نبيل المقدس
31فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ:«إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، 32وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ».
هذه الأية تُوضح ما هي صورة التلمذة الحقيقية للمسيح ؟؟ فنجد أن الإيمان في شخص المسيح هو البداية , حيث كان يوجه حديثه إلي اليهود الذين "آمنوا به" . أي أن بدائة التلمذة هي اللحظة التي يقبل فيها الإنسان , ما يقوله يسوع عن محبة الله
وتصديق ما يعلنه عن خطورة الخطية , و ما ينادي به عن معني الحياة الحقيقي ... حينئذ يصبح الإنسان تلميذا حقيقيا للمسيح ... لكن هذا غير كاف بدون الثبات المستمر في كلامه , "إن ثبتم في كلامي".
الثبات المستمر في كلمته يتطلب إلي الإصغاء المستمر لكلمته ... و التعلم المستمر منهؤؤ
... والتغلغل في عمق الكلمة ودراستها والتأمل المستمر في متضمناتها , والتشبع بتعاليمها ... وأخيرا الطاعة الكاملة , حتي تصل الكلمة جزءا لا يتجزأ من كياننا .!
بالتأمل في الأية نلاحظ أن التلمذة تتبلور في معرفة الحق بالتعلم من يسوع " تعرفون الحق " .. وما هو ذلك الحق الذي نعرفهُ ؟ .. المقصود بالحق هو الذي يُعلن لنا " قيم الحيــــاة الصــــادقة " . وقيم الحياة الصادقة هي أن لا ننغمس ونكرس حياتنا في الحياة الأرضية ... بل نكرسها لطاعة الله وخدمته ومتابعة وصاياه ... فالحق الذي يأتي به يسوع إلينــا , يساعدنـــا للوصول إلي القيم الصادقــــة في حياتنا .. فمن خلال نور حقه , نستطيع أن نميز بين الصالح و الطالح.
وعتدما نصل إلي معرفة قيم الحياة الصادقة نشعر بالحرية " والحق يحرركم " ... ففي خدمة يسوع الحرية الكاملة .. وفي التلمذة ليسوع التحرر التام. وأول شيء نتحرر منه هو :
التحرر من "الخوف" لأن الذي إختبر التلمذة ليسوع لم يعد يسلك في الحيــاة بمفرده ... بل يسير في صحبة مع معلمه يسوع .. وفي هذه الصحبة لا وجود للخوف.
كذلك فإن التلمذة ليسوع تحررنا من" الذات "... فجميعنا يعرف أن الذات من أخطر الإعداء للإنسان ... فالذات هو سر العثرات ... فنحن نصرخ من أعماق قلوبنــا " ويّحِي أنا الإنسان الشقي – مَنْ ينقذني مِنْ ذاتي؟ .. مِنْ نفسي؟ , التي تجعلني كلمــا حاولت أن أسمو أجـد نفسي منجذبــا إلي الأرضيـــات .. لكن بقوته وبمحبته يستطيعان أن يجددا الإنسان , حتي يصبح كل شيء كاملا و جديدا .
التلمذة تحررنــا من "سلطــان الأخرين" .. فالإنسان يعيش في رعب , لأن الخوف من الآخر مهيمن عليه .. يقول الكاتب هـ . ج . ويـــلز : " إن صوت جيراننا يكـــاد يطغي في آذاننـــا علي صوت الله" .. أما التلميذ الحقيقي فهو الذي لا يعطي إهتماما لمــا يقولــه الأخــرون ـــ إن كل إهتمــــــامه يتركز فيمــا يقولــه الله له .
التلمذة تعمل علي تحطيم "قيود الخطية ".. أعداد منا يرتكبون الذنوب بمحض إختيارهم , ومنهم يندفعون فيها بلا حدود لأن الخطية تنتصر عليهم , وتسيطر عليهم وتقيدهم , إلي أن تصبح الخطية عادة في حياتهم .. هذه العادات من هؤلاء مرتكبي الإثم حولتهم إلي حيوانات يسهل إرشادهم وإسقاطهم في ظلام الخطية .
فعندما نعرف الحق سوف نتحرر من الخوف ومن الذات ومن سلطان الأخرين ومن قيود الخطية وتوابعها .. فقد ركز يسوع علي سلطان الخطية في يوحنا 8 : 34 - 36 «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا.
نطبق هذا الشاهد الروحي علي جماعة الإرهاب بجميع فئاتهم في الأساليب التي تدل علي أنهم لم يتحرروا من أعمال الخطية أو طاعتهم للشيطان .. فهم يبثون الرعب والقتل والتشريد في قلوب الآمنين ... معتبرين أن هذه الأعمال يُسر بها الله وتنطبق مع ما أمرت به كتبهم المقدسة ... فهم ينشدون السلام لكنهم يزرعون الحرب والقتل ... ويدافعون عن الحيـــاة لكنهم يزرعون الموت بالفتن وبالمتفجرات ... ويتكلمون عن إحترام الإقليات أصحاب الأديان الأخري , وفي نفس الوقت يهدمون أماكن عبادتهم ومقدساتهم ...
يتحدثون عن المكانة السامية للمرأة في المجتمع , لكنهم يتعدون علي النساء ويذلونهن , ويدوسون علي كرامتهن بإرسالهن إلي أماكن وجود الإرهابيين ليمارسوا معهن نكاح الجهاد .. يتكلمون عن إقامة غصبا لدولة سلفية إسلامية , وهم لا يعترفون بالحوار وإحترام الآخر .. ولا يعترفون بأن يعيش كل واحد علي فكره ومبادئه دون الإخلال بنظام العام للوطن , وهم يقطعون الرؤوس لكل مَنْ يخالفهم الرأي .
فعلا هؤلاء الإرهابيين ومعهم السلفيين المتشددين لم يدركوا أو يعرفوا الحق .. فهم أسبياء للشيطان .. لم يتحرروا ولم يتذوقوا طعم المحبة للأخرين وللوطن ....!!!