بقلم منير بشاى
لعل كثيرون يتفقون معى على أن مصر بلد العجائب. ومصر التى شيدت الاهرامات، والتى هى من اعاجيب العالم السبع، ما تزال تبهر العالم، فتجد فيها اشياء لا تجدها الا فى مصر. فى مصر تجد ديمقراطية تزور فيها الانتخابات، وأمن يعمل مع العصابات، وتعليم يقوم على الدروس الخصوصية، وجامعات تخرج العاطلين، ومستشفيات يموت فيها المريض، وإسكان فى العشوائيات والمقابر، ومصالح حكومية لا تراعى مصالح الناس. وفى مصر تجد أيضا عدالة تفتقر للعدل وقانون لا يحكم القضاة بنصوصه ولكن كما يتراءى لهم.
مقالى اليوم يناقش العدالة الغائبة فى تعاملها مع الأقباط. ولكن قد يكون مناسبا لتأكيد الحيادية ان ابدأ بمثال عن فصيل لا تربطنى بهم صلة ود وهم جماعة الاخوان الارهابية. هؤلاء اعداء لمصر كلها وخاصة الاقباط، ولكن العدالة يجب ان لا تحابى او تظلم، وهذا ما يجب ان نطلبه لأنفسنا كما أيضا لأعدائنا. فرغم كل بشائع الاخوان التى ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها، والتى يجب مواجهتها بقوة القانون وحسمه، فانه حتى الاخوان من حقهم محاكمة عادلة يواجه فيها كل متهم منهم بالاتهامات وتعطى لهم فرصة الدفاع عن النفس. ولكن الحكم بتحويل اوراق 528 من الاخوان للمفتى فى جلسة واحدة يحمل شبهة الاحكام (بالجملة) التى لا تتوافر فيها ضمانات العدالة الشخصية. ولأن هذا الحكم صدر بعد خروج الاخوان من السلطة وتغيير النظام فهو يضيف دليلا على ما يقال ان القضاء فى مصر غير مستقل وانه يحكم طبقا لميول النظام الحاكم وتنفيذا لتوجهاته.
ولكن هناك فصيل آخر فى مصر وهم الاقباط يعانون من الظلم دون ان يرتكبوا جرما يدفع بالمجتمع او النظام الحاكم الى محاولة الانتقام منهم. ولا يتبقى سببا معقولا يمكن به تبرير هذا الظلم الواضح سوى وجود الكراهية الدينية التى تدفع مواطنين الى قتل وترويع زملائهم فى الوطن. وما يضيف للمأساة ان تتحول العدالة "العمياء" فى هذه القضايا الى عدالة "حولاء" لا ترى سوى ان القبطى هو المدان اذا كان طرفا فى نزاع وأن دمه رخيص مستباح اذا قتل.
قائمة الاحكام الجائرة ضد الاقباط لا يمكن سردها كلها فى مقال بهذا الحجم، ولكن لأغراض هذا المقال يكفى ان نقف عند بعض المحطات.
- قبطى يحكم عليه بالسجن 6 سنوات فى قضية ازدراء بالاسلام لمجرد انه دخل على الفيسبوك وقرأ مقالا ينتقد نبى الاسلام ثم ضغط على زرار (لايك Like) معربا عن اعجابه بالمقال. والمعروف ان هذه الكلمة (لايك) تستعمل من رواد الفيسبوك بكثرة وأحيانا دون تفكير كنوع من المجاملة او الاعجاب بالمنطق او الاسلوب. ولكن حتى لو افترضنا ان الرجل اعجب بمضمون المقال، فهل يسجن لمجرد ابداء رأى دون ان يفتح فمه؟ وهل هو شىء جديد لا يعرفه أحد ان المسيحيين لا يؤمنون برسالة نبى الاسلام كما يفعل المسلمون، وان المسلمين لا يؤمنون برسالة المسيح كما يفعل المسيحيون؟ فهل تمسك الانسان بدينه معناه ازدراء دين الآخر؟
- تسعة من اقباط المهجر يحكم عليهم بالاعدام بدعوى اشتراكهم فى انتاج فيلم يسىء لرسول الاسلام. والحقيقة ان معظم هؤلاء لا علاقة لهم بهذا العمل من قريب او بعيد. ناهيك ان هذا الفيلم المزعوم لم يتم انجازه ولا وجود له فى عالم الواقع. هذا مع ان القانون المصرى ينص على عقاب مرتكبى جرائم الازدراء بالسجن ثلاث سنوات فقط وليس بازهاق ارواحهم.
- مدرسة قبطية بالاقصر اسمها دميانة تتهم زورا بازدراء الاسلام رغم شهادة مدير المدرسة ومدير الادارة التعليمية لصالحها وكلاهما مسلمان. ولكن المحكمة تأخذ بشهادة 3 تلاميذ من مجموع 43 لقّنوا كلمات من اسرهم المتشددة لا اساس لها من الصحة لتحكم بسجنها. وعندما نظرت القضية فى الاستئناف صدر الحكم بتغريمها 100 الف جنيه مع ان القانون حدد الغرامة ما بين 100 و 500 جنيه فى حالة ثبوت الاتهام. وبذلك يحكم القاضى بألف ضعف الحد الأدنى للغرامة القانونية او 200 ضعف الحد الأقصى ويضيف الى "الظلم" محاولة "الابتزاز".
- فى القضية المعروفة بقضية ابو قرقاص والتى شملت 20 متهما. حكم على 12 بالسجن المؤبد وهم جميع المتهمين الاقباط وبراءة 8 وهم جميع المتهمين المسلمين. هذا مع ان القضية أساسا كانت اعتداء المسلمين على منازل ومتاجر الاقباط وان الاقباط كانوا فى منطقة سكنهم يدافعون عن انفسهم وممتلكاتهم.
- فى ماسبيرو قتل 27 قبطيا دهسا تحت عجلات مدرعات الجيش، وتم القاء بعض الجثث فى النيل فى محاولة لاخفاء معالم الجريمة وظهرت فيما بعد. كان الاقباط يقومون بمظاهرة سلمية للتنديد بما حدث لأخوتهم فى الماريناب. ويبدو ان الجريمة كانت مرتبة من اطراف على أعلى المستويات فى الدولة الذين لم يعجبهم ان الاقباط اصبح لهم صوت ومطالب. وكان طرفا فيها تلفزيون الدولة الرسمى الذى حاول استثارة الجماهير بتوجيه النداء لهم ان يهبّوا لنجدة الجيش من اعتداءات الاقباط فى محاولة للتحريض على القيام بمذبحة ضد الاقباط. ولكن الناس لم تستجيب لهذا النداء لتقدم دليلا على وجود اصالة ما تزال باقية بين ابناء الشعب المصرى. أما حكم القضاء العسكرى فقد جاء مخيبا للآمال اذ لم يدين سوى مجندين حكم عليهما واحد بسنتين والآخر بثلاثة مع وقف التنفيذ ولم يمس احد من القادة العسكريين الذين اصدروا الأوامر..
- وان نسينا لن ننسى حادثة الكشح الأولى فى سنة 1988 حيث قتل 2 من المسيحيين ومع ان القاتل معروف ولكن لم يحكم فيها على احد. وفى حادثة الكشح الثانية سنة 2000 قتل 20 قبطى ومسلم واحد تصادف وجوده فى مكان الحادث. وتم تبرئة جميع المتهمين من تهمة قتل الأقباط ولكن حكم على اربعة مسلمين بالسجن لفترات بسيطة بتهمة القتل الخطأ للمسلم وايضا بتهمة حيازة سلاح نارى.
ردا على هذا الظلم الواضح كتب المتنيح قداسة البابا شنودة فى وقتها مقالا عنوانه: نستأنف الحكم عند الله. وجاء فيه "إن الله الذى قال لقايين القاتل الأول ((صوت دم اخيك صارخ الىّ من الأرض)) نصرخ لعدله الالهى. دماء 20 قبطيا سالت على ارض الكشح فى صعيد مصر وتصرخ معها دماء اخوة لهم سالت فى ابو قرقاص وفى الدير المحرق وفى ديروط وصنبو وفى التوفيقية بسمالوط وفى منشية دملو وفى غير ذلك....كلها تصرخ الى العدالة الالهية وان لم تجد انصافا على الارض فهى تطلب الانصاف من الله وحده، وهو مصدر كل عدل".
ولكن لنا فى كلمات الوحى الالهى كل الطمأنينة "إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل فى البلاد فلا ترتع من الأمر، لأن فوق العالى عاليا يلاحظ، والأعلى فوقهما" جامعة 5: 8
Mounir.bishay@sbcglobal.net