بينما يصل الصلف والتطرف الإسرائيلى لأقصى مداه، تشهد الجماعة اليهودية الأمريكية تحولات مهمة تكشف عن رفض واسع للصمت المفروض عليها تجاه ممارسات إسرائيل. فقد نظم الشباب اليهودى فى جامعة هارفارد مؤتمرا يكسر جدار الصمت الذى فرضته طويلا المنظمات الكبرى المناصرة لإسرائيل بأمريكا.
فمنذ أن نشرت الجمعية اليهودية الأمريكية لمكافحة التشهير فى ١٩٧٤ كتابا اعتبر أن انتقاد إسرائيل هو «الشكل الجديد للعداء للسامية»، تبنت المنظمات الكبرى المناصرة لإسرائيل توجها بات يعتبر أى انتقاد لممارسات الحكومة الإسرائيلية مرادفا للعداء للسامية. وقد فرض هذا التوجه جدارا من الصمت لم يسلم منه اليهود الأمريكيون أنفسهم. فمن جرؤ منهم على انتقاد إسرائيل صار متهما بأنه «يهودى كاره للذات». وكانت تلك الاتهامات الجاهزة معناها التهميش والاستبعاد وربما الحرمان من الوظائف. وقد مورس ذلك الإرهاب الفكرى ضد شخصيات يهودية أمريكية بارزة انتقدت إسرائيل بدءا بنورمان فنكلستين والفيلسوفة جوديث باتلر وريتشارد فولك ووصولا مؤخرا للإعلامى اللامع جون ستيوارت.
وقد ظل هذا الجدار لعقود يمارس إرهابا فكريا ومعنويا دعمته بشكل مباشر وغير مباشر المنظمات الكبرى المناصرة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة والتى صارت منذ نهاية السبعينيات تتخذ مواقف أكثر يمينية بكثير من أغلبية اليهود الأمريكيين. غير أن تحولا ملحوظا يرفض تلك الممارسات برز فى السنوات الأخيرة، خصوصا بين الأجيال الجديدة من اليهود الأمريكيين الذين هم الأكثر جرأة عموما فى انتقادهم السياسات الإسرائيلية.
لكن جدار الصمت ظل على حاله فى المنظمات اليهودية حتى داخل الجامعات، بما فى ذلك حركة «هيلال» اليهودية المعروفة التى تشرف على أكثر من ٥٥٠ مركزا للطلبة اليهود داخل جامعات أمريكا الشمالية. وكانت الحركة قد أصدرت ما سمته «القواعد» الحاكمة لأنشطتها، استبعدت عمليا اليهود المنتقدين لإسرائيل.
فقد نصت القواعد صراحة على استبعاد كل يهودى يؤمن بالضغط على إسرائيل عبر المقاطعة، أو من «يشيطن إسرائيل أو ينزع الشرعية عنها أو يطبق عليها معايير مزدوجة». وقد أدت تلك القواعد لمنع طلاب منتمين لمنظمات يهودية أمريكية، مثل «أصوات يهودية من أجل السلام» من العضوية فى حركة «هيلال» أو ممارسة أى أنشطة تحت مظلتها، فضلا عن منع رموز يهودية معروفة من إلقاء محاضرات أو المشاركة فى ندوات تحت مظلة الحركة.
لكن تذمرا طلابيا أدى عبر حملة توقيعات لإلغاء تلك القواعد فى فروع حركة هيلال فى بعض الكليات والجامعات كان منها هارفارد، التى ما إن نجح طلابها اليهود فى إلغاء تلك القواعد بها، حتى تبنوا عقد مؤتمر جامع باسم الحركة، الشهر الماضى، ضم يهودا أمريكيين من أكثر المؤمنين بالصهيونية جنبا إلى جنب مع المعادين لها. وشملت قائمة الحضور أسماء لامعة طالما تم تهميشها من الفعاليات المتعلقة بإسرائيل، مثل جوديث باتلر وديفيد هاريس جريشوم، بل دعا المؤتمر فلسطينيين أيضا لمائدة الحوار.
ولم تنبع أهمية المؤتمر فقط من النجاح فى جمع تلك الأسماء معا على اختلاف توجهاتها، وإنما من ارتكاز الحوار على قاعدة مهمة، مؤداها أنه حوار يدور بين متساوين، أيا كانت وجهة نظرهم، دون تخوينهم أو تهميش رؤاهم. وبذلك مثّل المؤتمر صحيفةَ إدانة للمنظمات الكبرى التى تحتكر الساحة، عبر رسالة مؤداها أن جدار الصمت الذى فرضته طويلا لمنع انتقاد إسرائيل لم يعد بإمكانها الإبقاء عليه.
نقلا عن المصري اليوم