الأقباط متحدون - مصر.. بين البابا والمرشد
أخر تحديث ١٦:٢٩ | الجمعة ٧ نوفمبر ٢٠١٤ | بابة ١٧٣١ ش٢٨ | العدد ٣٣٧٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر.. بين البابا والمرشد

احمد عبد المعطى حجازى
احمد عبد المعطى حجازى

 ليس جديدا ولا مستغربا ذلك الخبر الذى نشرته الصحف قبل أيام وجاء فيه أن عدد المسيحيين فى بلاد الشرق الأوسط تراجع خلال الأعوام المائة الماضية من نحو خمسة عشر فى المائة إلى خمسة فى المائة هذا العام. ليس هذا جديدا ولا مستغربا، لأنه واقع راهن وأحداث يومية نتابعها فى بلادنا وفى البلاد المحيطة بنا.

 
منذ علت موجة الإسلام السياسى فى مصر بعد هزيمة يونيو 1967 وسقوط المشروع الناصرى واستئثار السادات بالسلطة وإعلانه الحرب على التيارات المعارضة وتحالفه مع جماعة الإخوان الإرهابية لم تتوقف الجرائم التى ارتكبت فى حق المسيحيين المصريين. القتل، والخطف، والتهجير، واشعال الحرائق فى المحلات والمنازل والكنائس وسوى ذلك من الجرائم التى تواترت ووجدت فى السلطة من يتجاهلها ويتستر عليها، ونتج عنها مناخ طائفى مسموم زكم الانوف وفرض نفسه على المسلمين والمسيحيين الذين خابت آمالهم فى الشعارات الوطنية التى التفوا حولها ولم يبق لهم إلا الدين بتياراته العنيفة المتطرفة التى تبنتها جماعات الإسلام السياسى وكانت لها بالضرورة ردود فعل لدى المسيحيين المصريين الذين لجأ بعضهم للهجرة وبعضهم للعزلة والانسحاب.
 
 
والذى حدث فى مصر خلال العقود الأربعة الماضية حدث بصورة أعنف وأبشع فى تركيا التى كان المسيحيون يمثلون فيها نحو عشرين فى المائة فاصبحوا أقل من واحد فى المائة.
 
 
ونحن نقرأ ما يحدث فى العراق للمسيحيين واليزيديين وللمسلمين الشيعة على أيدى المسلمين السنة، ولهؤلاء على أيدى الشيعة.
 
 
ليس جديدا ولا مستغربا إذن ما قرأناه عن تراجع الوجود المسيحى فى بلادنا، فضلا عن أنه ليس مجرد تراجع وإنما هو أشبه بحرب الإبادة أو الانقراض.
 
 
ولقد يرى البعض أن الحديث فى هذه المسألة ربما أيقظ جروحا نائمة، فالأولى بنا أن نتجنب الحديث فيها ونلتفت لما يمكن أن نجبر به الكسر وندعم الوحدة الوطنية. لكن الصمت هنا دفن للرؤوس فى الرمال. وإذا كان الشعور بالحرج يمنع مصريا مسيحيا من الكلام فى هذا الموضوع، فالمصرى المسلم لا حرج عليه. بل إن واجبه الوطنى وواجبه الدينى يحتمان عليه أن يستنكر ما يتعرض له المسيحيون فى مصر وغيرها ويفضحه ويقاومه، خاصة حين يقع العدوان عليهم من مسلمين يزعمون أنهم يمثلون الإسلام ويتحدثون باسمه وينفذون تعاليمه، كما يفعل هؤلاء السلفيون ومن هم على شاكلتهم من المتطرفين المتخلفين الذين يرمون المسيحيين بالكفر ويدعون لمقاطعتهم ويرفضون مساواتهم بالمسلمين فهم فى نظرهم ليسوا أهلا للجلوس فى مقاعد النواب ولا لتولى المناصب الحكومية الرفيعة. وليسوا حتى أهلا لأن توجه لهم التحية أو التهنئة.
 
 
وقد رأينا كيف رد البابا تواضروس على هذه البذاءات حين أعلن أكثر من مرة أن ما يتعرض له المسيحيون لن يستدرجهم لأى موقف يبتعدون فيه عن وطنهم. وأن وطنا بلا كنيسة خير من كنيسة بلا وطن. وهى كلمة صادقة ومبدأ التزمته الكنيسة المصرية طوال تاريخها بل إنه المبدأ الذى انبثقت منه الكنيسة وظهرت للوجود، فالولاء لمصر التى كانت ولاية تابعة لبيزنطة أدى برجال الدين المصريين إلى التمسك بعقيدتهم التى يرون فيها المسيح طبيعة واحدة اتحد فيها اللاهوت والناسوت على عكس ما رأت الكنيسة البيزنطية التى ميزت بين الطبيعتين. وقد انتهى هذا الخلاف العقائدى بانفصال الكنيسة المصرية عن كنيسة بيزنطة، وتخليها عن اللغة اليونانية التى كانت تستخدمها فى إقامة شعائرها واستخدامها اللغة القبطية تأكيدا لانتمائها الوطنى وحثا للمصريين على مقاومة البيزنطيين والدفاع عن حرية بلادهم واستقلالها.
 
 
ولكم أن تقارنوا بين مصر كما يراها البابا تواضروس وتراها الكنيسة المصرية ومصر كما يراها مرشد الإخوان مهدى عاكف الذى أعلن أنه لا يمانع فى أن تكون مصر ولاية تابعة لماليزيا إذا استطاعت ماليزيا أن تحيى الخلافة الإسلامية، فلما استنكر البعض ما قاله هذا الأخ، صاح صيحته التى جعلته مشهورا فقال: طظ فى مصر!
 
 
والواقع أنها ليست كلمة مهدى عاكف وحده، وإنما هى كلمة الإخوان جميعا وغيرهم من جماعات الإسلام السياسى التى عادت للوراء عشرة قرون لتتبنى فقه البادية وتعتبر الولاء للوطن نوعا من الشرك الذى يجب على المسلم أن يتخلص منه ليكون ولاؤه للعقيدة الدينية وحدها ولمن يشاركونه فيها، فالماليزى أو الباكستانى أو الأفغانى أقرب لمهدى عاكف وللإخوان والسلفيين من المسيحى المصرى الذى كانت كنائسه فى أيام الإخوان تحرق، وكانت منازله ومحلاته تنهب، ليأتى المتنطعون المحترفون بوجوههم الشبيهة بوجوه التيوس يخيرونه بين الموت والهجرة، فى الوقت الذى كان فيه الرئيس الإخوانى يتنازل عن سيناء للإرهابيين، وعن حلايب وشلاتين لغيرهم، وكانت مصر كلها مهددة بالأخطار الرهيبة التى تمزق الآن سوريا والعراق وليبيا واليمن وتحولها إلى ساحات مفتوحة لحرب همجية لا يتورع فيها طرف عن ارتكاب أى جريمة.
 
 
ولقد يرى بعضنا أن الرابطة الوطنية فى مصر أقوى من أن تتعرض لما تعرضت له فى هذه البلاد، لأنها تقوم على أساس متين وتتغذى بتراث عريق حى.. وأنا لا أشك فى قوة الرابطة الوطنية التى تجمع بين المصريين على اختلاف عقائدهم الدينية. يكفى أن نعرف أن المسلمين المصريين ليسوا إلا أحفاد المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام، وأن هؤلاء وهؤلاء عاشوا فى ظل حضارتهم الفرعونية زمنا أطول بكثير من الزمن الذى عاشوه فى ظل المسيحية والإسلام.. لكن علينا ـ أيضا ـ أن نكون صرحاء وأن نعترف بأن هذا الماضى لم يكن جامعا دائما، ولم يخل من أطوار وأوضاع فرقت بين المسلمين والمسيحيين، المسلمون فى نظر الحكام الذين كانوا كلهم أجانب هم أصحاب الحق ـ نظريا فقط!ـ أما المسيحيون فقد عوملوا باعتبارهم ذميين يعيشون فى حماية المسلمين ويدفعون الجزية مقابل هذه الحماية التى لم تمنع وقوع الاضطهاد وقد عاش المسيحيون المصريون فى هذا الوضع المهين حتى انتشلهم منه سعيد باشا فى أواسط القرن التاسع عشر.. وهاهم السلفيون وأمثالهم ممن لا تهمهم الوحدة الوطنية، ولا تعنيهم الديمقراطية، ولا تمثل لهم شيئا حقوق المواطن وحقوق الإنسان، يتحدثون عن المسيحيين بلغة الماضى، كأن مصر لاتزال سلطنة مملوكية، أو ولاية عثمانية، وكأن المسيحيين لايزالون ذميين، فإن كانوا قد أصبحوا مواطنين فعليهم أن يعودوا ذميين كما يقضى بذلك فقه البادية الذى يتبناه الإخوان والسلفيون، كما تتبناه داعش، والقاعدة، وطالبان، وبوكو حرام.. والخطر إذن قائم لأننا لا نواجهه، وفقه البادية سائد منتشر لأننا لا نراجعه ولا نصححه ولا نلقنه لغة العصر وثقافته وقيمه ومطالبه.. والنتيجة هى ما نرى، الإخوان وحلفاؤهم يعيثون فسادا فى الوطن، والمسيحيون المصريون الذين لجأوا للهجرة يزيدون على المليونين.
نقلا عن الاهرام

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع