الأقباط متحدون - أريد أن أفهمك
أخر تحديث ١٤:٠٩ | السبت ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤ | ٢٠هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أريد أن أفهمك

د.طارق عباس
د.طارق عباس

أذكر جيدا أنك حتى الأمس القريب كنت منى وأنا منك، ولدت وتربيت معى وأكلت وشربت معى وثرنا معاً من أجل تطهير مصرنا من الاستبداد والسلب والنهب، وبعد أن تم لنا ما تمنينا وبدلاً من أن نواصل مسيرتنا، فوجئت بك تتركنى وتمضى، سألتك إلى أين؟ أجبتنى دون تردد: أريد الحكم، قلت: من حقك، لكن المسؤولية صعبة لن تستطيع وحدك تحملها. فقاطعتنى: بل سأتحملها، فهذا هو اليوم الذى طال انتظارى له، قلت: أرجوك اقبلنى إلى جانبك، مد يدك إلىّ حتى نتعاون فى أن تمر مصرنا من ظلمة الجهل إلى نور الحضارة والعلم، لم تكترث بما قلت ثم وضعت أصابعك فى أذنك، ثم انطلقت تسابق الريح تقفز يميناً وشمالاً وتصعد وتهبط وعينك على الفوز بكل ما يصادفك ويضمن لك السيادة والسيطرة.

كنت أراك وأنت تبتعد وتبتعد وتبتعد، حتى أدركت أنك ترفضنى ولا تريدنى إلى جوارك، وتصر على عدم إشراكى معك فى تحمل أى مسؤولية وعند نهاية الطريق لمحتك تنزف وأنت تحاول أن تتسلق كرسى العرش، فلم أتمالك نفسى وصرخت: أنا قادم إليك، لا تخف، لن أتركك وحدك سأعينك على أن تكون فى مكانك اللائق والمناسب، وسأكون إلى جانبك لنفتح معاً صفحة جديدة نكون فيها شركاء فى تدارك الخطأ والسير فى خطوات صحيحة نحو المستقبل.

بمجرد أن وصلت إليك وقمت بنجدتك وأوقفت نزيفك، قبلت جبهتى بينما كانت دموعك تتساقط فوق لحيتك، وأنت تقول لى بصوتك المتهدج: استوعبت الدرس فأنا بدونك لا أساوى شيئاً وأعدك عند تسلمى مقاليد الحكم بألا أخذلك أو أقصيك، وأن تكون دائما إلى جوارى فى اتخاذ المواقف والقرارات واختيار القيادات والتخطيط للمشروعات التنموية، صدقتك لأنى كنت أريد أن أصدقك، لأنى لا أريد أن أسلم بأن هناك شرخا فى العلاقة بينك وبينى لأننى لا أريد أن يرانا المحسوبون على النظام السابق اثنين، بعد كنا كياناً واحداً، ولم أكن مستعداً أبداً أن يجلس مكانك واحد منهم أو من المحسوبين عليهم.

لكن بعد أن استتب لك الأمر وتمكنت من السلطة، أو قل تمكنت منك السلطة، إذا بك قد عدت لما سبق أن تعودت فتنكرت لوعودك وتخليت عنى وانفردت بكل شىء بعد أن رفعت لجوارك من وثقت فيهم من أهلك وعشيرتك، فاخترت منهم مستشاريك ونوابك ووزراءك وأغلقت دونى بابك ورحت تدير بلدى وبلدك على أنها عزبتك الخاصة، تعيّن هذا وتخلع ذاك وتتصالح مع هؤلاء وتنكل بأولئك وتقرر ثم تتراجع وتعد لتخلف وتقسم لتكذب، وتسير على نفس نهج المنحلين فرفعت صوتى إليك محذراً: لا، أنت مخطئ فلم تسمعنى، أرجوك راجع نفسك لم تسمعنى، غير سياستك أو حكومتك الفاشلة لم تسمعنى، سوف تسقط سأخرج أنا ومن معى لنطالب بخلعك فاحتقرتنى وكفرتنى واتهمتنى بالخيانة والعمالة وقلة الوطنية، وعندما انتفضت ضدك وأخرجتك من المشهد، وبدلاً من أن تعتذر لى مثلما سبق أن اعتذرت من قبل، رفعت السلاح فى وجهى واستعنت بالغريب علىّ،

وحرقت كنيستى ومسجدى وبيتى وجامعتى وأنهكت أمنى وجعلت من أعيادى مآتم ومن انتصاراتى انكسارات ومن احتفالاتى احتجاجات ومظاهرات، حتى يوم الجمعة الذى كنت أنتظره أنا وأولادى بفارغ الصبر بحثا عن راحة البال وهرباً من عناء العمل والدراسة أصبح هو الآخر يوم رعب وخوف وقلق وتوتر؛ لأنك ومن معك مصرون على تلويث الشوارع - فى هذا اليوم المبهج - بالخوف والدم والضحايا.

أريد أن أفهمك هل أنت هذا الذى لم أكن أعرفه وكان يقال عنه بأنه لا يستطيع العيش إلا تحت الأرض؟ هل كنت هذا المخادع الذى يعلن خلاف ما يبطن ويقول عكس ما يفعل ويتاجر بالدين ويستثمر معاناة الغلابة من أجل تحقيق هدف واحد فقط هو الوصول للسلطة؟ عشت معك واستأمنتك فلماذا خنتنى؟ هل الحرية بالنسبة لك هى إما أن تحكمنى أو تقتلنى؟ أريد أن أفهمك،

ماذا يعنى الوطن بالنسبة لك؟ وأين ستعيش وأين ستدفن إذا قررت أن تخربه أو تقسمه أو تبيعه لمن له مصلحة فى إسقاطه؟ أريد أن أفهمك، لمصلحة من تخصم من رصيدك فى نفسى؟ ثم من عَّلمك كراهيتى؟ ألم توصنى أمى عليك وتوصك أمك علىّ؟ متى سيحاسبك ضميرك على تقطيع أربطة المحبة بيننا؟ يا أخى يا رفيق مشوار حياتى من منا باق؟ ومن منا سيحمى مقدرات أبنائنا إن نحن فرطنا فيها؟ أنا مصرى وأنت مصرى وإن لم تضع يدى فى يدك فما معنى وجودنا على هذه الأرض؟ أرجوك ساعدنى على أن أفهمك.
نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع