منطقة عازلة على الحدود من أجل الأمن القومى محاولة عاجلة من الحكومة لوضع حد للعمليات الإجرامية التى تجرى على الحدود مع غزة، بعد نفاد صبر المسؤولين فى مصر عما يحدث طوال السنوات الماضية، وبالرغم من محاولات عديدة أجريت للحفاظ على الأمن القومى المصرى دون الإضرار بأهل رفح والمناطق الحدودية مع قطاع غزة، إلا أن تكرار الجرائم الإرهابية مع انتشار الأنفاق واستمرار تهريب السلاح والإرهابيين- لم يعد ممكناً قبوله، ولا بقاء الأوضاع على ما هى عليه.
كثيرون يتحدثون عن مخاطر التهجير، وأنه ليس الخيار الأفضل فى هذه الأزمة، وأنا أتفق معهم فى ذلك، فالتهجير ليس هو الخيار الأفضل، ولكنه حالياً هو الخيار الوحيد، فليس من المعقول الحديث عن تنمية سيناء وضرورة إشراك أهل سيناء فى عمليات التنمية وخدمة المجتمع، فى الوقت الذى يتساقط فيه العشرات من جنود الجيش والشرطة، وكذلك المدنيون، بيد الإرهابيين الذين يستغلون الأنفاق فى تحقيق مصالحهم، ويساعدهم فى ذلك بعض من المجرمين الذين يبحثون عن أحلام الثراء السريع، ويستغلون مثل هذه الأنفاق فى تحقيق ثرواتهم حتى ولو على جثث إخوانهم فى الوطن.
نعم، التهجير ليس هو الخيار المناسب، ولكن ماذا تفعل السلطة الحالية فى مواجهة إرث من الفساد والاستبداد السياسى والدينى زرعته الأنظمة السابقة، واستغلال الجهل والفقر وغياب المؤسسات السياسية والمدنية، وغض البصر عن الممارسات الإجرامية لبعض فئات المجتمع، وبدلاً من تخفيف العبء عن أهل غزة المحاصرين، يساهمون فى تهريب السلاح والمخدرات والأفارقة إلى جانب الإرهابيين عبر رفح والعريش، وظهور مئات الأنفاق داخل منازل ودور العبادة وأماكن لا يتوقع أحد أن يتم استغلالها بهذا الشكل المروع يفضح كل هذه المخططات، إلى جانب تهريب البنزين والسولار وأنابيب البوتاجاز والسلع الغذائية والتموينية بل ومواد البناء أيضاً، حتى حققت الأنفاق رواجاً للبعض بشكل لا يصدقه عقل.
أتفق مع من يعتبر أن تنمية سيناء أهم من الحديث عن المنطقة العازلة والتهجير، ولكن هناك حاجة أيضا إلى تغيير البيئة التى تسمح بخروج عشرات من الإرهابيين والمتطرفين، فى ظل الجهل والفقر والخطابات الدينية الخاطئة، وسط استمرار خطابات التحريض على العنف وبث الكراهية، ومناهج تعليمية مشوهة تجنح بعقول التلاميذ إلى أفكار مغلوطة وتعزيز من البيئة الحاضنة للإرهاب، تشكل خطورة على المجتمع أكثر من مخاطر التهجير التى تقلق بعض النشطاء والسياسيين!
لا أختلف مع من يبحثون عن التنمية وحقوق الإنسان والحريات، فكلها قضايا ناضلنا من أجلها طوال السنوات الماضية، وأفنينا عمرنا فى الدفاع عن حقوق المواطن المصرى ومبدأ المواطنة والمساواة وتجريم التمييز، نحو تدعيم أساس الدولة الدستورية الوطنية الحديثة العادلة، التى لا تفرق بين مواطن وآخر بسبب الجنس أو الدين أو المعتقد أو اللون أو الموقع الجغرافى، ولكن لم يعد هناك بديل عن ترحيل سكان عدد من المنازل من أجل وقف كل ما يهدد الأمن القومى، وتوفير حماية أكبر لهؤلا المهجرين مؤقتا ولغيرهم من كل أبناء المجتمع.
نتفق على أن ما يحدث ليس تهجيرا قسريا بالشكل الذى يحظره الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأن هناك تعويضات يتم صرفها وأماكن سيتم توفيرها لكل من تضرر من هذا الإخلاء، ولكن السؤال المهم: كيف ستتم عملية الإخلاء بالشكل الذى لا يخلق مخاطر فيما بعد؟
لا نريد تكرار ممارسات الشرطة التى توغلت فى سيناء عامى ٢٠٠٤ و٢٠٠٥، وعبر ممارسات قمعية على خلفية جرائم إرهابية- مثل حادثة «طابا»- صنعت هوة كبيرة بين المواطن السيناوى والدولة، وفجوة لا يغفلها أحد، وهو ما لا نريده.
وهناك أيضا تساؤلات بشأن متابعة المهجرين، فمن يضمن عدم تسلل عدد من الإرهابيين أو المتعاطفين معهم إلى مناطق متفرقة فى أنحاء البلاد بعد إبعادهم عن منازلهم، والمساهمة فى التخطيط أو تنفيذ جرائم إرهابية فى مختلف المحافظات، ونقل الإرهاب من سيناء إلى مناطق أخرى؟ هل تملك الحكومة الأدوات اللازمة لمتابعة ما يجرى منعاً لتفاقم الأزمة أم لا؟
نحن نريد التنمية وحقوق الإنسان والحفاظ على الحريات العامة للمجتمع، وفى الوقت نفسه نؤيد القرارات التى تحافظ على الأمن القومى الذى يجب أن يكون فوق الجميع، ولكن علينا أن نفكر أيضا فى كيفية خلق مواطن يحترم الدستور والقانون ويرفض الممارسات الإجرامية والمتطرفة، وعدم السماح بوجود مجتمعات حاضنة للإرهاب فكرا وعملا.. هذا هو التحدى!
*برلمانية سابقة وأستاذة العلوم السياسية
نقلا عن المصري اليوم