الأقباط متحدون - دعوة لتحكيم العقل: أيهما أيسر؟
أخر تحديث ٠٤:٢٨ | الاثنين ١٧ نوفمبر ٢٠١٤ | ٨هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٨٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

دعوة لتحكيم العقل: أيهما أيسر؟

بقلم منير بشاى
من المعجزات التى أجراها السيد المسيح شفائه للمفلوج (المشلول) التى وردت فى انجيل متى الأصحاح التاسع  جاء بعض الناس الى السيد المسيح بمفلوج مطروحا على الفراش.  فلما رأى ايمانهم قال للمفلوج "ثق يا ابنى مغفورة لك خطاياك".  لم يكن  هذا القول من السيد المسيح هو ما جاءوا من أجله، لقد جاءوا طلبا فى الشفاء لا للغفران. 

ولكن عارف القلوب رأى ان اساس مشكلة ذلك الانسان المريض هو فى خطيئة لم تغتفر ولذلك بدأ المسيح معه بالغفران.  واذ قال هذا انزعج بعض رجال الدين اليهودى وقالوا (فى انفسهم) هذا يجدف.  كان رأيهم ان السيد المسيح (كإنسان) ليس فى سلطانه ان يغفر الذنوب.  وتقول القصة "فعلم يسوع افكارهم فقال لماذا تفكرون بالشر فى قلوبكم".  فما قالوه فى السر كشفه السيد المسيح علانية، وفى هذا الدليل على ان السيد المسيح كان اكثر من انسان وانه،  كعالم الأسرار، له السلطان على غفران الذنوب مثلما له السلطان على شفاء الاجساد.

 ولكن مع هذا قدم لهم السيد المسيح برهانا منطقيا لا يدحض عندما قال لهم "ايهما ايسر ان يقال مغفورة لك خطاياك ام ان يقال قم وامش؟"  طبعا الأسهل ان يقال "مغفورة لك خطاياك" لأنه سيكون مجرد كلام لن يطالب من يقوله بدليل ملموس على صدق دعواه.  ولكن من يقول للمشلول "قم وامش" يقع عليه عبء ان يظهر للناس سلطانه على الشفاء.  وهنا قال السيد المسيح: ولكن لكى تعلموا ان لإبن الانسان (المسيح) سلطانا على الارض ان يغفر الخطايا حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب الى بيتك فقام ومضى الى بيته.

 منطق معقول استخدامه السيد المسيح وجدت نفسى محتاجا اليه للبرهان على قضية واجهتنى مؤخرا.
 من يتابع مقالاتى الأخيرة يلاحظ أننى كنت طرفا فى نقاش يثار فيما يتعلق بدور امريكا فى الشرق الأوسط.  كان أحد طرفى النقاش يرى ان امريكا هى الشيطان الأكبر وراء كل المشاكل التى يعانيها الشرق الأوسط.  ولكننى كشخص عاش فى مصر وتعلم وعمل فيها فترة من الزمن، ثم انتقل الى امريكا وعاش فيها اكثر من 45 عاما كان لى رأى مخالف.  كنت اعلم ان أمريكا ليست بشيطان، وان مشاكل الشرق لا صلة لها بامريكا، بل هى صناعة محلية، وهى راجعة بالدرجة الأولى الى ايديولوجية دينية متطرفة سرت فى الشرق مثل النار فى الهشيم.

البعض وافق، والبعض الأخر اعترض على ما قلت ودخلوا معى فى نقاش، تحول احيانا الى نقاش حاد، والبعض اتهمنى باتهامات ما انزل الله بها من سلطان.  وكان من المعارضين لى ولأمريكا  فى النقاش صديق الطفولة الذى جاء ليعيش فترة تقاعده فى أمريكا.

 كان لنا سجالات حول هذا الموضوع كلما التقينا.  وفى ذات مرة كنا على التليفون وتطرّق الكلام كالعادة الى نفس الموضوع.  وهنا رأيت صوت صديقى ينخفض بدرجة ملحوظة.  طلبت منه ان يتكلم بطريقة عادية فعرفت انه كان يخشى ان يسمعه احد وهو ينتقد امريكا.  ضحكت وقلت له "ان كان هناك على الخط من يتنصت علينا فالامر قد عرف واللى كان كان!" واضفت "اذا كنت انا استطيع ان اسمعك فمن الواضح ان اى شخص آخر على الخط قادر على سماعك"

 اذهلنى هذا التفكير واشفقت علي صديقى من حجم المخاوف التى تعشش فى ذهنه هو وغيره من الناس فى مصر عندما يتعرضون لسياسة الحكومة. وياله من احساس بالرعب يشعر به المواطن عندما يعتقد ان هناك من يتنصت عليه ويريد اصطياد كلمة نقد ضد الحكومة تزلف من لسانه.

 طلبت من صديقى ان يهدىء روعه فليس هناك فى امريكا من يتنصت على احد الا فى اضيق الحدود ولدواعى الأمن وبأمر النيابة.  وهنا قال لى: الم تتنصت امريكا على رؤساء الدول الأخرى؟  قلت له ان هذا كان موجها لرؤساء دول وعلى حد علمى انه تم من افراد دون ترخيص، وانت لست رئيسا لدولة او زعيما لعصابة وليس فى حوزتك معلومات خطيرة او تمارس نشاطا ارهابيا.  وعلى اى حال فنقد النظام الحاكم ليس عملا يجرمه القانون الأمريكى.

 حاولت ان اطمئنه بالقول اننى لم احس يوما فى امريكا باننى مهدد بزوار الفجر الذين قد يأتون وياخذوننى من وسط عائلتى ويلقوننى الى ما وراء الشمس.  اكدت له ان اهم ما يميز امريكا هو الاحساس بالحرية وحق الكلام بدون خوف سواء انتقدت او امتدحت امريكا.  رد على: انت تقول هذا لأنك "تحسبها صح" وهذا واضح من مقالاتك التى دائما تمتدح امريكا.

 وهنا احسست ان نغمة الكلام قد تحولت من نقاش موضوعى الى اتهام شخصى.  فقلت له بانفعال "لو اننى كنت احسبها صح فعلا كما تقول واخشى ان يؤثر كلامى على سلامتى الم يكن من الأسهل تحقيق ذلك عن طريق الصمت؟  وهل كل من يمتدح شيئا فى رأيك معناه ان هدفه التملق؟ وهل تعرف عنى اننى اتملق؟"  ولكننى التمست له العذر عندما ادركت ان ثقافة التملق قد طغت على مجتمعاتنا العربية بحيث اصبح صعبا ان تميز بين الاطراء الصادق والتزلف الزائف.

 ولكن كمحاولة اخيرة للدفاع عن رأيى خطر لى ان استعمل المنطق الذى استعمله السيد المسيح.  قلت له انت تتهمنى اننى لا انتقد امريكا خوفا من شر قد يحل بى،  والآن دعنى اسألك: ايهما ايسر؟ ان انتقد امريكا ام ان انتقد رئيس امريكا؟  طبعا اسهل ان انتقد امريكا لأن امريكا كيان اعتبارى ولن تأتى لكى تنتقم منى.  اما اذا انتقدت رئيس أمريكى فهو انسان محدد له وجود وله حكومة وشرطه وجهاز أمن سرى وعنده محاكم وآليات للعقاب.  ولكن لكى اثبت لك اننى قادر على عمل الشىء الأسهل دعنى اعمل الشىء الأصعب، لكى تعرف اننى لا اخشى انتقاد امريكا دعنى اقوم بالعمل الأصعب وهو انتقد رئيس امريكا، فها انا اقول عنه بأعلى صوتى: الرئيس اوباما هو أسوأ رئيس فى تاريخ أمريكا.  وحتى اتاكد ان من يتنصت علينا يفهم ما اقوله دعنى اكرر الكلام باللغة الانجليزية.

President Obama is the worst president in the history of America
 وبعد.. ليس هدفى هنا الدخول فى نقاش جديد سواء مع او ضد امريكا فقد قلت وجهة نظرى فى الموضوع من قبل وفى هذا الكفاية.  ولكن هدف هذا المقال هو دعوة لتحكيم العقل فيما تلقناه منذ الصغر لمعرفة الغث منه والثمين.  وليس المهم بالضرورة ان نصل جميعا الى نتيجة واحدة ولكن الأهم ان نتخلص من الأوهام والاغراض.  ولعل هذا يساعدنا على ان نزيح عن كاهلنا الحمل الذى يحنى كاهلنا ونصير بالحقيقة احرارا.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter