، والإسلام إنتشر بالسيف في بلدان فارس ومصر والشام والعراق والأندلس وشمال أفريقيا ولكنه أنتشر بالتجارة والدعوة السلمية في باقي بلدان أفريقيا وآسيا. لذلك لم أفهم الحاجة إلى السيفين والقوة لنشر الإسلام في القرن الواحد والعشرين في الوقت الذي ينتشر فعلا حاليا بسرعة هندسية عن طريق كثرة الإنجاب والتناسل.
لقد كتبت منذ حوالي عشر سنوات مقال عنوانه: "التطرف يبدأ باللحية والحجاب وينتهي بالإرهاب" المقال أغضب العديد من القراء وأعتبروه مقال ضد الإسلام وكأن المسلمون قد إختصروا الإسلام في اللحية والحجاب (مع العلم بأن أبا لهب كانت له لحية وأمرأته حمالة الحطب كانت ترتدي الحجاب)
واللحية كانت موجودة في كل العالم في هذا العصر وعصور ما سبقت حتى أبو الهول نفسه كانت له لحية وتمت سرقتها بدون حلاقة لأنه في تلك العصور الغابرة لم تكن هناك أمواس جيليت الرائعة لحلاقة أكثر نعومة. ورغم أختراع جيليت لأمواس الحلاقة وغيرها من أدوات الحلاقة الكهربائية إلا أن المشايخ والقساوسة والحاخامات ما زالوا يصرون على اللحية على إعتبار أنها الحد الفاصل بين المتدين وغير المتدين من الرجال والحجاب هو الحد الفاصل بين المتدينة وغير المتدينة من النساء!
وما يسمى بالصحوة الدينية بدأت تحديدا في مصر والعالم العربي والإسلامي أثر كارثتين غاية في الأهمية: الأولى هي هزيمة 1967 النكراء والتي في أعقابها تمت هزيمة القومية العربية وتمت هزيمة العلمانية في العالم العربي والتي لم يكن لها أي خلفية فكرية سوى بعض الإجتهادات اليسارية والإشتراكية وإتخذت شعارات من العداء لإسرائيل وأمريكا والغرب من جهة والعداء لأصحاب رؤوس الأموال من جهة أخرى لكي تحقق شعبية وسط شعوب تقودها الكراهية، ولم يكن للعلمانية تواجد بالشارع سوى الكاريزما الهائلة لزعيم القومية العربية والإشتراكية جمال عبد الناصر، لذلك فأنا أعتبر أن عبد الناصر مات فعلا يوم 5 يونيو 1967
وإنبرى المشايخ يخدرون الناس قائلين بأننا هزمنا لأننا إبتعدنا عن الدين، وإدعى الشيخ الشعرواى أحد زعماء الصحوة الدينية أنه سجد ركعتين شكرا لله عندما علم بهزيمة 1967 ؟؟
والكارثة الكبيرة الأخرى والتي حدثت في منطقتنا هو ظهور الخميني وإسقاطه واحد من أقوى الأنظمة فى العالم الإسلامي، وظهرت لأول مرة في العصر الحديث ومنذ هزيمة الدولة العثمانية دولة إسلامية تطبق أحكام الدين الإسلامي حسب المفهوم الشيعي وعرفنا لأول مرة موضوع ولاية الفقيه، وعرفنا أمكانية أن يكون لرئيس الجمهورية رئيس هو المرشد الأعلى، كما كان للرئيس السابق الدكتور محمد مرسي رئيسا هو المرشد.
وبعد هزيمة عبد الناصر وصعود الخميني ومقتل السادات وفشل معظم الحكام العلمانيين في العالم الإسلامي ظهرت الأصولية في الشارع وإنتشر الحجاب حتى أصبح هو "القاعدة" وإصبح ظهور شعر النساء هو الإستثناء، وإنتشرت المساجد بشكل مكثف وإصبحت ليست مجرد مساجد يذكر فيها أسم الله ولكنها أصبحت في كثير منها منابر سياسية تنشر الفكر المتطرف.
وأنتشر التطرف الديني بل وكثرت المزايدة عليه عن طريق التفتيش في كل الكتب الصفراء بواسطة كل جماعة دينية لكي أن تثبت بأنها أكثر إسلاما من الجماعة الأخرى ولذلك بدأت تلك الجماعات في قتال الحكومات "الكافرة" عن طريق أعمال أرهابية أطلقت عليها أعمال إستشهادية وكان أغلب ضحايا تلك الأعمال هم المسلمون أنفسهم، وإنزوى الإسلام المعتدل ممثلا في الأزهر في مصر بل حاول بعض مشايخ الأزهر في الإنضمام إلى ركب التطرف حتى لا يتم أتهامهم أنهم أنهم أقل تدينا أو أنهم تخلوا عن ركب الصحوة الدينية، وأصيب العالم الإسلامي بما أسميه الهوس الديني، وتدهور العلم الحديث تم إستبداله بالحديث عن الإعجاز العلمي في التراث الإسلامي وتم إستبدال الطب الحديث بالعلاج ببول الإبل والحبة السوداء، وكنت أتوقع أنه مع أنتشار مظاهر التدين بهذا الشكل أن ترتفع وتسمو أخلاق المسلمين، ولكن على العكس:
رغم إنتشار الحجاب والنقاب: إنتشر التحرش الجنسي، مع أن المفروض أن الحجاب هو لحماية المرأة
ورغم إنتشار اللحى طولا وعرضا: إنتشر الفساد وإنتشرت الرشوة الصريحة والرشوة المقنعة
ورغم مظاهر التضيق على المرأة ومحاولة حصارها في البيت: أنتشرت الدعارة الصريحة كما أنتشرت دعارة أخرى تختفي وراء أنواع جديدة من الزواج ما كنا نسمع عنها قبل تلك الصحوة الدينية: مثل الزواج العرفي وزواج المسيار وزواج المتعة
ورغم كثرة الحديث عن الأمة الإسلامية وتوحد المسلمين: لم يشهد المسلمون تفرقا أكثر مما نشهد حاليا، ولم يشهد المسلمون إقتتالا بينهم وبين بعضهم البعض أكثر مما نشهد بعد الصحوة الدينية.
فهل كانت الصحوة الدينية وبالا على المسلمين، أم أنها أنتجت داعش حيث أن داعش سوف تقودهم بحد السيف لتوحيد كلمتهم حتى لو أدى الأمر ألى أن كل العالم سوف يعادي الإسلام، هذا هو سوف ما نعرف نتائجة في القرن الواحد والعشرين، أما نهاية للتطرف والعودة للإعتدال والأخذ بأسباب نهوض الأمم والتخلي عن مظاهر التطرف والتدين السطحي وإما الإستمرار في عداء العالم لأجل غير مسمى!!
نقلا عن إيلاف