الأقباط متحدون - أصحاب المقام.. قضاة التحقيق!
أخر تحديث ٠٢:٠٩ | الجمعة ٥ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٦هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أصحاب المقام.. قضاة التحقيق!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم   د. شوقى السيد
■ بعد أن صدر القانون رقم ١٤٨/٢٠١٤ بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، بتعديل ثلاث مواد، وإضافة مادة جديدة، وتحديداً فى باب التحقيق بمعرفة قاضى التحقيق، وقد نشر القانون بتاريخ ١٢ نوفمبر، ليعمل به فى اليوم التالى لتاريخ نشره أى اعتباراً من ١٣ نوفمبر الجارى، فإنه يعتبر من محاسن هذا القانون، التأكيد على مبدأ استقلال قاضى التحقيق فى مباشرة سلطاته، دون تدخل من أحد مهما كان شأنه، حتى ولو كان ممن ندبه لمباشرة التحقيق، سواء كان وزير العدل، أو رئيس محكمة الاستئناف، أو رئيس المحكمة الابتدائية، ويبدد هذا التعديل خلافاً كان قائماً، عندما تدخل رئيس الاستئناف السابق منذ مايو الماضى فى سلطة قاضى التحقيق أثناء مباشرة سلطاته فى قضية تزوير الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٢، وأدى عدم استجابة القاضى لذلك التدخل، إلى صدور قرار من رئيس الاستئناف بإنهاء ندب القاضى، وقد أكدت دائرة طلبات رجال القضاء فى حكمها عدم مشروعية القرار.. وانحرافه فى استعمال السلطة وعدم جواز التدخل فى اختصاص قاضى التحقيق، وأن سلطة رئيس الاستئناف تقف عند حد الإشراف الإدارى فقط ولا تمتد إلى سلطة قاضى التحقيق!! وقضت دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة الاستئناف بإلغاء القرار.. ومع ذلك لم ينفذ الحكم حتى الآن.. رغم وجوبه.. ومازال الطعن بالنقض قائماً!!
 
■ ولقد أتت هذه التعديلات مؤكدة ما قضت به دائرة طلبات رجال القضاء وما استقرت عليه أحكام القضاء العادى والقضاء الدستورى من عدم التدخل مطلقاً فى سلطة القاضى، سواء كان القاضى يباشر سلطة التحقيق.. أو سلطة الحكم، وإلا كان ذلك إهداراً للعدالة.. ومساساً باستقلال القضاء وحيدته، وليؤكد التعديل أيضاً أن سلطة الندب لم تعد بقرار من رئيس المحكمة وإنما أصبحت بقرار من الجمعية العامة للمحكمة أو من تفوضه فى بداية كل عام قضائى، وأنها لا تملك عليه من سلطة سوى إشراف إدارى!!
 
■ وإذا كان ذلك التعديل حسناً، ليرد العدوان عن قضاة التحقيق فى سابقة خطيرة عندما قرر رئيس الاستئناف السابق المستشار نبيل صليب إنهاء ندب القاضى عادل إدريس وسحب قضية تزوير الانتخابات الرئاسية من اختصاصه، فلقد كان من حسنات التعديل كذلك الحث على سرعة إنهاء التحقيقات فى مدة لا تجاوز ستة أشهر.. أو مدة أخرى مماثلة، لكن الأمر الذى لم يكن حسناً فى التعديل الجديد إضافة مادة جديدة نمرة ٦٦ إلى قانون الإجراءات الجنائية تلزم فيها قاضى التحقيق المنتدب، بإنجاز التحقيق خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من وقت مباشرته، وإذا حدث موجب يؤخر إنجاز مهمته خلال هذه المدة، عرض الأمر على الجمعية العامة للمحكمة لإصدار قرار تجديد الندب لمدة لا تجاوز ستة أشهر أخرى، وإذا تجاوز المدة ندبت الجمعية العامة قاضياً آخر لاستكمال التحقيق، وتثير هذه المادة المضافة إحياء لنص قديم تم إلغاوه منذ عام ١٩٥٢، كما تثير عدة إشكاليات فى وجه العدالة.
 
■ فالمشرع لا يجوز له، مهما كان شأنه وصفته، أن يتدخل فى شؤون العدالة أو القضايا، ويعتبر التدخل جريمة لا تسقط بالتقادم كنص الدستور فى المادة ١٨٤، ومن صور التدخل التأثير على عمل القاضى بعوامل خارجية تؤثر فى قراره أو عمله، أو إجبار القاضى على إنهاء عمله خلال مدة معينة، فكيف للقانون أن يحدد لقاضى التحقيق أو لأى قاض آخر حداً أقصى لإنهاء التحقيق أو الحكم.. وهل يجوز للقانون أن يحدد حداً أقصى لتحقيقات النيابة العامة أو سلطة الحكم.. وإذا كانت الأحكام كلها قالت لنا من قبل إن جميع المواعيد التى وردت فى القوانين وخاطبت القاضى فى كيفية مباشرة عمله أنها مواعيد تنظيمية لا يترتب عليها البطلان!!
 
كما يثور التساؤل كذلك لماذا هذا التعديل يصدر فى مواجهة عمل قاضى التحقيق تحديداً، ولماذا هذا الوقت بالذات، ونحن نفترض دوماً أن المشرع حسن النية.. وأنه منزه عن السهو وعن الخطأ.. فهل كان كذلك!!
 
■ ثم ماذا عن قضاة التحقيق الذين استنفدوا المدد القصوى فى قضايا سبق ندبهم لها، ومازالت قيد التحقيق منذ سنوات، وقد صدرت فيها الأوامر، وجار استكمال تقويم أدلة الاتهام أو الثبوت.. للوصول إلى قرار من قاضى التحقيق بالإحالة أو التقرير بألا وجه، والأمر هنا يحتاج من مجلس القضاء الأعلى أن يقول لنا كلمته فى كيفية سريان هذا التعديل بأثر مباشر من اليوم الثانى لتاريخ نشره.. فهل يستمر قضاة التحقيق فى مباشرة عملهم حتى لو كانوا قد تجاوزوا المدة المحددة، وماذا لو أنه فى حاجة إلى مدة أخرى من تاريخ صدور القانون، هل يحق للجمعية العامة للمحكمة أن تقرر له مدة أخرى فى نطاق أحكام التعديل وهو أمر لازم وضرورى، وحتى لا يتعرض عملهم للبطلان!!
 
■ وتبدو أهمية هذه الإشكاليات إذا ما عُرف أن قاضى التحقيق يباشر سلطاته منذ المرسوم بقانون ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ أى نحو ما يزيد على ستين عاماً.. وقد سبق إلغاء هذه المادة تحديداً بالمرسوم بقانون رقم ٣٥٣ فى ديسمبر ١٩٥٢ لكنها عادت تطل علينا من جديد بالتعديل الذى صدر فى آخر عام ٢٠١٤!!
 
■ ومن يطالع سلطات قاضى التحقيق، الذى يندب فى العادة لظروف قضية بعينها، أو يكون الندب أكثر ملاءمة لها أو بمناسبة جرائم معينة، يجد أن هذه السلطات قد وردت فى فصول بلغت خمسة عشر فصلاً بالتمام والكمال، بدءاً من سلطات مباشرة التحقيق وندب الخبراء والتفتيش والانتقال والضبط.. والتصرف وسماع الشهود والاستجواب والمواجهة وأوامر الضبط والحبس والإفراج حتى الانتهاء من التحقيق والتصرف، بل والعودة إلى التحقيق لظهور أدلة جديدة، كما بلغ عدد هذه المواد نحو ١٣٣ مادة بدءاً من المادة ٦٤ إلى ١٩٧!! فإذا كان الأمر كذلك.. فهل يمكن أن نقيد القاضى عند الحكم أو عند مباشرة التحقيق.. أو نقيد النيابة العامة بمدة معينة لإنهاء سلطة التحقيق أو الحكم، فإذا كانت الإجابة بلا، فإنه عندئذ يثور التساؤل عن ماهية هذه الأسباب الجديدة التى دفعت إلى تعديل النص، بإحياء ما تم إلغاؤه منذ أكثر من ستين عاماً!! كما يثور التساؤل كذلك.. فلماذا قاضى التحقيق.. ولماذا الآن بالذات بعد سنوات من الجهد والوقت بحثاً عن العدالة؟ سؤال برىء.. للعامة والمتخصصين يبحث عن إجابة!!
 
■ ويدعو ذلك مجلس القضاء الأعلى الذى وافق على التعديل، كما يدعو قضاة التحقيق أيضاً إلى تأمل النص الجديد وكيفية تطبيقه ومدى سريانه على القضايا التى مازالت أمام قضاة التحقيق حتى لا يلحق بعملهم البطلان، بحثاً عن العدالة، وحتى لا تضيع هباءً فى خبر كان!.. وأؤكد أن العدالة الناجزة هدف عالى المقام يتعارض مع هذا التعديل.. وإذا لم يكن ذلك مقصوداً.. وهو ليس كذلك، فقد يكون نوعاً من السهو أو الخطأ.. فهل يمكن إصلاح ما فسد فى الطريق نحو تحقيق عدالة ناجزة تبحث عن منظومة كاملة.. لتحقيق الغاية المنشودة.. أم ماذا؟!
 
نقلآ عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع