بقلم د. سعد الدين إبراهيم | السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤ -
٣٨:
٠٤ م +02:00 EET
د. سعد الدين إبراهيم
من الأقوال المأثورة لبنيامين فرانكلين، أحد آباء الاستقلال فى أمريكا، أن أولئك الذين يُقايضون الحُرية بالأمن، لا يستحقون لا هذا ولا ذاك.
لقد كانت التفجيرات التى راح ضحيتها العشرات من أبناء مصر فى الجيش والشُرطة، ومن عامة المواطنين، وخاصة فى سيناء، مدعاة لإجراءات استثنائية، منها فرض الأحكام الاستثنائية، وتهجير مواطنين من الشريط الحدودى بين الحدود الشرقية لمصر وقطاع غزة، التى تُشير كل القرائن والأدلة إلى أنه أصبح فى السنوات الثلاث الأخيرة ملجأً وموطناً لكل المُناهضين لعهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى مُقدمتهم فلول الإخوان المسلمين. وينطوى ذلك فيما ينطوى عليه بنجاح جزئى أو مرحلى فى حرب الاستنزاف التى قرر الإخوان خوضها ضد السيسى والدولة المصرية بعد خسارتهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣. فالإجراءات التى أعلنها السيسى بما فى ذلك تعويض من سيتم تهجيرهم، وبناء مدينة جديدة لهم لا بد أنها ستكلف الدولة مائة مليون جنيه مصرى على الأقل.
وفى رأينا المتواضع أن استراتيجية التهجير ليست الأفضل فى أى مكان من سيناء أو غيرها من أراضى مصر المحروسة. وكنا قد طالبنا منذ ثلاثين عاماً، وبمناسبة رفع العلم المصرى على آخر أرض مُحتلة فى سيناء، وهى طابا، أن يتم تعمير سيناء، لا بتهجير أى من سُكانها، الذين لم يكونوا قد تجاوزوا المليون وقتها، ولكن بتهجير مليونى مصرى من الوادى والدلتا إلى سيناء. وذلك عملاً بقانون فى علم الجُغرافيا السياسية، وفحواه أن أى أرض خالية من السُكان على سطع المعمورة، هى أرض تدعو المُحتلين لتعميرها واستغلالها.
وحتى لا نكون كمن يؤذنون فى مالطة، أو أن نكون وعّاظاً للينبغيات فقط (أى أن نقول ينبغى كذا.. وينبغى كذا) دون أن نكون نحن قدوة، فقد أخذنا على عاتقنا فى المؤسستين اللتين ارتبطت بهما، وهما مركز ابن خلدون والجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن نقوم بتطبيق ما ندعو إليه الآخرين.
وكان من أوائل المُستجيبين لدعوتنا بتعمير سيناء كل من الدكتور صلاح عرفة، أستاذ الطبيعة، وخبير الطاقة المُتجددة بالجامعة الأمريكية، والباحثة النشطة، نجاح حسن من مركز ابن خلدون، وعدد من شباب قرية البسايسة، بمحافظة الشرقية. فاشترى أساتذة الجامعة الأمريكية من محافظة جنوب سيناء مساحة مائتى فدان، فى منطقة رأس سدر، ووزعوها على شباب الفلاحين الذين غادروا، من قرية البسايسة، على أن تؤول ملكيتها لهم إذا استصلحوها وأقاموا فيها خلال السنوات العشر التالية.
وقد صمدت تجربة السنوات الجديدة، وتجاوز عمرها الآن ما يقرب من رُبع قرن. بل وشجع وجود هذه النواة العُمرانية، آخرين، من المُستثمرين، وخاصة فى مجال السياحة.. وأصبحت رأس سدر مُنتجعاً سياحيا مُزدهراً.
كان المرحوم الفريق مُنير شاش، مُحافظ شمال سيناء فى ذلك الوقت، يُتابع التجربة فى المُحافظة التوأم بجنوب سيناء ودعا المجموعة التى بادرت بمشروع البسايسة الجديدة، لزيارة شمال سيناء، والقيام بمُبادرة مُماثلة. وهو ما تم فى حينه وبنجاح مُنقطع النظير.
إننا نسوق هاتين التجربتين فى جنوب وشمال سيناء، لتأكيد أن استراتيجية التعمير أفضل ألف مرة ومرة من استراتيجية التهجير، خاصة أن تجارب البيروقراطية المصرية فى هذا الصدد ليست مُشجعة على الإطلاق.. واسألوا أهلنا فى النوبة الذين قيل لهم، إنه فى سبيل تنمية مصر، لا بد من بناء السد العالى، جنوب أسوان، والذى ينطوى على خلق بُحيرة ضخمة، تمتد أربعين كيلو مترا، وبعرض عشرة كيلو مترات، وهو ما ينطوى على إغراق كل قراهم ومساكنهم وتراثهم الذى تراكم على مدى مئات السنين. وأنه سيتم تعويضهم تعويضات مالية عادلة، وتشييد قُرى ومساكن بديلة. ولكن بعد نصف قرن، مازال أهل النوبة يُطالبون بأن تفى الدولة المصرية بما كانت قد وعدتهم به.
إن التلكؤ فى الوفاء بالوعود، ناهيك عن النكوص بها، هما رذيلتان أخلاقيتان فى حق الدولة المصرية. ولكنهما فى حالة سُكان المناطق الحدودية ـ كما هو الحال فى النوبة جنوباً ورفح شرقاً، وشريط الفرافرة، مرسى مطروح غرباً، يرقى إلى التشجيع على دفع المواطنين فى هذه المناطق إلى الكُفر بالولاء للوطن المصرى، والسعى لولاءات أخرى، قد نندم لحدوثها، ولكن بعد فوات الأوان. وأظن أن ما يحدث هذه الأيام فى المثلث الحدودى، منذ حلايب وشلاتين، أو تصعيدها من بعض العناصر الداعشية قبالة مدينتى دمياط وبورسعيد فى عرض البحر المتوسط.
إنه من مُفارقات القدر المصرى، الذى عاش فيه جيل كامل (١٩٤٨-١٩٨٨) يعتبر أن الخطر يأتى من الكيان الصهيونى فى فلسطين، فإذا بنا فى الوقت الحاضر نواجه خطراً لا يقل حدة، لكنه من مصادر داخلية، يبدو أن منسقها الأكبر هو التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد نبّه الجهاديان السابقان والتائبان اللاحقان، الشيخ نبيل نعيم، والمحامى السكندرى صبرة القاسمى مِراراً وتكراراً لخطورة هذه البؤر المُلتهبة وغيرها من الخلايا النائمة، ولكن يبدو أن أجهزتنا الأمنية تسمع لهذه التحذيرات مرة واحدة وتفصل أذنها ألف مرة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله
نقلاعن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع