الأقباط متحدون - «الوطن» تواصل نشر مذكرات سعدالدين إبراهيم.. علاقتي مع «موزة»
أخر تحديث ٠٧:٠٨ | السبت ٨ نوفمبر ٢٠١٤ | ٢٩ بابة ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٧٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«الوطن» تواصل نشر مذكرات سعدالدين إبراهيم.. علاقتي مع «موزة»

سعد الدين إبراهيم خلال لقائه بالشيخة موزة
سعد الدين إبراهيم خلال لقائه بالشيخة موزة

قلت لـ«الشيخة موزة»: لم أكن أدرك أنكِ بهذا الجمال.. فقالت: الإخوة المصريون دائماً مجاملون

أمير قطر قال إنه محاط بثلاثة غيلان «إيران والعراق والسعودية».. فقرر الاستعانة بحماية «البلطجى الأعظم» مقابل قاعدة حربية

«حمد»: خلعت والدى وأطلقت يدها فى كل الملفات التى تهمها فماذا أفعل أكثر من ذلك حتى تتغاضى عمَّا فعله والدى مع والدها؟

فى الحلقة السابقة، تحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم عن لقائه بالرئيس الأمريكى جيمى كارتر، ثم استعرض بالتفصيل ملابسات لقائه مع جورج بوش الابن على هامش مؤتمر براغ. ونقل عن بوش قوله: «إن مبارك غير قادر على إحداث تغييرات جوهرية»، كما تساءل الرئيس الأسبق عن قوة الإخوان فى مصر، وكشف أنه طالب «بوش» بربط «المعونة» بنزاهة أى انتخابات قادمة. وتسبب هذا اللقاء فى غضب حسنى مبارك الذى استدعى السفير الأمريكى وشتمه لاعتقاده أنه رتب اللقاء مع «بوش». وفسر سعد الدين إبراهيم إعلان ترشحه للرئاسة لكسر جدار الخوف والتأكيد أن مصر فيها 1000 بديل لـ«مبارك» ونجله.

تلقيت دعوة إلى الدوحة لإلقاء محاضرة عامة نظمها المجلس الوطنى للثقافة ونادى الجسرة بالدوحة وكان الداعى هو الصديق يوسف الدرويش، رئيس تحرير صحيفة «الراية»، التى كنت أكتب فيها منذ عشرين سنة وكانت المحاضرة بعنوان «بيد عمرو إن لم تسارع أيادينا»، وهو عنوان مقال نُشر لى فى صحيفة «الحياة» قبل الغزو الأمريكى للعراق وأثار سجالاً واسعاً فى الصحافة العربية، وهذا هو نص المقال:

«كالعادة أثارت راغدة ضرغام فى مقالها المتميز فـى (الحياة) بعضاً من المسكوت عنه فى حوارات المثقفين، وفى مراوغات محترفى السياسة العرب ففى ضوء الغزو الأنجلوأمريكى للعراق فى ربيع 2003، والتدخل الأمريكى فى قضية الشرق الأوسط والرعاية الأوروبية الأمريكية لاتفاق ماشاكوس فى السودان فى خريف 2002، يحق لراغدة ضرغام أن تسأل وتقرر الجواب: التغيرات تأتى من الخارج إذا لم تنبثق من حيوية دائمة فى الداخل الحالات الثلاث المذكورة أعلاه (العراق وفلسطين والسودان) هى نماذج درامية لصراعات ملتهبة وممتدة، فى قلب الوطن العربى أو أطرافه وقد مضى على كل منها ما لا يقل عن ثلاثين سنة من دون أن يحسمها العرب حرباً أو سلماً، على رغم استنزافها مئات الآلاف من الأرواح، وبلايين من الدولارات، وعلى رغم تعطيلها مسيرة التنمية والتقدم والديمقراطية فى بلدانها، بل فى الوطن العربى. إن تفجير الصراعات الممتدة والملتهبة قد لا يكون مسئولية الأنظمة العربية الحاكمة وحدها، وقد لا يكون المثقفون العرب مسئولين عنه أصلاً. لكن مسئولية الحكام (أصحاب الأفكار) هى فى استمرار هذه الصراعات، ولكن لهم مصلحة فى استمرارها، أو كأنهم عاجزون عن مواجهة شعوبهم باستحالة حسمها حرباً، وعاجزون عن مصارحة شعوبهم بضرورة قبول الحل الوسط الذى ينطوى على مصالحات تاريخية بين الأطراف المتصارعة، إحدى مآسى الأمة العربية أن غوغائية بعض حكامها أدت إلى ادمان الشعوب الحدود القصوى فى معظم قضايانا العامة، بحيث أصبح أى إنجاز من دون هذه الحدود القصوى يعتبر موتاً للقضية، وتفريطاً فى الحقوق المقدسة أو إهداراً للثوابت!



«إبراهيم» مع قيادات مؤتمر الإصلاح والديمقراطية

والأكثر مأساوية فى هذا كله هو أن جمهرة المثقفين العرب وقعت بدورها أسيرة فى شرك هذه الغوغائية التى احترفها الحكام، بل تحول بعض هؤلاء المثقفين إلى خبراء لتسويق هذه البضاعة الغوغائية، ولم يتوقف معظمهم لمساءلة الحاكم عن الحصاد المر لهذه التجارة الخاسرة: لماذا لم ينجح أى منهم فى إنجاز شعار واحد مما رفعوه هم وحلفاؤهم منذ الخمسينات؟ لماذا لم يحرروا شبراً واحداً من فلسطين؟ لماذا لم ينجحوا فى حل المشكلة الكردية فى العراق؟ لماذا لم يحلوا مشكلة السودان الذى فقد فى حربه الأهلية نحو مليونى قتيل خلال 40 عاماً؟ لماذا لم ينجحوا فى وضع حد لدموية صدام حسين؟ أليست المهمة الأولى لأى مثقف يستحق هذا الوصف أن يتساءل، وأن يكون ناقداً للواقع الذى يعيش فيه، وأن يكون مستشرفاً وداعياً إلى واقع أفضل؟

وتصل المأساوية إلى ذروتها حينما يزايد المثقفون على حكامهم فى غوغائية المطالبة بالحدود القصوى فى كل مسألة عامة، من دون اعتبار لموازين القوة أو القدرة، بل من دون اعتبار للكثير من القيم الإنسانية، التى أصبحت جزءاً من الضمير العالمى بل الأنكى والأضل سبيلاً هو قيام بعض المثقفين بابتزاز حكامهم، إن جنح هؤلاء إلى قبول مثل هذه المصالحات، أى أن هذا النوع من المثقفين، الذى وقع أسيراً لشعارات حكامهم الغوغائية، تحولوا بمرور الزمن إلى كابح للحكام، إن هم حاولوا التخفيف من غوغائيتهم، أى أننا نصبح فى صدد حكام سيئين ومثقفين أسوأ، وتكون النتيجة إعادة إنتاج ثالوث الاستبداد والفساد والخراب وهو ثالوث يستند فى رأسه إلى حكام مستبدين، وفى أحد أضلاعه على مثقفين متواطئين، وفى ضلعه الثالث على شعوب عربية غائبة الوعى، يتملكها الخوف من حكامها، ويستبد بها الفزع.

إن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة العربية جعلتها فى بؤرة الاهتمام الـدولى خـلال القرون الثلاثة الأخيرة، وتضاعفت هذه الأهمية فى القرن الأخير مع اكتشاف النفط فى أطرافها وغـرس إسرائيل فى قلبها، ولم تعد القوى الكبرى فى النظام العالمى الجديد تطيق أنظمة مستبدة معـادية أو مستهترة بمصالحها، لقد انتهت الحرب الباردة، التى كان أحد قطبيها يقدم الرعاية أو الحماية لبعض الأنظمة المستبدة مهما بلغ استبدادها الداخلى أو عبثها الإقليمى، وبنهاية الحرب الباردة أصبح هناك قطب أمريكى واحد يهيمن على مجريات الشئون العالمية ولا كابح لهذا القطب الأوحد إلا قوة الرأى العام الأمريكى نفسه، وكذلك مؤسساته الديمقراطية (الكونجرس) ومنظمات المجتمع المدنى الأمريكية، حتى حلفاء أمريكا التقليديون فى غرب أوروبا لم يعد لهم نفس التأثير السابق على قرارات واشنطن، وخلصت دوائر الحكم فى واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر المهولة أن الشرق الأوسط العربى الإسلامى، هو الذى ينتج الإرهاب ويصدّره، وأن السبب فى ذلك هو الأنظمة الحاكمة التى فشلت فشلاً ذريعاً فى تحديث مجتمعاتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وجاء تقرير التنمية الإنسانية العربية، الذى صدر عام 2002 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ليؤكد هذه الخلاصة، فقد أشار التقرير إلى اختلالات ثلاثة أخرت العرب، بينما تقدم الآخرون، وأول هذه الاختلالات (أو النواقص) هو غياب الحرية والديمقراطية، ثم غياب المساواة بين الجنسين، ثم تخلف أنظمة التعليم التى تنتج المعرفة والتكنولوجيا وقد اكتسب تقرير الأمم المتحدة صدقية لأن الذين أعدوه نخبة من خيرة العلماء والخبراء العرب (أى شهد شاهد من أهلها)، المهم أن أحداث سبتمبر 2001 أعطت أمريكا الحافز الاستراتيجى للحرب ضد الأنظمة العربية المستبدة، وأعطى تقرير التنمية الإنسانية العربية المبرر المعنوى لهذا التحرك، وما رأيناه فى أفغانستان 2002 وفى العراق 2003 كان أولى قطرات هذا الغضب الأمريكى، وبصرف النظر عن المواقف الأيديولوجية من التدخل الأمريكى، فإنه أصبح واقعاً فى بعض أقطار المنطقة، ومتوقعاً فى بعضها الثانى، ومحتملاً فــى بعضها الثالث، وهذا بالطبع إذا لم تتغير هذه الأنظمة بواسطة عوامل داخلية، أو إذا لم تغير الأنظمـة من أفكارها وسياساتها وممارساتها فى شكل ظاهر ومحسوس وملموس وفى الأجل المنظور، إن الساحة العربية كانت وما زالت فعلاً حبلى بـ«أجنة» التغيير، وهى أجنة وضعت بذورها قبل أحداث سبتمبر 2001، وكانت هذه الأجنة تنتظر الولادة ولا تزال، والسؤال الذى أثارته راغدة ضرغام يمكن إعادة صوغه، هل ستكون القابلة التى تتم على يديها ولادة التغيير عربية أم أمريكية؟ هل بيدنا أم بيد عمرو؟ هذا أمر جاد يستحق حواراً جاداً من المثقفين العرب، يتجاوزون فيه لعن الظلام (أى أمريكا والعولمة) وينيرون فيه ولو شمعة واحدة فهل يفعل بعضهم ذلك؟» انتهى المقال.



سعد الدين فى أحد المؤتمرات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان «صورة أرشيفية»

وبعد خمس عشرة دقيقة من فترة الأسئلة والإجابة فى المؤتمر أرسل المضيف «يوسف الدرويش» لى على المنصة رسالة يطلب أن أختم، لأننى مطلوب فى مكان آخر ولأننى كنت فى آخر برنامج زيارتى بهذه المحاضرة فقد اعتقدت أنه مشفق علىَّ من سخونة الأسئلة فتجاهلت طلبه، حيث إننى فى الواقع أستمتع بالمساجلات الساخنة منذ سنوات شبابى كرئيس للطلبة العرب فى أمريكا الشمالية، ولكن حينما كرر يوسف الدرويش إرسال نفس الطلب لثالث مرة استجبت معتذراً للجمهور. وحين تركت المنصة سألت يوسف لماذا ألح علىَّ فى إنهاء لقائى مع الجمهور القطرى؟ فأخبرنى أننى مطلوب فى القصر لرؤية أمير البلاد، فأخبرته أننى لم أطلب مقابلة الأمير، فقال مبتسماً إن الأمير هو الذى يأمر برؤية من يريد فى هذا البلد، فقلت له لا بأس هيا بنا، فقال مستنكراً «الأمير لم يطلبنى فأنت فقط المطلوب» وأشار إلى السيارة الأميرية التى كانت فى الانتظار خارج القاعة، وطوال الطريق كنت أضرب أخماساً فى أسداس عما عسى أن يريده الأمير.

حين وصلت إلى مدخل القصر لاحظت أن ذوق الديكور رفيع المستوى رغم بساطته، وبعكس ما تعودت رؤيته فى قصور خليجية أخرى من بذخ وترف، وعند مدخل المجلس كانت تقف حسناء أخرى ولكن ملامحها هذه المرة عربية خليجية، فصافحتنى وقدمت نفسها «الشيخة موزة بنت ناصر المسند» فقلت بعفوية ودهشة لم أكن أدرك أنك بهذا الجمال، فقالت «الأخوة المصريون دائماً مجاملون»، فقلت هذه ليست مجاملة على الإطلاق إنك حقاً جميلة يا صاحبة السمو، فردت بابتسامة «حتى إذا كانت هذه مجاملة فشكرى لك عليها يكون مضاعفاً، تفضل» وقادتنى إلى حيث كان يجلس الأمير وعلى الجانب الأيسر من المجلس، حيث نهض ليصافحنى ويشكرنى على تلبية الدعوة للحضور رغم قصر المهلة، ولكنهما حريصان على مناقشتى حول مقولة «بيدنا لا بيد عمرو» ثم أشار إلى سيدة أخرى تجلس فى مواجهته على الجانب الأيمن وقدمها وكانت الفنانة اللبنانية «ماجدة الرومى» فصافحتها بحرارة وقلت لنفسى يا لها من ليلة مليئة بالمفاجآت، وجلست بين الشيخ حمد وماجدة الرومى بينما توجهت الشيخة موزة إلى الكرسى المواجه لى، وكان أعلى قليلاً، أى أنها جلست فى صدر المجلس وفى مواجهتى، وكان ذلك مفاجأة رابعة، ثم دار حديث كانت هى المبادرة فيه، حيث سألتنى عن ابنتى راندا ثم عن طفليها لارا وسيف، ثم عن عودتها لعملها، وكنت أجيب وأنا مندهش نوعاً ما لهذا الاهتمام غير المعتاد بفرد واحد فى عائلتى، فقلت إننى متأثر باهتمامها بابنتى التى لا بد أنها أيضاً ستتأثر بهذا الاهتمام، فقالت الشيخة «إنها كانت تتابع سلوك راندا بإعجاب شديد أثناء التحقيق معى ثم أثناء المحاكمات الثلاث وحيث كانت راندا هى التى تتحدث للصحافة العالمية بعد كل جلسة وترد على الأسئلة وكم كانت وقورة وشجاعة وحاسمة وكم تمنت أن تكون مثلها حينما كانت فى وضع مشابه أيام سجن أبيها»، وسألت أنا مندهشاً ومن سجن الوالد؟ فأشارت بيدها إلى زوجها وقالت «والده»، ولم أكن أعلم عن ذلك شيئاً فحاولت التعامل مع المفاجأة بشىء من المداعبة، حيث قلت إن سمو الشيخ قام بالتكفير عن خطايا والده، فسألت هى «كيف؟»، فأجبت بالزواج من سموك «وهل هذا تكفير أم عقاب مضاعف؟»، ووجدت نفسى عاجزاً عن الرد لولا أن الشيخ حمد التقط الخط فأنقذنى من الحرج «ماذا يقولون يا بروفسور بالإنجليزية تعطيهن بوصة فيطلبن ميلاً، هنا أعطيت ميلاً، ولكن سموها تعتبره بوصة، لقد خلعت والدى، وأطلقت يدها فى كل الملفات التى تهمها كالمرأة والشباب والتعليم والثقافة والتنمية الاجتماعية والآن الديمقراطية فماذا أفعل أكثر من ذلك حتى تتغاضى عما فعله والدى مع والدها؟»

انتقلنا إلى غرفة العشاء، وقص كيف أن والده الذى يُكنّ له كل الحب والتقدير حرص على تعليمه أفضل تعليم، فأرسله مع عدد من رفاق الدرب إلى «ساند هيرست العسكرية»، ثم جامعة «أكسفورد»، وكان ذلك فى أواخر الستينات التى تزامنت فى الغرب مع ثورة الشباب ضد الحروب والعنصرية والتضامن مع حركات التحرير والتقدّم فى العالم، وكيف حلم هو ورفاقه بما يمكن أن يفعلوه من أجل قطر، حينما يعودون، وبعد العودة، ولسنوات عديدة لم يستطع هو وزملاؤه إقناع الوالد وحاشيته بفكرة أو مبادرة للإصلاح فى أى جانب من جوانب الحياة، وهذا بينما منطقة الخليج والوطن العربى والعالم يتغير بسرعة مذهلة، فذهبنا فى زيارة إلى مسقط وعمان، حيث سمعنا من السلطان قابوس خبرة مماثلة تماماً، فقد تعلم الرجل فى نفس المدارس والجامعات البريطانية، وعاد بأحلام ومشاريع لتطوير بلده، ولكن أباه كان مثل الحائط الصخرى، وكان أن أوحى له مستشاروه الإنجليز بانقلاب قصر، وهذا ما حدث هناك، وهذا ما حدث هنا ولم نكن فى حاجة إلى مستشارين إنجليز.

ثم سألنى الشيخ حمد بدوره عن المحاضرة، وعما سأفعله بعدما قلت ما قلته؟ وقد فاجأنى السؤال، فقلت يا سمو الأمير إن دور المثقف أو المفكر هو أن يثير الأسئلة، ودور «الأمير أو الحاكم» هو أن يقدم الأجوبة، أوليس هو وزملاؤه الحكام العرب على وشك الاجتماع فى قمة تونس؟، فرد الشيخ نعم، ولكن لا نتوقع شيئاً مفيداً من أى قمة عربية، فسنتصافح ونتباوس، ونتناول ما لذّ وطاب ونصدر بياناً ختامياً كله ينبغيات، ونطالب فيه العالم بأن يتصدى لمسئولياته ويحل مشكلاتنا من فلسطين إلى العراق إلى السودان والصومال؛ لذلك يجب عليكم أنتم المثقفون أن تأتوا بالأجوبة ثم سألنى كم هم الديمقراطيون العرب مثلك، الذين يمكن أن يتداولوا ويقولون ما هو أكثر من ينبغيات القمة؟ فقلت لا أدرى تحديداً، ولكنى على يقين أنهم بالمئات إن لم يكن بالألوف، فقال لماذا لا تجتهد فى جمع من تستطيع جمعهم فى مؤتمر، ونحن مستعدون لاستضافته هنا فى قطر، وأجبت بأنها فكرة جيدة، ولكن المثقفين العرب سيسألون لماذا قطر؟ وإلى أى حد هى ديمقراطية أو حتى مستقلة، وبها أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة؟، قال الشيخ كلها أسئلة وجيهة ولدينا عليها الإجابات.

واستطرد الشيخ حمد أنه بعد غزو صدام حسين للكويت، أيقن هو وأقرانه أن قطر شأنها شأن بقية بلدان الخليج الصغيرة، محاطة بثلاثة غيلان، وهم إيران والعراق والسعودية، وكما أنه كان واضحاً أن قطر فى طريقها لأن تكون من أغنى دول المنطقة والعالم، حيث كانت تطفو على بحر من النفط والغاز، وأنهم حتى لو دربوا وسلحوا كل طفل وشيخ وامرأة فإن هؤلاء «الربع مليون» لا يمكنهم الوقوف أو الصمود أمام الجيوش المليونية التى يمكن لكل من الغيلان الثلاثة أن يحشدها، وتذكر أحد الأقران مقالاً لى (سعد الدين إبراهيم) بعنوان «البلطجى الأصغر والبلطجى الأعظم»، وهو مقال ظهر أثناء أزمة احتلال الكويت وقيادة أمريكا للتحالف الدولى الذى قام بتحريرها عام 1991، واقترح أحدهم أن يستعينوا بحماية «البلطجى الأعظم» مباشرة مع تأدية الأجر المطلوب، وكان الأجر الذى طلبه ذلك البلطجى هو قاعدة حربية مع شرط قطرى بعدم التدخل فى الشئون القطرية، وهو ما كان، ولعلك تشاهد قناة «الجزيرة» وكمية ما تصبه من خلال برامجها الحوارية من لعنات على أمريكا، ولعل هذا هو ما يُفسر تعرّض مكاتب «الجزيرة» فى بغداد للقصف الأمريكى، أما عن الديمقراطية فى قطر، فإنها لا توجد إلى تاريخه، ولكن لدينا خارطة طريق عشرية سنعرضها عليكم، وانتهى لقاؤنا.

عدت إلى نيويورك فى اليوم التالى وانشغلت مع طلبتى فى التدريس ومراجعة أوراقهم البحثية وتراجعت قطر وأحاديثها إلى مؤرخة الوعى فى الأسبوعين التاليين، وفجأة اتصل بى الشيخ عبدالرحمن بن سعود آل ثانى رئيس الديوان الأميرى، مستفسراً عما قمت به من ترتيبات عقد «المؤتمر» وكنت حقيقة قد نسيت الموضوع أو أهملته، لأن خبرتى مع المسئولين العرب كان مفادها الحماس الوقتى، ثم سرعة النسيان، إلا إذا كان الموضوع يتصل بالسلطة أو المصلحة الخاصة بهم مباشرة، وقلت شيئاً قريباً من ذلك للشيخ عبدالرحمن، مفاده أننى لم أكن أدرك أن الأمير جاد لهذه الدرجة، فرد الرجل «إن الأمور فى قطر مختلفة، فالشيخ والشيخة فى غاية الجدية، ويريدان تقريراً أسبوعياً إن لم يكن يومياً عن التحضير للمؤتمر، وأضاف أن العد التنازلى هو أن يعقد المؤتمر العربى لدعاة الديمقراطية قبل انعقاد قمة الثمانية فى سى أيلاند بولاية جورجيا على الأقل بأسبوع، وهو ما يعنى الأسبوع الأخير من شهر مايو على أبعد تقدير وعبّأت مواردى وموارد مركز ابن خلدون فى القاهرة فوراً لعمل الاتصالات بنشطاء حقوق الإنسان ودعاة الديمقراطية لدعوتهم إلى المؤتمر الأول لدعاة الديمقراطية العرب فى الأسبوع الأخير من شهر مايو 2004، ونجحنا فعلاً فى حشد حوالى مائة مشارك من كل أنحاء العالم العربى، وكنت قد أعددت على عجل ورقة عمل ومسودة بيان سميناه «نداء الدوحة من وطن عربى ديمقراطى»، ولكن المفاجأة الحقيقية فى المؤتمر كانت الكلمة الافتتاحية للشيخ حمد أمير قطر، التى دعا فيها حكام الجمهوريات العربية لأن يحولوا بلدانهم إلى جمهوريات برلمانية ودعا الملوك العرب إلى التحول إلى ملكيات دستورية يملك فيها رأس الدولة، ولكنه لا يحكم، كما فاجأ الجميع بفضح أولئك الذين يستخدمون القضية الفلسطينية كذريعة لتأجيل الإصلاح الديمقراطى، وأخيراً قال الشيخ حمد إنه سيبدأ بنفسه، وأعلن الخطوط العريضة لتحويل قطر إلى ملكية دستورية خلال عشر سنوات، وكان مؤتمر الدوحة هذا تمهيداً طبيعياً لمؤتمر أكبر عُقد بعد ثلاث سنوات وشارك فيه خمسمائة من نشطاء الديمقراطية العرب، حيث أعلنوا قيام «مؤسسة عربية للديمقراطية» تقوم بالبحث والدعوة والتمويل لمشاريع حقيقية تدفع بالديمقراطية إلى الأمام وتبرّعت قطر لهذه المؤسسة الوليدة بعشرة ملايين دولار، تلك الملايين التى ادعى طارق حجى وآخرون أننى حصلت عليها من الشيخة موزة دعماً لمركز ابن خلدون على عكس الحقيقة، فخلطوا بين ما هو دعم قطرى لمؤسسة قطرية، كان دورى فيها واضحاً، وهو تأسيسها ورئاستها لفترة محدودة.

ثم جاءت زيارتى التى أثارت حفيظة الإعلام والصحافة ضدى، والتى كانت فى فبراير 2014، حيث اجتمعت بالشيخة موزة، ودار بيننا حديث كان مفاده أنها حزينة لما يجرى فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، وأنها حزينة للهجوم الذى تتعرّض له دولة قطر وأسرتها على شاشات الفضائيات المصرية، فقلت لها هناك حالة من الخلاف موجودة بين السلطات المصرية والقطرية والإعلام المصرى و«الجزيرة» تزيد من تلك الحالة الخلافية خاصة بعد أن فتحت قطر أبوابها للهاربين والمطلوبين أمنياً فى مصر من المنتمين إلى تنظيم الإخوان الإرهابى، فقالت لى الشيخة إن الذى لا يعلمه الكثيرون أن الإخوان المسلمين فى قطر لهم سيطرة كبيرة على التعليم والإعلام، ومن الصعب القضاء على جماعة تسيطر على أخطر جهازين فى الدولة، كما أننا يجب أن نجير من يستجير بنا ونقبل لجوء من أراد اللجوء، ثم بادرت بقولها أود أن تفعل شيئاً لإنهاء تلك الحالة الخلافية، مثل مبادرة أو مؤتمر، وهنا تذكرت سلسلة المؤتمرات التى دعوت إليها الكثير من الدول العربية بعد اغتيال الرئيس السادات لمحاولة الصلح بين مصر، وتلك الدول التى كانت قد قطعت التعامل مع مصر بسبب اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبالفعل نجحت تلك المؤتمرات التى عُقد بعضها فى الأردن فى لمّ الشمل وإذابة ثلوج الخلاف بين المثقفين العرب واستكملتها الحكومات وعادت مصر إلى حضن الأمة العربية وعادت الأمة العربية إليها، وأسوة بذلك الدور الذى لعبته من قبل قلت للشيخة موزة: سأحاول أن أدعو إلى مؤتمر يجمع الشباب والمثقفين والسياسيين ويكون بادرة أمل لعودة العلاقة بين الشعبين ووافقت، وعدت إلى القاهرة، ولكن بمجرد أن أعلنت عن تلك المبادرة الطيبة للصلح وجدت هجوماً ضارياً وشرساً من الإعلام والصحافة والسياسيين الذين قال بعضهم إن إزالة التطبيع مع إسرائيل أحب إليه من وضع يده فى يد قطر، وعادات ادعاءات طارق حجى لى بأن «موزة» موّلتنى أنا وزوجتى بملايين الدولارات، على الرغم من أن تلك الادعاءات كان قد قالها من قبل، ورفعت ضده دعوى قضائية، وحكمت المحكمة لصالحى، مما يؤكد أكاذيب ما يُشاع، وتسبّبت تلك الهجمة الشرسة من الإعلام والصحافة فى مصر وجزء من الشعب الذى ظهر فى تقارير الفضائيات، متأثراً بالإعلام الموجه ورافض المبادرة التى حاولت بها لمّ الشمل بين دولتين شقيقتين فى إحراج الدولة القطرية، مما تسبب فى خروج المتحدث باسم مكتب الشيخة موزة ينفى أنها طلبت منى القيام بمبادرة للصلح أثناء مقابلتى بها، رغم أن ذلك المتحدث لم يكن موجوداً فى اللقاء ولا يدرى بما دار فيه.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.