درست المبتعثة السعودية فاتن الحمود مشاكل تناول الأدوية بطريقة غير مناسبة عند أصحاب الأمراض المزمنة من أصول جنوب آسيوية وشرق أوسطية في المملكة المتحدة، فنالت جائزة أفضل بحث علمي من الجمعية الأوروبية للصيدلة السريرية.
باريس: فازت المبتعثة السعودية فاتن الحمود بجائزة "أفضل ملخص ملصق علمي معروض" من الجمعية الأوروبية للصيدلة السريرية، من بين 1167 مشاركًا من مختلف دول العالم، خلال المؤتمر الأوروبي الثالث والأربعين للصيدلة السريرية، الذي نظمته الجمعية الأوروبية للصيدلة السريرية، وعُقد في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
تناول بحث الحمود العلمي المشاكل الناجمة عن تناول الأدوية بطريقة غير مناسبة عند أصحاب الأمراض المزمنة من أصول جنوب آسيوية وشرق أوسطية والمقيمين في المملكة المتحدة. وتتوقف الباحثة السعودية في بحثها عند أسباب هذه الظاهرة في المملكة المتحدة والدول الغربية عامة، وتعرض حلولًا لها، وما يُمكن أن ينتُج عنها من تداعيات سلبية على صحة المرضى، وتداعيات مالية على خزينة الدول الغربية.
والحمود حائزة على شهادة دكتوراه في الصيدلة السريرية من جامعة كلية لندن، ودراسات عليا في الصيدلة السريرية من جامعة ستثكلايد يونيفيرستي في إسكتلندا، وبكالوريوس في الصيدلة من جامعة العلوم التطبيقية في الأردن، وهي ممن استفادوا من بعثات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ مرحلة البكالوريوس حتى نيلها الدكتوراه.
التقت "إيلاف" المبتعثة الحمود، فكان هذا الحوار:
ماذا تناول البحث العلمي الذي نلت على أساسه جائزة الجمعية الأوروبية للصيدلة السريرية؟
الموضوع الأساسي لبحثي العلمي ملخص ملصق علمي معروض من قبل الجمعية الأوروبية للصيدلة السريرية، عن المشاكل المرتبطة بتناول الأدوية عند أصحاب الأمراض المزمنة من أصول جنوب آسيوية وشرق أوسطية في المملكة المتحدة. عندما أتحدث عن أصول آسيوية أعني بذلك السكان المتحدرين من أصول هندية وباكستانية وبنغالية وسيرلنكية وباقي البلدان في جنوب آسيا. وعندما أتحدث عن أصول شرق أوسطية فذلك يعني العرب و الأكراد والإيرانيين. يناقش البحث أساسًا المشاكل المتعلقة بتناول الأدوية، ويعرض الأسباب التي تنتج عن تناول الأدوية خصوصًا عند السكان من أصول آسيوية و شرق أوسطية المقيمين في المملكة المتحدة، ويطرح البحث بالمقابل بعض الحلول للمساهمة في حل هذه المشاكل. وبالتالي، يتطرق البحث إلى مناقشة بعض العوامل الدينية منها والإجتماعية والثقافية التي تمارسها هذه الفئة من السكان، خاصة في ما يتعلق بتناول الدواء وحصولهم على خدمات الرعاية الصحية.
آسيوية وشرق أوسطية
لماذا جرى التركيز على المتحدرين من أصول آسيوية وشرق أوسطية؟
إختياري المشاكل المتعلقة باستخدام الأدوية لدى المهاجرين في المملكة المتحدة أتى مع تزايد عدد الأقليات العرقية نتيجة الهجرة ومعدل الولادة المرتفع في صفوف المهاجرين من أصول آسيوية وشرق أوسطية. هذا الارتفاع في نسبة الأقليات العرقية لا يقتصر فقط على المملكة المتحدة بل يطاول كامل العالم الغربي، كأوروبا وأميركا بعد الربيع العربي الذي أدى إلى ارتفاع أعداد المهاجرين هربًا من القتال الدائر في بلدانهم. السبب الآخر الذي دفعني إلى تخصيص بحثي العلمي للحديث عن المشاكل الناجمة عن تناول الأدوية هو أنه غالبًا ما يكون معدل إنتشار الأمراض المزمنة كأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري والروماتيزم، أكثر لدى هذه الفئات المتحدرة من أصول آسيوية وشرق أوسطية، إضافة إلى أن متوسط عمر المستهلك هو أقصر من غيره. كل هذا قد يؤدي إلى تزايد عدد المرضى وبالتالي تناول مضاعف للأدوية وما يصاحب ذلك من ظهور مشاكل ناتجة عن تناول تلك الأدوية بالإضافة.
وما الذي توصلتِ إليه؟
ما توصلت إليه في بحثي العلمي هو عدم فهم الدول الأجنبية لطبيعة مثل هذه المجتمعات، وبالتالي وجدت أنه عبر تسليط الضوء على هذه المشاكل أو على احتياجات هؤلاء الأفراد في المجتمعات الغربية نستطيع أن نلفت نظر المختصين في القطاع الصحي، سواء في المملكة المتحدة أو في العالم، لضرورة إيجاد حلول وخدمات ودعم مناسب لمثل هذه الفئات تساعدهم على حل مشاكلهم و تلبية احتياجاتهم.
انشغال بالروحانيات
ما المشاكل التي استطعت إحصاءها عند المتحدرين من أصول آسيوية وشرق أوسطية؟
من أهم المشاكل التي رصدتها تكمن في العوامل الدينية والاجتماعية والثقافية التي تمارسها هذه الفئات في ما يتعلق بتناول الدواء، وتمكنهم من الاستفادة من الرعاية الصحية. أولًا، عندما نتحدث عن العوامل الدينية لا بد من الإشارة إلى صيام رمضان وأداء فريضتي الحج والعمرة. في ما يتعلق بصيام رمضان، أعطي مثلًا عن أحد المرضى المسلمين الذي استطاع التقيّد بصيام رمضان في المملكة المتحدة، لكنه بالمقابل أدخل تعديلات على تناول الدواء لتتناسب مع فترة صيامه، وشمل التعديل توقيت وجرعات الدواء والمدة الفاصلة، أو التوقف تمامًا عن تناول الدواء. المريض يدخل هذه التعديلات من دون استشارة الطبيب. كما أستعرض في بحثي حالات لم تتلقَ التوعية اللازمة من طبيبها الخاص حول التعديلات التي بإمكانها إدخالها على كيفية تناولها للدواء لتتناسب مع صيام رمضان. وما هو معروف أن كثيرًا من المهاجرين الذين أمضوا سنوات طويلة في المملكة المتحدة لا يجيدون الإنكليزية، بالتالي هناك عائق اللغة الذي يحول دون تمكن المريض من التواصل مع طبيبه الخاص. يضاف إلى ذلك تأثير الحج والعمرة وسفر المسلمين لأداء الفريضتين وما يمكن أن ينجم عن ذلك من توقف عن تناول الأدوية في الموعد المحدد بسبب الإنشغال بأداء الشعائر الدينية، وهناك فئة لا تأخد معها الأدوية التي يجب تناولها يوميًا لاعتقادها بأن عدم تناول الدواء خلال فترة الحج لن تكون له آثارٌ سلبيةٌ لأن أداء الفريضتين لن يستغرق سوى أيام معدودة، ويمكن الإستغناء عن تناول الدواء بشرب ماء زمزم المعروف بقيمته وفائدته لدى المسلمين عامة.
هل يشكل عامل اللغة عائقًا كبيرًا؟
أرصد في بحثي شعور العزلة الذي ينتاب بعض المهاجرين نتيجة عدم إيجادهم اللغة الإنكليزية، بالتالي يكون التوجه العام لدى معظم الحالات هو اللجوء إلى استشارة طبيب من نفس العرق يجيد نفس اللغة، وإن اضطرهم ذلك لتحمل عناء السفر مسافات طويلة أو الإنتظار لفترة زمنية قبل أخذ موعد لإستشارة طبية من طبيب لا يميزه عن زميله البريطاني سوى أنه يتحدث نفس لغة المريض.
من جهة أخرى، في حال تعذر الوصول إلى طبيب يجيد نفس لغة المريض فعند ذلك تتم الاستعانة بالأطفال أو أحد الأقارب الذين قد لا يلمون جيدًا باللغة الإنكليزية، وبالتالي يكونون غير قادرين على ترجمة ما يقوله الطبيب المختص بشكل صحيح خاصة في ما يتعلق بالمصطلحات الطبية. كل ذلك قد ينتج عنه إيصال معلومة طبية خاطئة للمريض، ما قد يسفر عن أعراض جانبية.
حزمة حلول
ما الحلول لهذه المشاكل التي تركزين عليها في بحثك العلمي؟
تسليط الضوء على المشكلة قد يساعدنا على فهم الحلول المقترحة. لو وفرنا الخدمات التي تناسب احتياجات أو متطلبات هؤلاء الناس كتخصيص ندوات توعية في المراكز الاجتماعية المنتشرة في كل المناطق داخل المملكة المتحدة، مع توفير أطباء مختصين ومطلعين على المشاكل التي تعاني منها هذه الفئات من السكان، ليقوم الأطباء بحملات توعية في المراكز الاجتماعية أو في المساجد والمعابد، نظرًا لتواجد فئات كبيرة من الديانة الصوفية أو الهندوسية، فتتم توعية المهاجرين على الطريق الخاطئة في تناولهم الدواء.
تقولين إن ما يمكن تطبيقه على مرضى من أصول آسيوية وشرق أوسطية قابل للتطبيق في دول إسكندنافية. فهل هذا صحيح؟
غالبية المهاجرين في المملكة المتحدة قادمة من نفس البيئة الاجتماعية و الثقافية، والدليل المعتقدات التي يمارسونها أينما كانوا، في المملكة المتحدة أو الدنمارك أو السويد. بالتالي، الآثار الاجتماعية أو الدينية هي تقريبًا نفسها عند الجميع. من هنا أؤكد أن الدول الإسكندنافية أو أميركا كندا أو حتى أستراليا يمكنها إتباع نفس الحلول إن ظهرت لديها نفس المشاكل، كتوفير مترجمين عند زيارة الطبيب أو دخول المستشفى لتلقي العلاج. هناك خدمة حديثة في بريطانيا لتمكين هذه الفئات من القدرة على الاتصال برقم معين لطلب مترجم لتسهيل التواصل مع الطبيب. إنها خدمة مكلفة لكنها توفر على الحكومات الكثير من المشاكل التي قد تنجم عن عدم تناول الدواء بشكل منتظم، وما يمكن أن ينتج عن ذلك كالتسبب مثلًا بأمراض مزمنة تكلف خزينة الدولة مبالغ مالية ضخمة .
أوجه تشابه
هل يمكن تطبيق هذا البحث العلمي على القطاع الصحي في السعودية؟
أتوقع أن هناك مشاكل مشابهة في جميع الدول التي تتحدر منها هذه الفئات. لكن في السعودية ثمة نسبة أمية مرتفعة، على الرغم من تزايد اعداد خريجي الجامعات، خاصة في ما يتعلق بالعنصر النسائي. إلى ذلك، نجد عائقًا آخر في السعودية يكمن في إعتماد النساء على أزواجهم أو آبائهم لتلقي الرعاية الصحية، كالذهاب إلى الطبيب المختص، مع العلم أن هناك اختلافات مرتبطة بهذه المجتمعات. فلا يمكننا مقارنة المشاكل التي نواجهها في السعودية داخل القطاع الصحي بتلك القائمة في لبنان.
أنوي في المستقبل أن أطبق دراسة مشابهة في السعودية، لمعرفة حجم المشكلة وأوجه التشابه والاختلاف، التي تتأثر بدرجة كبيرة بالعوامل الإجتماعية التي يعيشها السعوديون .
أنت من المستفيدين من بعثات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كيف ساهم ذلك في تمكينك من الفوز بجائزة تمنحها الجمعية الأوروبية للصيدلة السريرية وتعتبر الأرفع في أوروبا والعالم؟
فكرة خادم الحرمين الشريفين نقلة نوعية في مستقبل التعليم العالي في السعودية، لأنها تشكل رافدًا مستقبليًا للقطاعين الحكومي و الأهلي. فهي تتيح السفر إلى الخارج لمتابعة الدراسة، وتؤمن بعثات خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث الخارجي اكتساب خبرات جديدة والاحتكاك بثقافات متنوعة و مغايرة. أتوجه بالشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوفير مثل هذه الفرصة لكافة السعوديين، وأود أن أتوجه بالشكر لوزير التعليم العالي والملحقية الثقافية في لندن لأنها دعمت بكل ما تستطيع الطلاب السعوديين في الخارج، وأوضح مثال تجربتي الشخصية، فأنا مبتعثة منذ مرحلة البكالوريوس حتى نيلي شهادة الدكتوراه، والملحقية الثقافية لعبت دورًا داعمًا في التعليم والحياة المعيشية، وهو دعم معنوي ومادي، ولعل أصدق مثال على نجاح بعثات خادم الحرمين الشريفين هي الإنجازات التي يحققها الطلبة السعوديون في الخارج.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.