أين ينشأ الإرهاب الذى يعنى قتل الناس باسم الدين؟ هذا هو السؤال الأكبر الذى يجب الاهتمام به إذا أردنا عقولاً متدينة فى اعتدال، تدفع بالتى هى أحسن وليس بالقنابل والرصاص. فى منتدى صحيفة الاتحاد تَشارك عشرات المفكرين والباحثين فى بحث ظاهرة الإرهاب من جميع الزوايا. اتفق الجميع على أن الفعل الإرهابى يبدأ بقناعات تستقر فى الرأس إما لأسباب اجتماعية مثل الاضطهاد والحرمان الاقتصادى والفقر وافتقاد الكرامة الإنسانية، وإما لأسباب نفسية مثل نزعة البحث عن الذات والتطلع إلى دور بطولى لدى الشباب، وإما لإحباطات شخصية تنشد إطاراً تعويضياً وإما بالقناعات بالخطاب الدينى المتطرف. الخلاصة التى تنبنى على هذا الاتفاق حول نقطة بداية الفعل الإرهابى هى أن الحرب العسكرية والأمنية ضد المنظمات الإرهابية لن تكفى وحدها للمواجهة. هنا تحتاج أمتنا التى تشهد جميع ساحاتها الإرهاب بدرجات مختلفة إلى فتح جبهة الحوار والفكر والإقناع سواء مع شبابنا الذين لم يتعرضوا لغواية الفكر المتطرف تثبيتاً لموقف الوسطية والتدين المعتدل أو مع شبابنا الذين ساروا فى طريق التطرف.. إن جبهة الحوار الفكرى لها رجالها من علماء الدين والمفكرين. غير أن نجاح هؤلاء فى إقناع الشباب بسماحة الإسلام ووسطيته واعتداله يقتضى فى نفس الوقت مجهودات رئيسية لإخلاء حياة شبابنا من الضغوط والإحباطات.
نأخذ هنا مثلاً يبين طبيعة هذه الجهود. ماذا إذا أقمنا حواراً بين علماء دين ممتازين يملكون الحجة والبرهان القرآنى على دعوتهم للاعتدال، وبين شريحة شباب تعانى الحرمان الاقتصادى وتعيش فى فقر قاس وتفتقر إلى الأمل فى الحصول على فرصة عمل كريمة ومسكن مناسب وعلاج يشفيها إذا مرضت ولا تجد أمامها سوى أبواب مغلقة ولا نرد على التماساتها وشكاواها إلا بالإهمال أو القبضة الحديدية.
ترى كم سيدوم فى عقول هذه الشريحة من الشباب أثر كلمات علماء الدين عن الوسطية والاعتدال وسماحة الإسلام. وماذا إذا ازدادت على هؤلاء الشباب وطأة الضغوط ثم جاءهم من يبشرهم بأن هناك طريقاً أفضل من المغامرة بالهجرة فى بحر هائج إلى الشاطئ الأوروبى فى زورق متهالك معرض للغرق. دعونا نتساءل ونفكر معاً فى قدرة الكلمات التى سيستمع إليها هؤلاء الشباب من الداعية أو المبشر الذى يعدهم بأنه يدلهم على طريق يوصلهم إلى إحدى الحسنيين إما الشهادة والجنة ونعيم العيش فيها وإما النصر والفوز بنصيب من الغنائم والنعم الوفيرة من مال ودور وزوجات متسلطة.
ترى من ستكون له فرصة أكبر فى السيطرة على عقول هؤلاء الشباب: عالم الدين الفقيه الوسطى المعتدل أم الداعية إلى التطرف الدينى؟!
لقد أبدع سيد ياسين عندما قال فى منتدى الاتحاد إنه تأمل طويلا مسألة الحوار الفكرى ووجد أنه لا فرصة لنجاحها دون إجراء تغييرات اجتماعية واسعة وعميقة. هذه تغييرات يجب أن تزيل الإحباطات الضاغطة على حياة شرائح واسعة من الشباب وتدفعهم إلى مخرج وحيد وهو التطرف الفكرى والجموح النفسى سواء أخذ صورة دينية أم صوراً أخرى. النقطة الجوهرية هنا تفيد أنه لابد لتجفيف المنابع البشرية التى تغذى الإرهاب بالشباب من إدارة الحوار الدينى على قاعدة اجتماعية صلبة توفر الحاجات الأساسية للشباب وتمنحهم الرضا عن مجتمعهم الراعى لهم؛ مما ينمى فى نفوسهم الاستعداد لتقبل سماحة الإسلام والاقتناع الراسخ بمنطق علمائه المعتدلين.
كان هذا مثالاً واحداً ضربناه بشريحة واحدة من الشباب ليمكن تطبيقه على باقى الشرائح مثل الطبقة الوسطى والطبقة الثرية، خاصة فى المجتمعات الثرية ومثل شريحة الشباب والشابات من ذوى الأصول المسلمة الذين يعيشون فى أمريكا وأوروبا ويهاجرون إلى داعش.
إن هناك رقماً متداولاً حول هؤلاء بأن عددهم بلغ ثلاثة آلاف. أرجو أن تضيفوا أيضاً شريحة بدأت تظهر فى أمريكا مثل المواطن الأمريكى زيل تومسون الذى أفادت بلدية نيويورك بأنه يبلغ من العمر ٣٢ عاماً وأنه قام بمهاجمة أربعة من أفراد الشرطة بفأس؛ فأصاب واحداً فى رأسه إصابة خطرة وأصاب الثانى فى ذراعه.
لقد اكتشفت السلطات أن تومسون الذى لا يبدو أنه مسلم بث شريط فيديو لنفسه على موقع قريب من داعش يقول فيه إن الجهاد رد مبرر على ظلم الصهاينة والصليبيين. «نقلا عن الحياة اللندنية ٢٥ أكتوبر».
ألا يمثل تومسون الأمريكى غير المسلم شريحة من الشباب فى العالم تبحث عن قضية تنتمى إليها وعن دور فى رفع الظلم عن شعب معذب وخاضع لاحتلال حقير وبغيض مثل الاحتلال الصهيونى.
ترى هل يتصور التحالف الدولى الذى يحارب داعش أنه سيستطيع وقف موجة الشباب الأمريكى والأوروبى المتعاطف مع خطابه دون أن يقوم بإرغام دولة الاحتلال الصهيونية على احترام القانون الدولى والانسحاب من الأراضى الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطينى من حقه فى تقرير المصير وإقامة دولته التى تحقق له الكرامة؟! إن هذا مثال آخر للجهود الرئيسية المطلوبة فى المجال السياسى الدولى لتغيير واقع ظالم ومحبط يهيج مشاعر الشباب الميالين للعدالة فى أمريكا وأوروبا. إنه لا يقل أهمية عن تغيير واقع الحرمان الاقتصادى واقتصاد الكرامة الإنسانية لكى تميل العقول ناحية الاعتدال. قيسوا على هذا لتصلوا إلى كل المطلوب.
نقلا عن المصر اليوم