الأقباط متحدون - هأ..هأ.. هاهاأو..
أخر تحديث ٠٨:٠١ | الاربعاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤ | ١٧هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٩٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هأ..هأ.. هاهاأو..

على سالم
على سالم

إجراءات تغيير الأسماء فى مصر طويلة وشاقة، يعرف ذلك هؤلاء المساكين الذين أطلقت عليهم أسماء لا تدعو إلى الاحترام، ومنها «خيشة» على سبيل المثال. الواقع أن هذا النوع من الأسماء منتشر فى الأحياء الشعبية، والهدف منها هو اتقاء الحسد.

بطل حكايتنا حمار غير أنه يتسم بحساسية شديدة وكراهية للقبح، ولذلك وصل إلى درجة عليا من الضيق باسمه الذى يحرص البشر على ترديده أمامه طول النهار فى لذة.. تعال يا حمار.. روح يا حمار.. شى يا حمار.. هس يا حمار.

ولذلك اتخذ قرارا شجاعا، وهو أن يتقدم للمحكمة بطلب لتغيير اسمه، فصدر بذلك حكم قضائى بالفعل، وكانت الخطوة الأخيرة هى أن يقوم بتسجيل الاسم الجديد فى الشهر العقارى. وكان الاسم الجديد هو: سمكة. هكذا تحقق له فى اسمه ما يريده من رقة وعذوبة، كما ابتعد بألف ميل عن حروف اسمه القديم السخيف. بعد أن انتهى من إجراءات تسجيل الاسم فى الشهر العقارى، خرج من المبنى وهو يكاد يقفز من الفرحة. جلس إلى مقهى قريب وجاءت جلسته بجوار قرد عجوز تلوح على وجهه دلائل الحكمة، فرحب به القرد وقدم نفسه إليه: أنا القرد ميمون من منطقة تل القرود فى المقطم.. اسم حضرتك إيه؟

فقال الحمار فى زهو وتواضع: أنا اسمى سمكة.

فسأله القرد: بتعرف تعوم يا سمكة..؟

فرد فى حياء: لأ.. ما بعرفش أعوم.

فقال القرد: تبقى حمار.

هأ.. هأ.. هأأو..

بعد أن أصدر فرويد كتابه العاصفة عن الأحلام، الذى أثبت فيه أن الأحلام لا تأتى من خارج جسم الإنسان بل هى قادمة من لا وعى الإنسان نفسه. وأن اللاوعى يلجأ لاستخدام الرموز لإخراج هذا الحلم. حدث بعد ذلك أن صديقاً له أرسل يقول إنه يحلم أحيانا أحلاماً أشبه بالنكتة. وهنا بدأ فرويد يتساءل: إذا كان اللاوعى عند الإنسان الفرد هو الذى يصنع الحلم، فهل يكون اللاوعى الجمعى أيضاً هو المسؤول عن صنع النكتة؟

وكانت الإجابة هى كتابه «النكتة وصلتها باللاوعى» وهو كتاب شديد الأهمية، غير أنه ليس مشهوراً. فى الغالب لأن المثقفين يتصورون أن النكتة شىء يتنافى مع الجد، وهم فى ذلك يخلطون بين النكتة والهزار والهزل. الكتاب هو الأول والأخير فى موضوعه ومجاله، غير أن صناع الفكاهة لا يقرأون التحليل النفسى.. والمحللون النفسيون لا يقرأون عن الضحك، فضاع الكتاب وتفرقت دماؤه بين رفوف المكتبات.

النكتة الحقيقية لا يصنعها الإنسان الفرد، بل هى تلك التى «يخرجها» اللاوعى الجمعى فى مرحلة تاريخية محددة، منبهاً ومحذراً ومشخصاً لمرض مُعدٍ سوف تكون الناس جميعا فريسة له ما لم يتنبهوا لخطورته. ليس مهما ما تطلقه على نفسك من أسماء، المهم ما هى قدراتك وما هى أفعالك. طبعا أنت تقرأ كثيراً عن الهوية، وهذه النكتة أيضاً تتكلم عن الهوية، الهوية الحقيقية هى القدرة على الفعل المفيد لك وللآخرين. حتى لو أصدرت محاكم الدنيا أحكاماً باتة ونهائية بأن حضرتك سمكة.. فسيظل السؤال قائما: هل تستطيع السباحة فى البحار والمحيطات والأنهار؟ هل تستطيع منافسة الآخرين فى الإدارة والتجارة والعلم وبقية مجالات الحضارة..؟ إذا كنت عاجزاً عن ذلك فحضرتك لست سمكة.. بل.. حضرتك عارف طبعا.

* نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع