شاهدت الأسبوع الماضى على إحدى الفضائيات ما جعلنى أشعر بالزهو والفخر بمصريتى، وهو شعور ما أندره هذه الأيام.. كان ذلك حواراً بين الإعلامى الواعد المحترم شريف عامر مع الأربعة عقول المصرية التى شاركت فى مهمة علمية معقدة جرت على مدى سنين بواسطة وكالة الفضاء الأوروبية، انتهت بالنجاح فى إنزال «المركبة فيلة» على سطح مذنب هو الأقرب للشمس لأول مرة فى التاريخ، ضمن المهمة الفضائية «روزتا» التى تهدف إلى محاولة اكتشاف نشأة الكون.. وكان من هؤلاء العلماء الأربعة المصرى الشاب د. عصام حجى، الذى كان قد اختير ليكون مستشاراً علمياً للرئيس السابق عدلى منصور، وترك منصبه بعد أقل من عام بعد أن شعر باليأس وربما القرف أكثر بعد أن تعرض لحملة هجوم وتخوين وبذاءة بسبب رأيه فى الطريقة التى تم بها الإعلان عن جهاز تبنته القوات المسلحة لعلاج فيروس سى والإيدز. لفت نظرى فى حديث د. عصام حجى أثناء هذا الحوار، أنه قال فى أواخره إنه ليس مُحبطاً ولا نادماً على فترة عمله كمستشار لرئيس الجمهورية، ولكنه فقط حزين، لأنه اكتشف أن للجهل فى مصر أنصاراً كثيرين! أريد أن أوضح لأخى عصام أن فى الممارسة الطبية هناك أمراض توصف بأنها مستوطنة فى مكان ما endemic Diseases وفى مصر المحروسة فإن الجهل والنفاق من الأمراض التى استوطنت أرضها منذ زمن بعيد، وفى الفترة الأخيرة صارت كالوباء الذى يفتك بجسد الأمة، وللأسف فإن انتشارهما أكثر هو فيمن يُحسبون من المتعلمين ويُدعون إعلاميين وخبراء، يطلقهم أصحاب المصالح والأهواء والأغراض الخبيثة على عامة الناس للعبث بعقولهم. لقد شاهدت فى نفس الأسبوع على الفيس بوك أحد «البوستات» التى ينشرها النشطاء يشمل بالصوت والصورة رأى مجموعة من هؤلاء المرضى تتهم د.حجى بالتآمر والخيانة بل وبالتخلف العقلى، وغير ذلك من البذاءات بسبب رأيه العلمى فى الجهاز الذى أعلن فنى المعمل - والذى أصبح اللواء مكلف عبدالعاطى - عن اكتشافه لعلاج الإيدز وفيروس سى.. شاهدتهم يتفننون فى اختيار الكلمات التى تهين العالم المصرى الشاب: أحمد موسى قال (اللى يسوى واللى مايسواش بقى بيتكلم عن الجيش) ومصطفى بكرى قال (فضيحة أن تكون مكانك) ونائلة عمارة قالت (الظاهر إن ناسا بقت اتحاد معاقين) وأمانى الخياط، قالت (خدت كام علشان تشتم الجيش)، وعبدالمنعم كاطو الخبير الاستراتيجى قال (ده خاين وطابور خامس)، وكلمات جاهلة بذيئة أخرى قالها محمد أبو حامد، وتوفيق عكاشة ورولا خرسا وثروت جودة وكيل المخابرات السابق الذى حُكم عليه مؤخراً بالسجن! كلهم كانوا يهاجمون العالم المحترم ويدافعون عن اختراع اللواء المكلف عبدالعاطى الذى افتخر فى مؤتمر صحفى عالمى بأنه يحول الفيروس إلى كفتة، ثم اختفى بعد ذلك فى ظروف غامضة! لاتتوقعوا أن يشعر بالعار أحد من هؤلاء الذين ظهروا بالبوست المنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى، أو حتى بالخجل عما قاله فى حق العالم النابه الشاب الذى يتحدث العالم عنه الآن وزملائه، فهؤلاء وأمثالهم من أنصار الجهل ومحترفى النفاق يتمنون أن تنشق الأرض وتبتلع كل صاحب علم أو رأى حر يتصف بالشجاعة والوطنية، حتى لا يكون هناك من يكشف ضحالتهم وجهلهم وضعفهم الذى يدفعهم لمنافقة أى سلطة وسلطان، متناسين قوله تعالى «وأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».. هل يظن بعض الأغبياء أن الله قد يخلف وعده؟!
كلمات لابد منها: قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن، لأن فناناً مصرياً شاباً موهوباً حراً شجاعاً، قال رأياً سياسياً دفعته إليه حالة الإحباط التى يعيشها شباب ثورة ٢٥ يناير العظيمة وهو واحد منهم.. انبرى العبيد والسفلة فى وسائل إعلام مختلفة وعلى مواقع التواصل الاجتماعى يهاجمون الفنان المثقف الواعى خالد أبوالنجا، لأن رأيه لايعجبهم اعتقاداً منهم بأنه قد مس الذات الرئاسية، وأخذ أحد المحامين المحبين للشهرة على عاتقه مهمة رفع قضية عليه باعتبار أن رأيه يهدد ما يسمونه «الأمن القومى»! سؤالى هنا هو لماذا ضيعنا شهوراً والشعب كله مشغول بمناقشات ومشاحنات من أجل كتابة دستور يليق بمصر الثورة وبالعصر، إذا كنا فى أى اختبار ندوس مواده بالأحذية ولا يهتز لنا طرف؟!