بقلم حلمى النمنم | الاربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٤ -
٥٣:
٠٥ م +02:00 EET
ليس من السهل الوصول إلى حقيقة ظاهرة «الإرهابى».. كيف يتكون وكيف يصبح هكذا بعد أن كان إنساناً عادياً؟ فى البدء كان هناك تصور أن الفقر وغياب العدالة الاجتماعية السبب المباشر فى بروز هذه الظاهرة، وراج ذلك التصور فى مطلع التسعينيات، ولم يكن الأمر، على هذا النحو، خاصة أن بن لادن لم يكن فقيراً ولا كان أيمن الظواهرى من ضحايا الظلم الاجتماعى، صحيح أن الفقر مدمر والظلم الاجتماعى جريمة إنسانية لا يجب السكوت عليها، لكنها لا تنتج بالضرورة إرهابيين، والآن نرى من يعلق الشماعة على عدم تحقق الديمقراطية وعلى غياب الحريات العامة أو تراجعها، ومع ذلك فإننا نرى إرهابيين يصلون إلى داعش يومياً من الدول الأوروبية وبينهم أفراد من الأوروبيين الخُلص، أى ليسوا من أصول عربية ولا إسلامية، أى إرهابى يتكون رغم أنه ابن المجتمعات الأعرق فى الديمقراطية والحرية، بريطانيا وفرنسا.. وفى تونس تجربة تسير نحو الديمقراطية ومع ذلك حدثت عملية إرهابية هناك بعد إعلان نتائج الانتخابات بأيام، راح ضحيتها خمسة قتلى، وتقول التقارير إن تونس من أكثر المجتمعات تصديراً للإرهابيين المنضمين إلى داعش.
ولا يجوز التهوين من تراجع الحريات فى أى مجتمع ولا غياب الديمقراطية كلياً أو جزئياً، لكن من يبحث عن الديمقراطية ويريد الحريات لا يذهب إلى الطريق المضاد ويصبح إرهابياً، هناك الانضمام إلى الأحزاب والروابط المجتمعية والأهلية.. المدنية، لدفع الديمقراطية إلى الأمام وتحقيق قدر أكبر من الحريات، ومن يتضرر من الفقر وغياب العدالة الاجتماعية لديه طرق ووسائل عدة ليس من بينها الإرهاب، للحد من الفقر ورفع الظلم الاجتماعى عن كاهل الفقراء والمظلومين.
الإرهابى ظاهرة مركبة وحالة إنسانية معقدة، وقد يكون الوجه الآخر للعدمى وإن اختلفت الأهداف وتباينت الغايات حيث يهدف الإرهابى إلى الفوز فى الدنيا، كما يفهمه هو، أو الفوز بالشهادة لدخول الجنة، كما يفهم هو أيضاً معنى الشهادة وقواعد دخول الجنة.
غير أن هناك ملامح عامة للإرهابى السائد فى عالمنا، وهو أنه ينتمى إلى «المتأسلمين» وينحدرون جميعاً من ميراث أدبى وفقهى، يمكن أن نرجعه قديماً إلى الخوارج، وحديثاً إلى أتباع حسن البنا وسيد قطب، أصحاب العقيدة البناوية، القطبية، وسوف نلاحظ - جميعاً - أن هؤلاء المتأسلمين ينتمون إلى الإسلام السنى أو يحسبون أنفسهم عليه، بينما الإسلام الشيعى منذ فبراير ١٩٧٩، تاريخ إسقاط شاه إيران، يتحرك فى مسار آخر، نرى تجلياته فى جنوب لبنان، حيث حزب الله وفى اليمن حيث جماعة الحوثى، وفى جنوب العراق، ويمتد إلى بغداد نفسها، وسوف نلاحظ أن ما يقوم به الإسلام الشيعى يصنف فى إطار مشروع سياسى واسع، مركزه طهران، وهو تحقيق مكاسب على الأرض ويحظى بدعم أو رضا أمريكى فى أغلب الحالات والمواقف، وأكاد أقول إن هذا المشروع يلقى «هوى» أمريكياً واضحاً تماماً لدى الإدارة الحالية فى البيت الأبيض، وفى كل الأحوال فإن هذا المشروع وذلك التحرك حمى المشروع الإيرانى - الشيعى من أن يوصف بالإرهاب.
الذين وصفوا بالإرهابيين، وهم كذلك، المجموعات التى تحدثنا عنها مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة فى ليبيا وأنصار بيت المقدس فى سيناء وغيرهم، هم جميعاً بضاعة واحدة متباينة الأسماء فقط.
الإرهابى لديه مشروع فردى، هو الخلاص الشخصى والخاص فى الدنيا وفى الآخرة، وهدفه النهائى هو التدمير، لا البناء، هو مشروع قائم على النفور والكراهية وربما الحسد والحقد، لذا فإنه يريد هدم وتدمير كل شىء، وهذا ما يقومون به فى كل مكان حلوا به أو ظهروا فيه.
جزء غير قليل من المشكلة هو فى الثقافة الإسلامية السائدة، باب الاجتهاد مغلق والتجديد ضعيف للغاية، حتى حركات التجديد تذهب إلى الماضى البعيد وتنهل منه مع تجاهل تام للواقع وغياب أى رؤية للمستقبل، حركات ترى مستقبلها فى النزاع بين على ومعاوية ثم تكفير الاثنين معاً.. ويتصور البعض منا أن فتح باب الاجتهاد والتجديد مرتبط أولاً وأخيراً بالمؤسسة الدينية، أقصد الأزهر تحديداً وكبار العلماء فيه لكن الأمر ليس على هذا النحو، الاجتهاد والتجديد رؤية مجتمع وخيار دولة يشارك الأزهر فى تنفيذه وفتحه.. وتلك قضية تحتاج مقالاً وربما مقالات أخرى.
تقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع