الأقباط متحدون - الديمقراطية و«فنجان القهوة»
أخر تحديث ١٠:٥٦ | الاثنين ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤ | ١٥هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٩٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الديمقراطية و«فنجان القهوة»


فى محاضرة له بعنوان «نظام أمنى عالمى جديد: نحو عالم خالٍ من الأسلحة النووية» بمعهد السياسة التابع لكلية كينيدى للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، قال الدكتور محمد البرادعى: «لا أستطيع أن أقول إن مصر أصبحت دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، لأن الديمقراطية ليست كالقهوة سريعة التحضير، ولن نستطيع أن نصبح دولة ديمقراطية بين ليلة وضحاها، لأن الديمقراطية ثقافة تكتسب بمرور الوقت، والعيش فى أجواء ملائمة لذلك». وفى تقديرى أنها من المرات القليلة التى يتحدث فيها البرادعى بمسؤولية ووعى بعيداً عن تأثير دراويشه ومؤيديه، ودون حسابات تتعلق بموقفه من النظام الحالى فى مصر، فهذه الكلمات تمثل عن حق جوهر الحديث عن الديمقراطية، تلك القيمة التى يتعامل معها البعض على أنها مؤسسات يتم جلبها من الخارج وزرعها فى البيئة المحلية، أو هى صيغة للحكم يجرى تركيبها بمعزل عن البيئة المحلية. الديمقراطية ثقافة وعملية تطورية تأخذ وقتها، لا تسير فى خط مستقيم، بل قد تعرض لانتكاسات، الديمقراطية عملية تدرجية تراكمية وتحتاج إلى قيم مصاحبة لها ملازمة، مثل الحرية، العدل، المواطنة والمساواة.

التعريف البسيط للديمقراطية هو «حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه»، أى أن الشعب يختار من بينه من يحكمه، ويضع القواعد والمعايير التى يلتزم بها الحكام (فى الدستور) والأساس فى الحكم هو تحقيق مصالح الشعب. والديمقراطية على هذا النحو هى قيمة value، ثقافة ومؤسسات، تصاحبها قيم مثل الحرية، العدل، المساواة والمواطنة، تغرس هذه القيم فى نفوس المواطنين وتنتشر وتتداول بين الأجيال من خلال أدوات التنشئة، وهى الأسرة، دور العبادة، شلة الأصدقاء، المدرسة ووسائل الإعلام، وعندما تنتشر هذه القيم وتُستوعَب فى ثقافة المجتمع تعبر عنها مؤسسات، من تشريعية وتنفيذية وقضائية، فلا ديمقراطية دون ثقافة ولا ديمقراطية دون مؤسسات، وجود المؤسسات فى حد ذاتها لا يعنى وجود الديمقراطية، وانتشار الثقافة دون وجود المؤسسات لا يعنى وجود الديمقراطية. طبعا انتشار ثقافة الديمقراطية فى المجتمع هو الشق الأكثر أهمية وصعوبة، وتوافر ثقافة الديمقراطية يؤدى إلى إنشاء المؤسسات المعبرة عنها.

انتشار ثقافة الديمقراطية فى أى مجتمع هو أمر صعب وعسير ويأتى بطريقة تدرجية، لأن ثقافة الديمقراطية تنتشر عبر وجود قيم إنسانية مثل المساواة، الحرية، العدل، المواطنة، ولو تأملنا كل قيمة من هذه القيم، فسوف نجدها تتناقض مع مصالح الجماعات المهيمنة أيا كان عامل الانقسام: عرق، لغة، جنس، دين أو طائفة. يكشف تاريخ العالم ومختلف المجتمعات البشرية عن حالة متفاقمة من التمييز والعنصرية لصالح فئات محددة، بناء على عوامل انقسام تسمى الأولية أو الموروثة، التى يولد الإنسان بها ولا دخل له فيها، وأن الجماعة التى تحظى بوضع متفوق عادة ما تسعى إلى الحفاظ على تفوقها وحماية مصالحها عبر تغذية الانقسام والتمييز فى المجتمع، فالتفوق للجماعة يأتى من خلال الممارسة بحق الجماعات المختلفة أو المغايرة، كانت الأصول العرقية هى أساس التمييز بين البشر فى المجتمعات القديمة ومعها الجنس، فالتفوق والحكم والسيطرة للرجال الذين ينتمون للعرق المهيمن، ولنسائهم وضع أفضل من وضع أعضاء الجماعات العرقية المغايرة، وفى مراحل تالية جاء عنصر الدين ليميز بين البشر، فالجماعة المتميزة هى تلك التى تتبع الدين السائد أو المهيمن، أو دين الحاكم، أحيانا كان يرتبط الدين بالعرق فيغلق الطريق بقوة أمام انتشار قيم الحرية والمساواة والعدل، وفى مراحل تاريخية تالية ظهر الانقسام الطائفى داخل الدين الواحد، ومن ثم لم يعد التمييز قائما على أساس الدين، بل على أساس الطائفة بين أبناء الدين الواحد.

بمرور الوقت، وكجزء من حركة التاريخ ونضال البشر، بدأ العمل على تكريس مبدأ المواطنة على حساب عوامل التمييز والانقسام، ثم بدأت البشرية فى صياغة قوانين ومواثيق لحماية الإنسان وحقوقه، تجرّم التمييز بين البشر، وهنا بدأت المجتمعات الغربية قبل غيرها فى إرساء قيمة المواطنة، ولم تكن العملية سهلة أو سريعة، بل واجهت مقاومة أدت، فى بعض الحالات، إلى نشوب حروب أهلية حصدت أرواح الآلاف من البشر (الحرب الأهلية الأمريكية، ولم تسقط جميع أشكال العنصرية والتمييز دفعة واحدة، ولم تنته بالكامل داخل المجتمعات الغربية، بما فيها المجتمع الأمريكى ذاته، ولكن قضى على معظم مكوناتها وغالبية أشكالها حتى وصل مرشح من أصول أفريقية إلى قمة هرم السلطة فى الولايات المتحدة الأمريكية (باراك أوباما عام ٢٠٠٩).

السؤال هنا: أين مجتمعاتنا من هذه القيم ومن مسيرة التاريخ؟

الإجابة بوضوح: نحن على مسافة كبيرة من قيم الحرية والمساواة والعدل، لم تتطور ثقافتنا بعد كى تستوعب هذه القيم، ومن ثم تحولها إلى ثقافة عامة، وما يحدث فى مصر حاليا هو نضال متواصل من أجل تكريس هذه القيم تدريجيا، وبالتوازى معها تتواصل الجهود لتدشين المؤسسات المعبرة عن الديمقراطية، فتاريخياً، انتشرت القيم وثقافة الديمقراطية فى المجتمعات الغربية، ومعها ظهرت المؤسسات الديمقراطية، أو أدى انتشار القيم وثقافة الديمقراطية إلى «دمقرطة» المؤسسات القائمة. فى مصر اليوم، هناك قيم مطلوب تكريسها وتحويلها إلى ثقافة من ناحية ومؤسسات مطلوب دمقرطتها من ناحية ثانية، وهو ما نراه اليوم فى جهود بناء تجربة ديمقراطية مصرية، لها أنصار أقوياء وخصوم أشداء.

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع