«أنا ابنُ مصرَ العظيم، أنا ملكُ أعظم أمة على وجه الأرض. سأقاتلُ، وأمحو من الوجود كلَّ من يفكر أن يعتدى على مصرَ، أو يحاول الاقتراب منها ليؤذى شعبى العظيم. سأُذِلُ كلَّ أعدائى وأعداء بلادى ومملكتى؛ لتظلَّ مصرُ الأعلى، والأقوى، والأغنى، والأعظمَ على وجه الأرض».
كلماتٌ قالها «الجدُّ الأعظم»، كما سمّاه أسلافُنا المصريون، قبل ثلاثة وثلاثين قرناً، وُجدت محفورةً بالحروف الهيروغليفية الأنيقة على جدارية هائلة: تصوّر ذاك الفارس، الملك رع مسيس الثانى، ابن الأسرة التاسعة عشرة، أحد أهم وأعظم ملوك طيبة، وهو يدوس بخُفِّه أحدَ أعداء مصر، بعدما طرحه أرضاً، بينما يصرع بحربته عدوًّا آخر يقف أمامه مدحوراً ذليلاً.
عاش جدنا الأعظم تسعة وتسعين عاماً، حكم مصر منها سبعةً وستين، قائداً عسكرياً لم يعرف التاريخُ مثله. وربما من تحصيل الحاصل التأكيد على أن ذاك الفرعون الفارس ليس، كما يُشاع، فرعون موسى المذكور فى القرآن الكريم؛ لعديد الأسباب، منها أنه، كما أسلفنا، قد أوغل فى العمر ولم يمت غرقاً، مثل صاحبنا الأشِر، كما كان له العشرات من البنين والبنات من خمس زوجات ملكيات وتسع عشرة زوجة غير رسمية، بينما تقول الآية الكريمة فى سورة القصص: «وقالتِ امرأةُ فرعونَ قرةٌ عين لى ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا، أو نتخذه ولدا» بما يعنى أن ذلك الفرعون وزوجته لم ينجبا؛ فكانا يرجوان أن يكون هذا الطفل النبىُّ عليه السلام، ولداً لهما.
وأدعوكم إلى قراءة كتاب: «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور «نديم السيار»، لمراجعة عشرات الدلائل الموثقة على كذب هذا الزعم الباطل، وتحديد شخصية الفرعون المذكور فى قصص الأنبياء، لنتبيّن أنه لم يكن مصرياً، بل كان من ملوك الهكسوس المحتلين ممن حكموا مصر ونالوا لقب «فرعون»، الذى كان يُمنح لكل من يحكم مصر؛ بصرف النظر عن عِرقه وجنسيته.
ولأنها حسناءُ، فاتنةٌ، على المستويين الجغرافى والتاريخى، فقد نُذرت منذ مولدها لأن تكون مطمعاً للغُزاة الذين راموا على مدار التاريخ أن يسرقوها، فكانت هى تسرقهم. فإما «يتمصّرون» ويذوبون فى طميها ونيلها ويخضعون لهُويتها العريقة، أو تطردهم شرّ طردة، فيخرجون منها مدحورين. تلك هى مصرُنا الساحرةُ التى آذاها الجميعُ وما آذتِ الطيّبةُ أحداً. وكيف لا تكون مطمعاً، وهى تحتل تلك المكانة الرفيعة تاريخياً: أولى حضارات الأرض، ومعقل الفنون والعلوم والآداب والثقافة والتنوير! وكيف لا تكون مرمى الغُزاة وهى تحتلُّ هذا المكان الفريد جغرافياً: بحران ونيل وملتقى ثلاث قارات؟!
لكنْ، كما كتب الُله لها ذلك الحُسنَ الذى يُغوى، وكما قدّر لها الطامعين الذين يغزون، نذَر لها، من أبنائها فى كل عصر، فارساً جسوراً يذود عنها كيدَ الغُزاة، ويردُّ سهامَهم إلى نحورهم.
من الهكسوس للأشوريين للفرس للبطالمة للرومان للبيزنطيين للفرنسيين للإنجليز وصولاً إلى صهيون، تقعُ الجميلةُ ثم تنهضُ من عثرتها حين يريدُ الشعبُ أن يتحرّر، فيهمُّ فارسٌ يقود معركة التحرير.
أقول هذا لأذكّركم ونفسى بأن معركتنا الراهنة مع الإرهاب، وإن كانت أشرس معاركنا لأن عدوّنا هذه المرة هو الأحطُّ والأخسُّ والأخونُ، سنخرج منها منتصرين كما عهدِنا مع التاريخ. وللقائد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أذكّركَ بالحكمة الخالدة التى قالها حكيمٌ فرعونى لأحد فرسان مصر: «لا تخفْ يا بُنى. فالحاكمُ الذى قاعدةُ قوته تأييدُ الشعب، أقوى من ذاك الذى يعتمد على قوة السلاح».
نقلا عن الوطن