أتأمل وجوه مئات الفتيات فى الشارع، أتأمل ما تخفيه وجوه مرهقة اعتدنا رؤيتها، بالملابس البسيطة التى تشابهت إلى حد القسوة، بالخطوات نفسها، بالأحلام المكسورة الملفوفة فى ابتسامة حزينة، بالكعوب المنحولة والأصابع التى ارتعشت فى عز شبابها. مئات، آلاف، ملايين، كم فتاة حزينة فى مصر؟ كم فتاة تشب على أطرافها النحيلة كى تطول ظل القمر؟ كم فتاة تحلم ببيت، بزوج، بفتى أحلام، بكرامة، بأمان، بانسجام روحها المتقدة مع الواقع المر؟ كم منهن فتافيت بنات طحنتهن الحياة الصعبة التى نعيشها، فأصبحن ما بين كسرتى خبز ناشف؟
من بيوت متكئة على الإحباط، يسعين أول النهار على لقمة عيش فى محل فى بيت فى وظيفة على الماشى، أو يركبن بالمشوار من أجل الوصول إلى جامعة بعيدة، يلملمن ستراً بعثرته الأيام، يحلمن أن يحلمن، حتى الحلم أصبح مجرد حلم، يتطلعن إلى نافذة نصف مفتوحة على متطلبات بسيطة للغاية تنقلهن من كتمة النفس إلى أربعة حيطان مستقلة.
هذه الفتيات المعذبات اللاتى يضعن قرشا على قرش من أجل حقيبة أو حذاء أو كارت شحن أو أصبع روج، يهربن إلى حياة افتراضية غالبا على الفيس بوك يعشن فيها على مسرح أكثر اتساعا وأملا.
كم عدد هؤلاء؟
فلنفترض أن عددهن خمسة ملايين فتاة، يكتمن السر، يصارعن مشاعر وأحاسيس متضاربة من أجل الغد، يحلمن بالحرية لكى يهزمن الواقع بكل سطوته على أحلامهن البسيطة، هؤلاء هن سيدات المستقبل وأمهاته، هل فكرنا فى إقامة حوار معهن؟ فى سقف يتسع تحته لأقل حقوقهن فى الحياة؟
محو أمية فتيات مصر اللاتى يعشن فى صندوق من القلق.. كيف نحميهن من أنفسهن ومن المجتمع ومن الظروف ومن الخوف ومن الألم ومن الجهل ومن فقدان الثقة والأمل؟.. كيف نقول لهن إن فى الحياة أشياء أفضل يمكنهن القيام بها؟ وإن أذواقهن فى الملابس يجب ألا تخضع لا للتقليد ولا للظروف ولا دعاة الدين ولا ممثلى السينما؟ كيف نفتح لهن الصندوق ليعرفن أن الحياة تحتاج كبرياء وعلما وأدبا وطموحا أكبر من عقولهن التى اختصرت ما بين درس دين ومسلسل الساعة السابعة؟
هؤلاء لا يجب أن نأخذهن «شروة» أو «فوق البيعة» ونحن نناقش مشاكل المرأة؟.. هؤلاء فى احتياج إلى معاملة خاصة من مجلس خاص بالفتيات، مجلس بنات مصر، وفرن لهن رعاية صحية وعناية ثقافية وأفكارا للحياة بكل ظروفها. لا يمكن تركهن للظروف والشوارع وقاعات المحاضرات المكتظة بالدخان والثرثرة واليأس والتجنيد لأفكار دون أخرى.
من حق كل فتاة أن تحلم وأن تشعر أن أحلامها يمكن أن تتحقق، وأن الأمر يتعدى اصطياد شاب قد يتحول إلى عريس أو يبقى مجرد حبيب مجهول على الكورنيش أو فوق صفحات الفيس بوك، المسألةـ وهى مسألة بالفعل- أكبر من ذلك وأعمق وأهم. خمسة ملايين فتاة يعنى خمسة ملايين بيت يعنى عشرة ملايين طفل، ربما يوما ما، إذا لم نلتفت اليوم لهن.. فكيف نتصور مستقبلا أفضل؟
عزيزى فلان، المسؤول عن شىء ما يخص هذه التركيبة السكانية التى تصنع المجتمع، لا أعرف لك اسما أو ملامح، لكن حتما أعرف لك قرارا يجب أن تتخذه لكى لا تحطم خمسة ملايين فتاة.. إنما تستفيد منهن ويصبحن طاقة تغيير مذهلة، فأنا يا عزيزى المجهول الذى لا أعرفك.. أعرف وأثق تماما أن التغيير يمكن أن تحدثه فتاة تبحث عن غد أجمل وأكثر براحا.. لا تريد أن تسقط فى فخ التكرار للنموذج المخيب للظنون، كما- حتما- لا تريد أن تنجرف فى تيار انحراف بدأ يأخذ معه بالفعل كثيرات منهن.
هل تسمعنى؟
نقلا عن المصري اليوم