الأقباط متحدون - اختراعات بالكوم
أخر تحديث ٠٦:٥٧ | الخميس ٦ نوفمبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش٢٧ | العدد ٣٣٧٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

اختراعات بالكوم

أسامة غريب
أسامة غريب

حفلت الصحف طوال الشهر الماضى بسيل منهمر من الأخبار عن اختراعات جديدة توصل إليها الطلبة فى مختلف المحافظات.. كل يوم خبر جديد عن اختراع متميز يحل جانباً من مشكلات البشرية فى غمضة عين. قرأنا خبراً يقول: طالب ثانوى يخترع جهازاً لفض المظاهرات بدون إراقة دماء، وفى اليوم التالى خبراً عن تلميذ بالإعدادية فى الصعيد يخترع مروحة تعمل بدون كهرباء، وفى اليوم السابق كنا قد رأينا خبراً عن زويل الصغير، التلميذ بالثانوى الذى اخترع جهازاً له القدرة على اختراق سطح القمر والنفاذ فى عمق ٢٠٠ كيلومتر من الصخور، وبالتالى يمكنه حفر قناة السويس فى يومين!

وأهم من هذا كله الخبر الخاص بطالب الثانوى الذى اخترع جهاز «الطاقة الحرة» الذى يقوم بتوليد الكهرباء من خلال خزانات الهواء فى البحر أو أى سائل كثافته ثابتة، وهو جهاز صديق للبيئة يعمل مدى الحياة ويمكنه إنتاج كهرباء تعادل مائة بالمائة مما لدينا فعلياً.

كل هذه نماذج لأخبار نشرتها وسائل إعلام محترمة استفاضت فى شرح أهمية الاختراع والآمال التى يعلقها الوطن على نتائجه. لكن بعد ذلك لا حس ولا خبر ولا متابعة ولا إثبات ولا حديث عن جهات تبنت الاختراع، ولا أجهزة تعاقدت مع المخترع، ولا رجل أعمال تكفل برعاية الاختراع وصاحبه، ولا هيئة بحث علمى حفلت بالدخول على الخط ومناقشة العلماء الصغار. وهذا الإهمال التالى للدوشة والبروباجاندا والصياح يثير الشك فى أن الموضوعات كلها هجص فى هجص، وأنها من قبيل الدعاية الفجة لمنتَج لا وجود له يتشابه مع اختراع علاج الأمراض المستعصية بتحويل الفيروسات لأطباق شاورمة ولحمة راس!

الذى يثير الحنق فى هذه الأمور هو استخفاف أصحابها بالجمهور المصرى والتعامل معه بحسبانه قطيعاً يمكن التدليس عليه وإدخال السعادة الزائفة إلى قلبه من خلال الأوهام، ولابد أن مطلقى هذه الهجايص هم أنفسهم الذين يمررون للإعلام أخباراً عن قائد البحرية الأمريكية الذى أسرناه وحبسناه فى دار ابن لقمان، وعن مذكرات هيلارى كلينتون التى كتبوها نيابة عنها، وفى كل يوم يضيفون إليها فصلاً جديداً على حسب الحاجة!

يا سادة.. المخترعات العلمية فى الوقت الحالى لم تعد عبارة عن إلهام أو وحى يتلقاه الشخص المتأمل وهو جالس تحت شجرة أو بينما يستحم فى البانيو.. هذه مرحلة تجاوزتها البشرية من زمان. الاختراعات الآن عملية بالغة الصعوبة والتركيب يلزم لها التفرغ التام وتحصيل معرفة علمية ضخمة ومتراكمة فى بيئة صحية تشجع على العلم وترعى المواهب.

لذلك اعذرونى إذا لم أصدق أن تلميذاً بالثانوية العامة «أدبى» قد اخترع جهازاً يمكن أن يحفر لنا ١٥ قناة كل شهر! أو أن تلميذاً بالإعدادية فى مدرسة بالصعيد بلا معامل ولا فصول ولا حوش ولا مدرسين متعلمين قد اخترع مروحة تعمل بدون كهرباء، اللهم إلا إذا كان يقصد «مروحة الليدى وندرمير» الورقية!

إننى بكل تأكيد لا أستهين بأحلام الشباب ولا أنفى إمكانية وجود مواهب تحتاج للتعليم والتدريب، لكن الصورة التى نراها لا تبعث على الثقة، خاصة من جانب الذين لا يريدون من الشاب الصغير غير استهلاكه كفوطة تلميع!

نقلا عن المصري اليوم
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع