«أن نلوم أوباما على الاضطرابات العالمية الحالية، يُشبه لوم جزيرة كاريبية بسبب هبوب الأعاصير عليها!». هكذا بدأت «آن مارى سلوتر»، المسؤولة السابقة عن تخطيط السياسات فى الخارجية الأمريكية، دفاعها عن السياسة الأمريكية فى عهد أوباما. مناسبة الكلام كانت مناظرة، تابعتُها على الإنترنت، شارك فيها أربعة من فطاحل الفكر الاستراتيجى: بوب كاجان وفريد زكريا وبريت ستيفنس، فضلاً عن «آن مارى».
السؤال الأساسى فى المناظرة كان: هل جعلت سياسات أوباما الخارجية العالم مكاناً أكثر أمناً، أم أكثر خطورة؟. حجة «آن مارى» بسيطة ومباشرة: المُشكلات والمخاطر التى تجتاح العالم، بداية من تمدد الإرهاب الداعشى فى سوريا والعراق، وانتهاء بتصاعد النزاع على الجزر بين الصين وجيرانها، ليست من صُنع أوباما. سياسته ليست مسؤولة عنها. هذه المخاطر كانت ستظهر بغض النظر عن قراراته واختياراته.
فريد زكريا، المعلق الموهوب، دعّم هذه الحجة بفكرة أخرى مهمة: وهل كان المزيد من التدخل يفيد فى حل هذه المُشكلات؟ ألم تُجرب أمريكا التدخل فى العراق؟ ماذا حصدنا سوى بلد محطم وحرب أهلية وأربعة آلاف قتيل من الأمريكيين، ومثلهم مئات الآلاف من العراقيين؟ لماذا نُريد تكرار الأمر نفسه فى سوريا أو أى مكان آخر؟
هذه حجج قوية، ولكنى وجدتُ نفسى أميل إلى منطق الطرف الآخر. سياسات أوباما أسهمت- ومازالت- فى تعميق اضطرابات كثيرة فى العالم. هذا شعورٌ ظل يتراكم عبر العامين الماضيين، ولكنه تصاعد بشدة فى الفترة الأخيرة.
من عادتنا فى الشرق الأوسط لوم السياسة الأمريكية. إنها جزء من طقوسنا السياسية الموروثة. غالباً يُوجه اللوم إلى ما تفعله الولايات المتحدة، سواء بمساندتها لإسرائيل، أو تدخلها العسكرى المُباشر فى بلدان عربية مثل العراق. أزعم أن ما يُزعج الكثيرين فى المنطقة اليوم لا يتمثل فيما تفعله أمريكا، وإنما بالأحرى فيما لا تفعله!
هناك شعور بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة. أنها تحولت إلى مُراقب للأحداث، أكثر منها فاعلاً فى تشكيلها. الانسحاب الأمريكى لم يكن مفاجأة. أوباما انتُخب على أساس برنامج بإعادة القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان إلى أرض الوطن. كان هذا ما فعله فى ٢٠١١. هذا الانسحاب أسهم بشكل كبير فى المشكلات التى يُعانى منها العراق اليوم. خروج الأمريكان مهد لسيطرة إيرانية شيعية كاملة على العراق. أصبح المالكى هو مندوب طهران فى بغداد. حوّل الجيش العراقى إلى إقطاعيات شيعية. هذا الوضع هو الذى أفضى إلى الانسحاب المُخزى أمام العصابات الداعشية فى الموصل فى يونيو الماضى.
الحرب الأمريكية فى العراق ستظل حدثاً مُثيراً للجدل. حصيلتها الإجمالية لا يُمكن أن تُوصف بالنجاح. على أن الأسوأ من الحرب ذاتها هو إنهاء المهمة قبل الأوان. القرار الصحيح فى الوقت الغلط لا يختلف كثيراً عن قرار خاطئ. أوباما-على ما يبدو- كانت تُحركه دوافع انعزالية. هو يرى أن هذه حروبٌ لا ناقة لأمريكا فيها ولا جمل. يُفضل التركيز على بناء الاقتصاد وتعزيز الشراكة مع آسيا. حسنٌ جداً، ولكن ما معنى القيادة الأمريكية إذن إذا كانت الولايات المُتحدة ستنسحب من كل بُقعة عالمية تواجه فيها المخاطر والاضطرابات؟
يبدو أن دوافع مماثلة حركت سياسة أوباما إزاء سوريا. فى بداية الأزمة فى ٢٠١١ قال إن الأسد عليه الرحيل. لم يصغ سياسة تُحقق هذا الهدف. ترك الحرس الثورى الإيرانى- بمساندة سياسية من روسيا- يُجهز على المعارضة السورية، التى كانت فى هذا الوقت معتدلة فى مُجملها. قال إن استخدام السلاح الكيماوى خطٌ أحمر، ولم يحرك ساكناً عندما قصف الأسد به الغوطتين. وزيرة خارجيته السابقة «هيلارى كلينتون» قالت إن سياسة التعامى التى اتبعها حيال المذابح التى ينفذها النظام فى سوريا أفرزت فراغاً ملأه المتطرفون والإرهابيون. وزير دفاعه الأسبق ليون بانيتا قال إن تردده فى اتخاذ القرارات الملائمة هو الذى تسبب فى ظهور داعش.
من سوء حظنا أن التردد والميل إلى الانعزال لدى الإدارة الأمريكية الحالية يجىء فى وقت دقيق للغاية فى منطقتنا. نحن فى حاجة للقيادة الأمريكية. غياب الولايات المتحدة تبعاته أخطر كثيراً من أى سلبيات مُحتملة لانغماسها. سلوك الإدارة الحالية يُشعر أصدقاء كُثر لأمريكا بأنها حليف لا يُمكن الاعتماد عليه. المنطقة تتحرك بسرعة نحو حالة من الفوضى الكاملة. صحيحٌ أن أوباما ليس مسؤولاً عن صناعة هذه الفوضى من الأصل. ولكن صحيحٌ أيضاً أنه لا يفعل شيئاً حيالها، بل يُسهم فى تعميقها. إنه رئيس لا يعكس ما نتمناه وننتظره من أمريكا. يا لها من خيبة أمل.
نقلا عن المصرى اليوم