الأنفاق تكون فى البيوت المرتبطة بـ«مصاهرة» مع حماس وصاحب المنزل المطلوب حفر نفق داخله يقف بـ«علامة معينة» على الحدود ويشير بها للمسئولين فى غزة.. فيبدأ الحفر بناءً على هذه العلامة.. ويكون صاحب البيت «أمين الخط».. ولديه مجموعة لا تقل عن 4 أشخاص.. ويتلقى الأوامر عبر الشبكة الإسرائيلية
لم يكن الوصول إليه سهلاً، بل ليس آمناً كذلك. لكن الحقيقة دوماً تستحق المجازفة، وحق مصر فى أن تعرف أبعاد الخطر الكامن تحت الأرض كافٍ لتحمل القلق المُختبئ وراء نصف ابتسامة بدأت فى التلاشى كلما توغلت السيارة التى تحملنا إلى عمق الصحراء؛ حيث لا ظل إلا ظل الله ومساحات شاسعة من اللون الأصفر على جانبى الطريق وبضع «ذُباب» جبلى يُصر أن يضيف على المشهد المتوتر لمسته الخاصة. فجأة ينحرف بنا الطريق إلى أحد «المدقات» غير الظاهرة فى طريق وعر للوصول إلى مكان خفى فى المنطقة الحدودية فى رفح.
استمرت المفاوضات لأكثر من 3 ساعات، بين محاولات للإقناع تارة والتهديدات تارة أخرى، وتلخصت فى أنه حال عدم تنفيذ الشروط المحددة للموافقة على إجراء الحوار ستكون العواقب وخيمة. وما بين الدقيقة والأخرى عليك أن تتوقع المواجهة مع المجهول، أياً كان تعريف هذا المجهول: قنص من رصاصة موجَّهة فى الخفاء، كمين تكفيرى ينتظر إشارة التنفيذ، اختطاف ممنهج، وربما ما هو أكثر، فأنت لا تعلم من هو الذى لا يريدك أن تخترق مملكته الخاصة فى عالم التهريب عبر الأنفاق؛ ففى بعض مناطق شمال سيناء كل شىء ممكن ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص. الشروط لم تكن بالكثيرة، تلخصت فى 4 نقاط أساسية: كتابة كل ما يُقال بالحرف الواحد بلا زيادة أو نقصان، إنهاء الحوار فوراً إذا شعر أن هناك خطراً ما دون إبداء أسباب، ارتداء حجاب على الرأس للصحفية التى ستجرى الحوار، وارتداء «لثمة» كما تُنطق باللهجة السيناوية، أى «لثام» لإخفاء معالم الوجه كاملة، أما الاسم فليكن «سليمان» ولا يجب توجيه أى سؤال إضافى آخر عن أى معلومات شخصية عنه أو عن المكان وغير مسموح بالسؤال عن أى أسماء.
«سليمان» يكشف، فى حوار خاص جداً مع «الوطن»، عن أسرار عمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق من قطاع غزة إلى سيناء: كيف تتم؟ من المسئول عنها؟ أسعار كل نفق وأنواعه، شروط تهريب السلاح وأنواعها الجديدة، العمليات النوعية التى قامت بها «حماس» فى سيناء وعلاقتها بالإخوان والجماعات التكفيرية، كيف انتشرت عمليات تهريب السلاح فى عهد المعزول محمد مرسى لدرجة أن أصغر طفل يستطيع أن يحمل سلاحاً دون أن يسأله أحد: «ماذا تفعل؟»؟ وغيرها من التفاصيل والأسرار التى تُنشر لأول مرة فى واحدة من أخطر المهام الصحفية التى تكشف عن خبايا الإرهاب الأسود الذى يزج بمصر إلى أتون حرب شرسة غير معلنة تحصد أرواح مواطنين أبرياء ورجال الشرطة والجيش كل يوم. هى الحرب التى تحدث عنها القيادى الإخوانى محمد البلتاجى يوماً ما والتى أكدها «سليمان» فى عبارة ساخرة: من لم يستطِع أن يصبح إرهابياً فى عهد «مرسى».. لن يستطيع أن يفعلها فى أى وقت آخر.
«سيلمان» أحد كبار مهربى الأنفاق فى سيناء يتحدث لـ«الوطن»
■ متى بدأت عمليات التهريب فى الازدهار حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن؟
- بدأت منذ عام 2007 من أيام حسنى مبارك، حتى لما عمل «مبارك» الجدار العازل، بدأوا «يقصوا فيه ويعملوا فتحات» وكانت تنتشر فى تلك الفترة عمليات تهريب المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية والملابس وغيرها من متطلبات الحياة اليومية بسبب الحصار المفروض على غزة، وكان كل الناس عندنا فى ذلك التوقيت يعرفون أننا نعمل فى الأنفاق وبلا مشاكل.
■ من الذين تقصدهم بـ«كل الناس»؟
- الحكومة والبدو.
■ على وجه التقريب.. كم كان عدد الأنفاق فى تلك الفترة؟
- حوالى 1000 نفق فقط، أما اليوم فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكونوا أقل من 3000 نفق.
■ من الذى يقوم على حفر النفق منذ بداية الفكرة؟
- حركة حماس هى التى تتولى الاتفاق على كل شىء، بداية من تحديد المكان الذى سيتم فيه حفر النفق، والتمويل اللازم لحفره، وتوفير العمال لحفر النفق المطلوب، وتحديد من سيكون مسئولاً عن هذا النفق أمام حماس، ونوعية البضائع التى سيتم تهريبها، وكيفية تسليم وتسلم المقابل المادى مع كل عملية تهريب.
■ كيف تتحدد صلاحية البيت من عدمه لحفر نفق؟
- فى الغالب، تكون الأنفاق فى بيوت العائلات التى ترتبط بمصاهرة أو علاقات نسب بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، ومعظمها يقع على الشريط الحدودى، وإذا لم يتوافر هذا الشرط، يكون اختيار البيت بناء على توجهات صاحبه وتفكيره وتاريخه الشخصى وسمعته وانتماءاته ويتم التأكد من كل ذلك قبل البدء فى عملية الحفر.
■ هل هذا يعنى أن «حماس» تجرى أولاً تحريات عن انتماءات صاحب كل بيت قبل حفر نفق عنده؟
- نعم، وذلك من خلال المساعدين الذين يعملون معهم، وهم منتشرون فى كل مكان؛ حيث يقومون بتقصى تحركاته، توجهاته، وأهم شىء بالنسبة لهم: هل هو على علاقة بالحكومة أو الجيش أم لا.
■ على أى أساس يتحدد سعر كل نفق؟
- حسب قربه من الحدود؛ فمثلاً كلما اقترب البيت من الحدود كان سعره أعلى؛ فالبيت الذى يقع على بعد 500 متر فقط سعره أكبر من ذلك الذى يقع على بعد كيلومتر أو كيلومترين، لكن إجمالاً أقل نفق لا يقل ثمنه المدفوع عن 100 ألف دولار، وهناك بيوت فيها أكثر من نفق بحسب موقعها الاستراتيجى بالنسبة لـ«حماس».
■ كم من الوقت تستغرق عملية حفر النفق الواحد؟
- النفق الصغير من أسبوع إلى 15 يوماً، والنفق الكبير المخصص لعبور السيارات حوالى شهر ونصف الشهر.
■ كيف يمكن لحافرى الأنفاق التنفس تحت الأرض، خاصة عندما يعملون على حفر نفق كبير؟
- كان هناك عمال كثيرون يموتون من الاختناق ويردمون عليهم بعد موتهم، لكن منذ فترة تطورت عمليات الحفر بعد الاستعانة بمراوح تهوية أثناء العمل فى كل نفق.
■ بعد حفر النفق، هل يتم تجهيزه بطريقة معينة؟
- نعم، توضع فيه مراوح تهوية أيضاً حتى يكون صالحاً لعبور الأفراد بالإضافة إلى الإنارة بالكامل.
■ من أين يحصلون على الكهرباء اللازمة لإنارة الأنفاق؟
- من «حماس» من داخل غزة، وفى أوقات أخرى من خلال سرقة التيار الكهربائى فى المنطقة الحدودية فى سيناء.
■ ألم يحد قرار فرض حظر التجوال المُطبَّق منذ ما يقارب العام ونصف العام من عمليات التهريب أو بناء الأنفاق؟
- لا؛ فشق الأنفاق تحت الأرض، أما بشأن التهريب، فإن كل ما يراد تهريبه يتم شراؤه فى ساعات الصباح الأولى وتخزينه، ثم يجرى تهريبه فى المساء بكل سهولة؛ لأن الأنفاق داخل البيوت والبيوت مغلقة على أصحابها.
■ هل للأنفاق أنواع مختلفة، بمعنى أن هناك أنفاقاً مخصصة لبضائع محددة حسب تصنيفات معينة؟
- نعم، هناك أنفاق للبضائع الغذائية وأخرى للسلاح وثالثة للأفراد ورابعة للسيارات، وكل نفق يكون مجهزاً لنوع البضاعة التى تمر منه؛ حيث لا توجد أنفاق شاملة لمختلف البضائع فى وقت واحد، أما من الناحية الهيكلية للنفق، فيمكن تصنيف الأنفاق إلى 3 أنواع من حيث نوعية الحفر؛ فهناك أنفاق «عيون، سلالم، مدفونة»، فضلاً عن أنفاق سرية لها تكتيكات خاصة فى التنفيذ لا يعلم عنها أحد شيئاً، وهى مخصصة لقيادات «حماس» وكوادرها فقط.
■ ما الفرق بين أنفاق «العيون» و«السلالم» و«المدفونة»؟
- النفق «العين» يعنى أنك حينما تصل إلى نهايته يكون هناك كرسى يجلس عليه الأفراد الهاربون عبره ويسحب الكرسى لأعلى بموتور، أما النوع الثانى فإنه ينتهى بسلالم تصعد إلى سطح الأرض على هيئة درجات تشبه نظام «المقبرة»، أما النفق المدفون، فهذا لا يظهر أفراده على سطح الأرض أبدا، بحيث يخرج من النفق إلى مخبأ سرى تحت الأرض أيضاً ويظل مختبئاً.
■ كيف يجرى حفر النفق وتحديد إحداثيات المنزل من تحت الأرض للتأكد من أن هذا هو البيت المقصود؟
- كل الأنفاق تُحفر يدوياً من خلال معاول حفر وجراكن لتفريغ الرمل الذى يتم استخراجه، وطبعاً لا يوجد نظام «مجسات»، وفى كل متر يتم حفره تجرى عملية «تسقيف» بالخشب ليستمر العمل فى المتر الذى يليه وهكذا.. أما البيوت المطلوب حفر أنفاق بها، فيقف صاحب البيت على الحدود ويعطيه «علامة معينة» لتكن مثلاً عصا عليها قطعة قماش حمراء اللون، أو ماسورة حديد، فيبدأ فى التحرك بناء على هذه العلامة للوصول إلى البيت المحدد.
■ نفذ الجيش عمليات ردم كثيرة للأنفاق، ومع ذلك ما زالت هناك أنفاق، ما السبب؟
- لأنهم يقومون بسرعة بتطوير أنفسهم وإيجاد بدائل؛ فالأنفاق التى تُهدم يُعاد بناؤها فى اليوم التالى، لكن بطريقة تكتيكية أعلى لكى يستطيع تنفيذ مخططاته فى زعزعة الاستقرار فى البلد، وعلشان يفضل شغال دايماً، وطبعاً هناك دائماً تمويل من الخارج؛ فالأنفاق فى المنطقة الحدودية كلها على شكل «شبكة عنكبوتية»، بمعنى أنه إذا تم ردم نفق معين، تقوم «حماس» فوراً بالابتعاد عن هذا النفق حوالى 10 أمتار وفتح نفق جديد فى مكان آخر فرعى، مش «البلتاجى» قال مرة «إذا عايزين الهدوء فى سيناء خلال ساعات، مالكمش دعوة بينا»، هذا هو ما كان يقصده، الإخوان لهم يد فى كل حاجة بتحصل فى سيناء، لأن «حماس» هى ذارعهم العسكرية، لدرجة أنهم اليوم بدأوا فى تصنيع عبوات ناسفة يعطونها لعيال صغيرة يحطوها على الطريق ويجروا لتفخيخ قوات الأمن فى الشوارع.
■ فى الجهة المقابلة من غزة، أين تفتح هذه الأنفاق؟ هل فى بيوت غزاويين أيضاً؟
- نعم؛ لأن «حماس» تأخذ ضرائب عن كل ما يتم تهريبه من هذه الأنفاق، وهناك وزارة تابعة لهم اسمها «وزارة الأنفاق» ولها سلطات كبيرة ولديها قبضة حديدية لدرجة أنها قد لا تسمح أبداً بمرور «ذبابة» إلا وتعرف من أين أتت ولمن هى ذاهبة وتُقدر عليها الضرائب المستحقة، وإذا اكتشفت «حماس» صدفة أن هناك من فتح نفقاً دون معرفتها تقوم فوراً باعتقاله مع دفع غرامة «مليون دولار» كاملة.
■ بعد إتمام عملية الحفر، كيف تنقل البضائع، خاصة إذا كانت من الأحجام والكميات الكبيرة؟
- بعد الانتهاء من حفر النفق يتم إنشاء ما نسميه «قطاراً»، أى نضع موتوراً فى بداية النفق وموتوراً آخر فى نهايته، وما بين الموتورين توضع حصيرة خشبية على شكل أسطوانات أو حصيرة «صاج»، مع وضع «سير»، أى حاجز، يمنع انزلاق المواد المهربة على يمين ويسار هذه الحصيرة، وتوضع فوق هذه الحصيرة براميل بلاستيكية كبيرة مقسومة نصفين، بحيث يمثل كل نصف منهما وعاءً كبيراً يحتوى البضائع، مع ربطهم ببعضهم البعض بحبال قوية للغاية تمر فى منتصف كل برميل لتعطى فى النهاية شكل «القطار» الموصولة عرباته ببعضها البعض، وعندما تبدأ عملية التهريب يقوم الموتور بدفع الحصيرة من ناحية والموتور الآخر بسحب الحصيرة من الجهة الأخرى لكى تصل البضائع من سيناء إلى غزة، والعكس.
■ من المسئول عن فتح النفق وإغلاقه بعد ذلك؟
- صاحب البيت نفسه يكون «أمين الخط»، وهذا هو المصطلح الذى يُطلَق على كل صاحب بيت لديه نفق، ويتلقى الأوامر ويرسل المعلومات التى يريدها أيضاً من خلال خط موبايل «أورانج» أو «جوال»، وهى خطوط اتصالات إسرائيلية تعمل فى المنطقة الحدودية فقط يتم تسليمها لكل «أمين خط» ولا تكون لها علاقة بشبكة الاتصالات المصرية تماماً، أما تحديد المواعيد ونوعية البضاعة فيكون من خلال عمليات التنسيق بينهما.
■ هل يحصل «أمين الخط» على مقابل مادى عن كل عملية تهريب؟
- نعم بالطبع، وهذا يختلف بحسب نوعية المواد المهربة؛ فالبضائع تكون بحسب «الكيلوجرامات» للمواد المهربة، وفى بعض الأوقات تكون كل «دخلة بضاعة» عليها 1000 دولار كمقابل، أما الأفراد فيكون على كل «رأس» يمر من النفق 200 دولار، سواء أكان داخلاً إلى سيناء أم خارجاً منها، مع شرط أن يكون هناك تنسيق كامل مع «أمين الخط» فى غزة وأن تعطى «حماس» أولاً معلومات تفصيلية عن هذا الشخص لكى تتأكد من أن هذا الذى سيأتى ليس له علاقة بالحكومة وبالتالى لا تقبض عليه «حماس» إذا ذهب عندها، ويمكن القول: إن تجارة الأنفاق مقسمة على 10 عائلات بعينها فقط فى الشريط الحدودى.
■ هذا يعنى أن كل «أمين خط» تعمل تحت يده مجموعة فى عمليات التهريب؟
- نعم، كل «أمين خط» لديه مجموعة لا تقل عن 3 - 4 أفراد من الشباب الصغير، تتراوح أعمارهم بين 15 و22 سنة، هو الذى يتولى توجيههم، ويعمل بعض منهم أيضاً «ناطور» على الخط لتأمين عمليات التهريب، كما يحصل كل واحد منهم على 150 - 250 جنيهاً فى «النقلة» الواحدة عبر النفق.
■ هل يذهب هؤلاء العمال إلى غزة لتسليم بضائع ويعودون مرة أخرى؟
- لا، يقابلهم عمال من غزة فى منتصف النفق، من خلال التنسيق بين «أمين الخط» فى رفح مع «أمين الخط» فى غزة؛ لأن «ما حدش يقدر يعدى» فى اتجاه غزة، وهذا لاعتبارات أمنية تخص «حماس»؛ فكل شخص يعبر من الأنفاق إلى اتجاه غزة، تعطى له حماس «كود سرى معين» يتحرك به كإشارة أمان، وإلا سيتعرض للاعتقال فوراً.
■ إذا حدثت مشكلة ما أثناء عملية التهريب، كيف يتواصلون مع «أمين الخط»؟
- لديهم أجهزة «ماخشير»، أى أجهزة لا سلكى، خاصة بهم، يستطيعون التواصل من خلالها فى أى ظرف طارئ، كما أن هناك جهازاً آخر يكون مع «الناطور» المختبئ على أول الشارع الذى يقع فيه البيت الذى يوجد به النفق ويرصد التحركات المحيطة فى المنطقة، بحيث إذا مرت أى دورية أمنية أو أحد الأفراد التابعين للأمن، يقوم فوراً بإبلاغه «خلى بالكم، الحملة جاية».
■ هل سبق أن رفض أحد من أصحاب المنازل فتح أنفاق وتعرضوا لتهديد من حماس؟
- لا أعتقد، فهناك لغة «الفلوس». إذا وجد صاحب البيت أن كل شىء متوفراً وهناك فلوس لا حصر لها يستطيع الحصول عليها من مجرد نفق فى بيته وهو لا يقوم بأى مجهود، بالطبع سيوافق، هم لديهم إغراءات مالية كبيرة، خاصة أن تهريب السلاح يكون المقابل المادى فيه أكبر بكثير من البضائع الغذائية، أما إذا ما قرر صاحب بيت لديه نفق «سلاح» أن ينسحب أو يوقف التعامل معهم، لا يقتلونه وحده فقط، بل هو وعائلته كلها.
■ هل تخضع أنفاق تهريب الأسلحة لترتيبات خاصة؟
- نعم، فحماس وحدها هى التى تحدد ما إذا كان هذا النفق يصلح لتهريب السلاح أم لا، وهنا تجرى تحريات مضاعفة عن صاحب البيت وعائلته وجيرانه وترصد كيف يتعامل مع الوسط المحيط به، هل يتكلم كثيراً أم أنه كتوم؟ هل هناك أحد من أفراد عائلته له علاقة بالأمن أم لا؟ فهى فى النهاية أنفاق سرية للغاية وغير مسموح لمن يمتلك أحدها فى منزله أن يتكلم عنها، حتى مع أقرب الناس إليه وإلا يكون مصيره القتل فوراً، ولأجل ذلك يكون المقابل المادى فيها كبيراً جداً.
■ هل يحصل صاحب البيت الذى يمتلك نفق تهريب «سلاح» على مقابل مادى عن كل قطعة سلاح تمر من بيته؟
- نعم، يعنى مثلاً السلاح الآلى لكى يعبر إلى مصر «فى دخلته بس» يكون المقابل من 500 - 1000 دولار عن القطعة الواحدة، ولو قذائف هاون أو «آر بى جى» التى يجرى تهريبها بكميات كبيرة، قد يصل المقابل إلى مليون دولار، لأنهم لا يتعاملون بالجنيه المصرى.
■ كم يقدر عدد الأنفاق المخصصة لتهريب السلاح من إجمالى عدد الأنفاق على الشريط الحدودى؟
- العدد الفعلى غير معروف، لأنها سرية للغاية لكنها تقدر بالمئات.
■ هل تفتح أنفاق تهريب السلاح فى الجهة المقابلة فى البيوت العادية فى غزة؟
- لا لا، فى الجهة المقابلة تفتح هذه الأنفاق فى أماكن تابعة لقيادات حماس فقط، بمعنى أنها قد تكون مدرسة تابعة لحماس، أو مركزاً تابعاً للمخابرات فى حماس، أو ساحة كبيرة تابعة لهم، أو سجناً، كما لا تفتح أيضاً هذه الأنفاق فى أماكن على الحدود فى رفح الفلسطينية، بل يسير بها بعمق كيلو ونصف على الأقل إلى ما بعد الحدود للوصول إلى هذه الأماكن المحددة فقط، ومن ثم يتم تفريغ شحنة السلاح وتُعبأ فى سيارات «جيب مصفحة تابعة لسلطة حماس» ثم يتم توزيعها على الأمن الداخلى ومعسكرات التدريب بعد ذلك.
■ هل هناك أنفاق مخصصة لتهريب السلاح لكتائب مُسلحة بعينها داخل غزة؟
- نعم، فهناك أنفاق مخصصة لتهريب أسلحة لكتائب القسام، وهى تختلف عن الأنفاق المخصصة لسرايا القدس، فكل كتائب عسكرية مسلحة لها منفذها الخاص لتهريب السلاح، لكن كلهم تحت قيادة حماس.
■ هل صحيح أن حماس تُخبئ أفرادها فى وقت الأزمات فى تلك الأنفاق أيضاً؟
- نعم، وهذه الأنفاق السرية فيها كل سبل المعيشة الكاملة للإقامة من مأكل ومشرب ووسائل ترفيه أيضاً.
■ من أين يحصلون على السلاح الذى يتم تهريبه إلى غزة؟
- من خلال صفقات تأتى فى الغالب من الصعيد ولا أعرف كيف تدخل إلى سيناء، وبعض تجار السلاح يشترون السلاح من الناس هنا بمبالغ مالية كبيرة.
■ هذا بالنسبة للسلاح المُهرب إلى حماس، ماذا عن المُهرب إلى سيناء؟
- يُفتح فى بيوت سرية تتبع أشخاصاً ولاؤهم مضمون تماماً.
■ ما أهم أنواع الأسلحة التى تأتى من غزة إلى سيناء عبر الأنفاق؟
- كل أنواع «البواريد» أى الأسلحة الرشاشة، أما بعد 30 يونيو، فبدأت تأتى لنا أسلحة كثيرة مختلفة، فى مقدمتها كل الأسلحة المضادة للطائرات، الرشاشات الآلية الصينية الصنع «البواريد»، خِزن السلاح «الـ14 ونص، والنصف بوصة»، وبعد فض اعتصامى رابعة والنهضة أصبح يصل لنا السلاح الثقيل «قذائف الهاون» 32 و82 مللى، قذائف الـ«آر بى جى»، والدانات الخاصة بها، العبوات الناسفة التى تقوم بتصنيعها «كتائب القسام» لأننا لا نملك هنا المواد التفجيرية الخاصة بها، مثل مادة TNT، و«القناصات» أسلحة القنص وM 16 وهذه الأسلحة يتم «تحويشها» أى تخزينها فى مخازن خاصة لحين وقت استخدامها فى العمليات الإرهابية، فحتى ثورة 25 يناير كان كل واحد قاعد فى «جحره» والذى كان لديه سلاح، كان يخاف أن يقول إن «عنده سلاح».
■ كيف يجرى تهريب السلاح القادم من النفق إلى داخل سيناء بعد ذلك؟
- من خلال السيارات المسروقة التى لا تحمل أرقاماً خاصة السيارات «الكروز، الفيرنا، التايلاندى، الإلنترا»، حيث تعبأ هذه الأسلحة فى «شوال» ثم الخروج بها من منطقة الأنفاق من خلال طرق خاصة سرية لا يعرفها أحد.
■ كيف يستخدم الإرهابيون الأنفاق فى تنفيذ العمليات الإرهابية؟
- يدخلون عبر تلك الأنفاق السرية وفق مواعيد محددة لتنفيذ عملياتهم والعودة مرة أخرى إلى غزة، بمعنى أنه قد يكون أمامه نصف ساعة فقط لدخول سيناء إلى المكان المحدد وتنفيذ العملية والعودة، وبناء على هذا التوقيت يجرى فتح وإغلاق النفق ولا يفتح مرة أخرى إلا مع عملية جديدة، وهم مدربون جيداً على تنفيذ ذلك كله من خلال تكتيكات عالية جداً فى الوقت المحدد، وقد بدأوا مؤخراً فى تدريب العناصر التابعة لهم فى سيناء على تنفيذ هذه الخطط أيضاً.
■ هل هذا يعنى أن هناك عناصر تكفيرية تابعة لحماس تعيش فى سيناء وتذهب إلى المعسكرات التدريبية فى غزة لتلقى التدريبات والعودة مرة أخرى إلى سيناء؟
- بالضبط، وتحديداً إلى «معسكر جباليا» لأنه أأمن مكان يتم فيه التدريب، وهناك أنفاق سرية تكون فتحتها داخل المعسكر مباشرة أيضاً، فهم لا يظهرون على الأرض أبداً، وكل حياتهم تحت الأرض.
■ ما تقوله يعطى تفسيراً مباشراً للغز اختفاء الإرهابيين بسرعة بعد القيام بالعمليات الإرهابية فى سيناء دون أن يعثر عليهم الأمن؟
- نعم، فهم يعرفون وجهتهم تماماً بعد تنفيذ العملية الإرهابية، ولهم طرق خاصة بهم غير معروفة فى عمق الصحراء يستطيعون الوصول منها بسرعة إلى الأنفاق التى سيختفون بها فترة أو سيعبرون منها إلى الجهة الأخرى.
■ هل يمكن أن تُستخدم هذه الأنفاق السرية لتخزين السلاح أيضاً؟
- أكيد، ولقد عثرت قوات الجيش مؤخراً على نفق تحت الأرض عبارة عن مخزن كبير للسلاح أثناء إحدى العمليات الأمنية فى منطقة «العجرة» وتم تفجيره.
■ عندما يتفاوضون مع صاحب بيت لكى يكون فى منزله نفق يستخدم «كمخزن سلاح فقط».. هل هناك شروط خاصة؟
- نعم، ويقوم على تحديد بنود هذه الاتفاقات أيضاً «الجماعات التكفيرية فى سيناء» لأنها هى التى ستستخدم هذا السلاح لاحقاً، وأذكر واقعة هنا كانت تتعلق بأحد أصحاب البيوت التى تم اختيارها ليكون بها نفق كمخزن للسلاح، لكنهم كانوا يشكون فى انتماءات صاحب البيت، ونظراً لاعتبارات استراتيجية تخصهم كانوا يحتاجون هذا الموقع تحديداً، فماذا فعلوا؟ قاموا باختطافه لمدة 37 يوماً بعد أن «عصبوا له عينيه علشان ما يعرفش هو رايح فين» وتم إخفاؤه فى أحد الأماكن الآمنة التابعة لهم لحين الانتهاء من حفر النفق الخاص بتخزين السلاح دون أن يعرف صاحب البيت، وبعد أن أتموا مهمتهم قالوا له إن منزله الآن به نفق خاص سيتم استخدامه كمخزن للسلاح وتم إنشاؤه بعمق 3 أدوار، وأعطوه 350 دولاراً عن كل يوم تم اختطافه فيه، بمعنى «350 دولاراً فى 37 يوماً» كتعويض عن فترة الاختطاف، وهددوه إذا تكلم سيكون مصيره القتل وكل أفراد عائلته.
■ ماذا حدث بعد ذلك؟
- استخدموا هذا الرجل تحت تهديد السلاح فى وقت لاحق فى تنفيذ عملية نوعية ضد الأمن فى شمال سيناء، حيث قالوا له اذهب وبلغ عن مكان «وهمى» به مخزن سلاح، وحاول استدراج القوات الأمنية إلى المكان ونحن سنتعامل معهم، وبالفعل ذهب وأبلغ عن المخزن «الوهمى» كطُعم للقيادات الأمنية لجرهم إلى ذلك المكان الخاطئ وهم سيقومون بتنفيذ عملية إرهابية ضدهم حال وصولهم بعد ذلك، لكن الله ستر ولم تنجح الخطة واختفى هذا الرجل بعد ذلك تماماً.
■ هل هذا المخزن تم تفجيره أيضاً؟
- لا، ولا أحد يعرف مكانه تحديداً، فمن يفتح «تمه» أى فمه، بأى معلومة فى الصباح، يخلصوا عليه وعلى عياله فى الليل، فأى شخص يتعاون مع الجيش يسموه «مرتد عن الدين» ويقيمون عليه «الحد» ويقتلونه، فهم يُسمون الجيش المصرى «الجيش المرتد».
■ لماذا تم خطف هؤلاء «الناس» إن كان ما تقوله صحيحاً؟
- لأنهم كانوا محسوبين على حماس ويتبعون لهم فى تنفيذ مهام خاصة، و«اتشموا»، يعنى اكتشفت حماس بعد ذلك أنهم بدأوا يتعاملون مع الجيش المصرى بعد ثورة 30 يونيو ويقومون بالإرشاد عن الجماعات التكفيرية فى سيناء.
■ كم كان يبلغ عدد هؤلاء المخطوفين؟
- 6 أفراد، وحتى اليوم لا يعرف عنهم أحد شيئاً.
■ كيف تأكدتم أنهم حماس، وليسوا مجموعة مسلحة تابعة لإحدى الجماعات التكفيرية فى سيناء وأرادت الانتقام منهم؟
- لأننا «عارفينهم»، فوقت الثورة الأولى 25 يناير كانوا يعيشون معنا هنا فى سيناء «عادى خالص» وازداد عددهم فى فترة حكم مرسى، وكانوا يأكلون ويشربون ويتحركون بمنتهى الحرية فى سيناء ولا أحد يحاسبهم.
■ ما أكثر المشاهد التى فرضت نفسها على سيناء فى فترة حكم مرسى؟
- أن عناصر حماس صاروا يتحركون بكل حرية كأن البلد بلدهم، وانتشر تهريب السلاح بشكل كبير جداً، لدرجة أن أصغر «عيل» يمكن أن يكون عنده عدة أنواع من الأسلحة، ويقدر يمشى فى الشارع و«يطخ» عادى كأنه يلعب ولا أحد يستطيع مساءلته «إيش بتعمل» أو حتى يتم القبض عليه، لأننا عرفنا وقتها أنه كان صادر أوامر من مرسى وجماعته بعدم التعامل الأمنى معهم، هذا بالإضافة إلى كثرة «القعدات الشرعية» يعنى المجالس الشرعية التى تصدر أحكامها بعيداً عن القانون، وذلك وفقاً لتفسيرها للشريعة على مزاجها، وكل واحد أصبح «ماشى بدماغه» أما الأمر الأخطر فهو أن معظم الأنفاق التى كانت تقوم بتهريب المواد الغذائية تحولت إلى أنفاق لتهريب السلاح بعد أن أصبحت تجارته شائعة ومسموحاً بها تحت أعين الحكومة ودون حساب وفلوسها «كتير» جداً.
■ هل هناك أنفاق للمخدرات أيضاً؟
- نعم، ويتم فيها تهريب الحشيش، البانجو، الأفيون وتسعيرتها أيضاً عالية، فالأنفاق تهرب كل شىء بكل صراحة.
■ هل ستفلح عملية إخلاء الشريط الحدودى من الأنفاق وإقامة منطقة عازلة فى إنهاء ظاهرة الأنفاق وتجارة التهريب فى سيناء للأبد؟
- بنسبة معينة ممكن، خاصة أن الشدة الأمنية الأخيرة وفرض حالة الطوارئ قوية للغاية، لكن ستظل الأنفاق موجودة، لأن الذى يتمكن من حفر نفق على طول كيلو واثنين كيلومتر، يمكنه حفر أنفاق على بعد 5 و10 كيلومترات أيضاً، وهناك بعض الأنفاق فى بيوت يصل فيها طول النفق إلى أكثر من 3 كيلو ونصف، وهى بيوت بعيدة عن الشريط الحدودى وتحديداً فى منطقة المزارع. وعلى الرغم من أن المناطق التى يحفرون بها ستكون فيها «الرمال معاندة» يعنى لا تساعدهم على الحفر بسهولة، سيقومون «بتسقيفها» بطريقة أقوى من الخرسانة لاستكمال عملهم.
■ لكنها لن تكون صالحة لتهريب الإرهابيين والأفراد، بسبب المسافات الطويلة وسوف يتعرضون للاختناق!
- التكفيريون لا يهمهم شىء وأعرف أن الأنفاق الطويلة لا ينزلون إليها إلا وعلى ظهورهم أنابيب أكسجين، لأنه فى نصف النفق قد يتعرض لحالة «كتم النفس» فكيف سيكمل المسافة؟ وحينما يصلون إلى نهاية النفق يتركون هذه الأنابيب، حتى يستخدموها فى طريق العودة إلى سيناء مرة أخرى.
■ هناك قرار بشأن عدم منح أصحاب البيوت الذين تضبط فى بيوتهم أنفاق أثناء عملية الإخلاء، أى تعويض، فما رأيك؟
- يستاهلوا، إزاى أعطيه فلوس النهاردة وهو عامل فلوس تكفيه مئات السنين؟ بعض أصحاب هذه البيوت حصل على ملايين الدولارات على مدار السنتين الماضيتين فقط. وإذا كان يستحق من الدولة 500 ألف لأن بيته على الحدود، فثقوا تماماً أنه عامل «مليار» من تجارة الأنفاق. لا يوجد بيت فى الشريط الحدودى لم يكن فيه نفق من الآخر، فأصغر شاب فيهم لا يتجاوز عمره 18 سنة عنده 3 عربيات أحدث موديل، «من وين إجت هذه الفلوس؟»، كما أن بعض هذه الأنفاق التى على الشريط الحدودى اشتغلت فى تجارة «الأفارقة»، يعنى ما خلوش حاجة إلا واشتغلوا فيها وبعد هذا كله يريدون تعويض من البلد!
■ لكن هناك بعض العائلات فقيرة بالفعل فى منطقة رفح؟
- هذه العائلات لا تسكن فى الشريط الحدودى بل بالقرب منه ولن يجدوا فى منازلهم أنفاقاً.
■ ألا تخاف على نفسك بعد نشر هذه المعلومات؟
- لا، فعلى الرغم من عملى فى عمليات التهريب عبر الأنفاق، فإننى أرفض تماماً أن يقتل العساكر الغلابة دون ذنب فى سيناء، نحن اشتغلنا فى الأنفاق لأن فيها «أكل عيش» فى بلد يعانى الفقر منذ عشرات السنين ومصادر الرزق فيه قليلة جداً، ثم ماذا تعرفون عنى لكى أخاف؟ لا أحد يمكنه أن يعرف عنى شيئاً دون معرفتى أنا شخصياً. وهناك من يحمينى تماماً فى الوقت المناسب ويجب ألا تنسى الشروط التى وضعتها قبل إجراء الحوار.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.