الأقباط متحدون - رؤوس الأجداد.. وهامات الأحفاد '1'
أخر تحديث ٠٥:٠٣ | الاربعاء ٢٩ اكتوبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش ١٩ | العدد ٣٣٦٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

رؤوس الأجداد.. وهامات الأحفاد '1'

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

ماجد منصور
بحسب مناهج وزارة التربية والتعليم التي استمرت في تلقينها لأجيال متعاقبة من التلامذة، علي مدار عقود  طويلة وحتي اليوم، فإن نمو الروح القومية، بالإضافة إلي تطوير نظم الحكم والإدارة، وبدء عملية إصلاح شاملة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والصحة، فضلاً عن توجيه أنظار الدول الأوروبية نحو أهمية موقع مصر الجغرافي،.. بجانب المحاولة الفاشلة لشق قناة السويس، كانت من أهم نتائج الحملة الفرنسية علي مصر.. مع ذلكفإن تأليف كتاب وصف مصر، والتوصل إلي

مفاتيح اللغة الهيروغليفية، كانت بالفعل هي المحصلة الأبرز علي المستويين العلمي والثقافي بصفة خاصة، والإنساني بشكل عام.. فبرغمهزيمة نابليون وتدمير أسطوله في موقعة أبي قير البحرية علي يد القوات البريطانية، ورحيل الفرنسيين عن مصر منكسرين مع بداية خريف 1801 إلا أن معركة فك طلاسم اللغة الهيروغليفية من خلالالنص المحفور علي حجر رشيد، والذي عثر عليه الضابط الفرنسي بيير فرانسوا بوشار عام 1799، إستمرت بين البلدين حتي عام 1822 عندما حسمها شامبليون لصالح فرنسا متفوقاً علي نظيره الباحث الانجليزي توماس يونج، حيث كان الحجر يحمل وثيقة أصدرها كهنة منف عام 196 ق.م، شكراً وعرفاناً لبطليموس الخامس ملك مصر، تم نقشها مكررة بثلاث لغات هي:

الهيروغليفية والتي كانت تعد اللغة الدينية المقدسة والمستخدمة في المعابد، والديموطيقية وتعتبر بمثابة العامية المصرية آنذاك، بالإضافة إلي اليونانية القديمة والتي من خلال إجادة شامبليون لها بجانب اللغة القبطية أو المصرية القديمة، إستطاع حل اللغز المبهم.

وفي عام 1869 جاء نحات فرنسي يدعي فريدريك بارتولديإلي الخديوي اسماعيل عارضاً نموذجاً مصغراً لتمثال يجسد سيدة تحمل مشعلاً، ومقترحاً وضعه في مدخل قناة السويس المفتتحة حديثاُ وقتذاك، تحت إسم 'مصر تجلب النور إلي آسيا' ورغم إعجاب الخديوي بالفكرة إلا أنه اعتذر عن قبول المشروع لضخامة تكاليف تنفيذه، وعدم توافر السيولة اللازمة له.. ولم تمض أكثر من ست سنوات وبالتحديد عام 1875 حتي كشف بارتولدي عنتمثالاً قام بنحته لشامبليون العظيم يقف واضعاً قدمه اليسري فوق رأس ولي نعمته وجالب عظمته الفرعون المصري المهيب، ولسان حذائه يكاد ينطق في اختيال: ها أنا قد أخضعت هامتك أيها الملك المعظم، وفتحت خزائن أسرارك المنيعة!!

ولكن الأمر المثير للامتعاض والاشمئزاز أن نفس تمثال 'مصر تجلب النور إلي آسيا' الذي نحته بارتولدي، وبالغ في ثمنه بحيث عجزت مصر عن شرائه، نظراً للتكاليف الباهظة التي تحملتها في حفر قناة السويس، ثم حفل افتتاحها الأسطوري، نفس ذلك التمثال أجري عليه بارتولدي بعض التعديلاتلتقدمه فرنسا إلي الولايات المتحدة الأمريكية تحت إسم 'تمثال الحرية' في 28 أكتوبر عام 1886 كهدية تذكارية خالصة الثمن بهدف توطيد أواصر الصداقة والمودة بين البلدين!!

والمدهش أن هذاالتمثال الضخملشامبليون المنحوت والقابعفي مكانه بباحة الكلية الفرنسية الكائنة داخل جامعة السوربون العريقةمنذ قرابة القرن ونصف، لم يجذب انتباهأي من عصمت عبد المجيد وزير خارجية مصر الأسبق، أوبطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، أو عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق، أوأمير الشعراء أحمد شوقي، أوعميد الأدب العربي طه حسين أوكثيرين غيرهم من أعلام السياسة والفن والأدب المصريين الحاصلين علي أعلي الدرجات العلمية من نفس الجامعة.. لماذا لم يتحرك هؤلاء وغيرهم طيلة العقود الماضية!! ولماذا لم نسمع صوت أو صدي اعتراض الرافضون لمثل هذا العمل المنتسب إلي الفن والمحتمي باطلاً في حرية الفكر والإبداع!!

صَمَت المسؤولون في الحكومات المتعاقبة، ولم يحركوا ساكناً رغم أنهم بالتأكيد كانوا يعلمون بأمر التمثال المسئ لأن المسؤولون في بلادنا لا يتحركون للأسف إلا خوفاً من غضب الجماهير.. هكذا عهدناهم في السابق، حتي فيما يتعلق بالأديان والمعتقدات، لم نر يوماً مسؤولاً انتفض محتجاً علي إهانة الخواجات لمقدساتنا إلا حفظاً لماء وجهه، واتزان كرسيه أمام جموع المواطنين.

وأنا لا أدعي السبق في فتح ملف هذا التمثال العار علي شامبليون وفرنسا كلها والغرب قاطبة، قبل أن يكون محتقراً لمصر وتاريخها من خلال ازدراء حكامها، ولكنني أسعي لتحقيق نصراً حاسماً لكرامتنا كمصريين، في واحدة من جولات الصراع لأجل استعادة عزتنا الوطنية، وذلك عبر سلسلة من المقالات سيتوالي نشرها في الأعداد القادمة ويشارك فيها المسؤولون والمواطنون والمثقفون من هنا وهناك.. فلنتفاءل بالخير.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter