هل يمضي الوقت بإيقاع زمني مختلف خلال الأحلام التي تراودنا أثناء النوم؟ هذا ما يسعى دافيد روبسون، الصحفي في بي بي سي، للتعرف عليه.
عندما أستيقظ من النوم على رنات جرس المنبه، ألجأ كثيرا للضغط على "زر الغفوة"، قبل أن أتدثر من جديد بأغطيتي حيث الدفء والسكينة، وذلك لأنال قسطا سريعا من النوم.
لكن على الرغم من أن ما يلي ذلك قد لا يعدو حلما قصيرا، ربما لا يتجاوز ما أراه فيه محادثة مع شخص ما أو تمشية قصيرة، فإنني استيقظ في بعض الأحيان لأجد أن ساعة كاملة قد انقضت.
يصيبني ذلك بالحيرة، فكيف يمكن لأحداث محدودة مثل هذه أن تأخذ مثل هذا الوقت الطويل لكي تتجسد في ذهني؟ وهل ذلك يشكل انطباعا شائعا لدى الكثيرين؟
الآن، ربما يكون العلماء قد توصلوا على نحو مفاجئ إلى سبيل يُمكّنهم من الإجابة على مثل هذه الأسئلة، وذلك من خلال دراسة حالات الأشخاص الذين يستطيعون السيطرة على وعيهم ومعرفة ما يدور في عقولهم خلال النوم، أو من يُطلق عليهم اسم "الحالمين الواعين".
ومن شأن دراسة تجربة هؤلاء الأشخاص أن تؤدي إلى الكشف عن حقائق عجيبة، من بينها ما إذا كان بإمكانك أن تضحك نفسك خلال نومك أم لا.
وعلى مدى أكثر من 100 عام، وفرت تجربة المرور بـ"حلم واعٍ" رؤى ومعلومات عميقة بشأن النشاط العقلي الذي يحدث خلال النوم.
ومن بين أوائل من اهتموا بإجراء أبحاث حول عالم الأحلام؛ الارستقراطي الفرنسي الذي عاش في القرن التاسع عشر الماركيز دو هارفي دو سان-دوني، الذي أدرك وهو في الثالثة عشر من العمر، أن بمقدوره التحكم في المسار الذي تتخذه أحلامه، ليكرس العقود التالية لاختبار حدود وقدرات "عقله الغافي"، عبر "أحلامه الواعية".
رحلات غريبة
وقد تضمنت شطحات هذا الرجل أمورا، من بينها أنه سعى لكي يحلم بأنه يلقي بنفسه من فوق أسطح بنايات عالية، للتعرف على ما إذا كان بوسعه أن يحلم بموته أم لا. وفي كل مرة، كان الفشل من نصيبه، وكان الحلم يغير مشاهده لتفادي مثل هذه النهاية المأساوية.
وبفضل ملاحظته للطريقة التي تكتظ بها رؤاه غالبا بالأماكن والأشخاص الذين يراهم خلال أسفاره، خلص الماركيز الفرنسي إلى أن الأحلام تتشكل من مزيج من ذكرياتنا، مُقدما بذلك تفسيرا أكثر عقلانية للأحلام، من تلك النظريات ذات الطابع الروحاني التي كانت سائدة في ذاك الزمن البعيد.
لكن سان-دوني لم يكن وحده في هذا المضمار، فقد مضت على هذا الدرب أيضا ماري أرنولد - فورستر، ابنة شقيق الكاتب الانكليزي إدوارد مورغان فورستر.
وفي عشرينيات القرن الماضي، وضعت هذه المرأة دليلا لكيفية خوض تجربة الحلم الواعي؛ إذ استغلت قدرتها على التحكم في وعيها خلال الحلم، لكي تتجنب أن تنتابها كوابيس مرتبطة بما شهدته الحرب العالمية الأولى من أهوال.
غير أن جهود سان-دوني وآرنولد-فوستر لاقت التجاهل في الغالب، كما جرى خلال العقود التالية تجاهل ظاهرة "الأحلام الواعية" برمتها، لصالح التركيز في المقابل على جوانب أكثر "جدية" فيما يتعلق بمحاولات سبر أغوار عالم الأحلام.
لكن علماء الأعصاب بدأوا خلال السنوات القليلة الماضية إجراء تجارب لا تقل غرابة، عن تلك التي كان يجريها هذان الشخصان.
فعلى سبيل المثال، قررت جينفر فيندت الباحثة في جامعة يوهانس غوتنبرج بمدينة ماينز الألمانية في وقت سابق من العام الجاري إجراء تجربة للتعرف على ما إذا كان بوسع "الحالمين الواعين" دغدغة أو نغز أنفسهم خلال الأحلام أم لا.
ورغم أن ذلك قد يبدو أمرا غريب الأطوار، فإنه يساعد على التعرف على مستوى الوعي الذاتي الذي يتمتع به المرء خلال رؤيته لحلم أثناء النوم.
ففي الحياة الواقعية، لا يمكننا دغدغة أنفسنا نظرا لإدراكنا لما نقوم به، وهو ما يعني أن المخ يُنحي في هذه الحالة جانباً الشعور بالمثيرات التي تجعلنا عادة ننخرط في الضحك.
من الأهمية بمكان القول إن القاعدة نفسها أثبتت صحتها فيما يتعلق بـ"الأحلام الواعية".
فقد وجد المشاركون في التجربة أنه من الصعب عليهم إضحاك أنفسهم أثناء مرورهم بمثل هذه الأحلام، وهو ما يشير إلى أن لدى كل منهم خلال الحلم درجة عالية من الوعي بالأفعال التي تقوم بها أجسادهم، والمشاعر التي تنتاب هذه الأجساد كذلك، فضلا عن أن لديها القدرة على تقليص استجاباتها لهذه المشاعر والمثيرات.
وكان من المثير للاهتمام أيضا، أن طلبت فيندت من أفراد العينة أن يطلبوا من الشخصيات الأخرى التي تظهر في أحلامهم القيام بدغدغتهم.
وفي هذا الشأن، تقول الباحثة إن "في العديد من المرات، اكتفت هذه الشخصيات بالرفض. لقد تصرفت كما لو أن لديها عقلا، ونوايا ومقاصد خاصة بها".
وتضيف فيندت أنه "عندما أقدمت شخصيات أخرى على دغدغة الشخص الغارق في الحلم، جاء التأثير على الرغم من ذلك مخيبا للآمال، وهو ما يشير إلى أن العقل لا يزال يدرك سيطرته على الشخصيات الأخرى التي تظهر في الحلم".
المشي أثناء النوم
على الرغم من ذلك، ظلت دراسة الوتيرة التي يمضي بها الوقت خلال الأحلام أمرا أكثر صعوبة وتعقيدا، حتى أجرى دانييل إرلاتشر، الباحث في جامعة برن السويسرية، تجربة مبتكرة في هذا الصدد.
وبدأ الأمر عندما كان إرلاتشر يجري أبحاثا حول الطريقة التي يتخيل بها المخ الأفعال المختلفة. فعلى سبيل المثال، عندما يحلم المرء بأنه يعدو؛ فهل ينشط ذلك نفس المناطق من المخ، التي تكون ناشطة خلال المشاركة في سباق؟
نتائج التجارب الأولى التي أُجريت رجحت صحة هذه الفرضية، ولكن بدا أن ذلك النشاط العقلي يستمر لمدة أطول مما هو معتاد، على نحو مثير للدهشة.
في هذا الإطار، طلب إرلاتشر من بعض "الحالمين الواعين" البارعين القدوم إلى مختبر "النوم" الخاص به، والمزود بكل التجهيزات اللازمة لإجراء تجاربه في هذا المضمار.
عندئذ، طلب من المشاركين في التجارب القيام بأنواع مختلفة من المهام خلال أحلامهم، فبمجرد أن يراودهم أحد هذه "الأحلام الواعية" كان يُطلب منهم أشياء من قبيل المشي عشر خطوات، أو العد حتى رقم 30، أو القيام بأحد التدريبات الرياضية المعقدة المعتادة.
ومن أجل حساب الوقت الذي يمضيه هؤلاء في القيام بمثل هذه الأنشطة، استخدم الباحث أحد الجوانب الفريدة لـ"العقل الحالم"، وهي أنه بالرغم من أن الجسم يكون مشلول الحركة خلال الحلم، فإنه يميل إلى ترجمة حركات عينيّ صاحبه.
وفي هذا الإطار، بوسع المشارك في التجربة الإشارة إلى بدء ما يقوم به من نشاط وإنهائه، عبر إدارة عينيه المغمضتين يمنة ويسرة عدة مرات.
وخلال التجارب، عكف إرلاتشر على رصد نشاط المخ ودراسة أي حركة للعضلات، للتأكد من أن المشاركين في التجربة لا يتظاهرون بأنهم يخلدون للنوم.
وكما توقع الباحث مسبقا، استغرق القيام بالمهام الروتينية من "الحالمين الواعين" - في بعض الأحيان - وقتا يزيد بنحو خمسين في المئة، عن نظيره الذي يؤدون خلاله نفس المهام في حياتهم الواقعية، وهو ما أوحي بأنهم كانوا يقومون بهذه المهام بالحركة البطيئة، على نحو أو آخر، حتى وإن لم يدركوا ذلك على الفور.
إذ يقول إرلاتشر إن المشاركين في التجربة "ذكروا أنهم شعروا بأن الأمر كان مماثلا تماما لما يكون عليه خلال اليقظة".
وربما يفسر ذلك السبب في أن المرور بحلم قصير قد يستغرق ساعة كاملة من الوقت الفعلي.
وعلى الرغم من ذلك، فلا يزال إرلاتشر يفتقر إلى تفسير لهذه الظاهرة، ولكنه يقول إن المخ ربما يستغرق وقتا أطول خلال النوم لمعالجة المعلومات.
ومع ذلك فإن ثمة جانبا عمليا - وربما خياليا بشكل ما - للجهد العلمي الذي يقوم به دانييل إرلاتشر. فهذا الباحث يأمل في أن يستفيد الرياضيون من ظاهرة "التحكم في الوعي خلال الأحلام" للقيام بمزيد من التدريبات في وقت أقصر مما يستغرقه هذا الأمر عادة.
هنا يمكن القول إن النوم يمثل – في كل الأحوال – عاملا جوهريا لتقوية الذاكرة، ولذا فمن الممكن الإشارة إلى أن القيام بتدريبات خلال الأحلام قد يعزز ويوطد دعائم المهارات الجديدة.
ومن شأن ذلك أن يكون مفيدا لإتاحة الفرصة للرياضيين لشحذ مهاراتهم في الفترات التي يعجزون فيها عن ممارسة التدريبات، جراء الإصابة أو ما شابه.
ولكن إرلاتشر يضيف هنا أنه "توجد حدود لهذا بطبيعة الحال، فلن يكون بوسعك مثلا تعزيز قدرتك على التحمل. غير أنه إذا كان لديك في ذهنك قدرة جيدة على المحاكاة بالفعل، فبمقدورك الاستفادة من ذلك لتحسين التقنيات (التي تستخدمها) وترسيخها لكي تكون مستقرة. أرى أن لهذا الأمر إيجابيات عديدة في المجالات (التي تحتاج) لمستوى تقني أكبر".
وبحسب ما يقوله هذا الباحث، فإن المقابلات التي أجراها مع عدد من كبار الرياضيين أشارت إلى أن العديد منهم ربما يستخدمون هذا الأسلوب بالفعل. ويعكف الرجل حاليا على التعرف على الفوائد الناجمة عن المضي في هذا الطريق.
وتشمل التجارب التي يجريها فريق إرلاتشر المهام القياسية للتعلم في المختبرات، مثل إجادة تحريك الأصابع على نحو متسلسل، جنبا إلى جنب مع ممارسة رياضات تقليدية مثل لعبة رمي السهام.
ويصف إرلاتشر النتائج التي تمخضت عنها التجارب حتى الآن بأنها "تبدو شديدة الفعالية. إنها أسوأ قليلا من الممارسة الفعلية" للمهارات المختلفة، ولكنه يرى أنها أفضل من قيام المرء بمراجعة مثل هذه المهارات والتقنيات في ذهنه وهو مستيقظ.
ويعتبر الباحث أن الاختلاف الذي يطرأ على المدى الزمني الذي تأخذه التدريبات خلال الأحلام، لا ينبغي أن يمثل مشكلة، بالنظر إلى أن ذلك لا يؤثر بوجه عام على تسلسل الحركات التي تتألف منها هذه التدريبات، حتى وإن كانت تأخذ وقتا أطول في أدائها.
في النهاية، لا يمكن إنكار أن استخدام المرء لفترات نومه من أجل تحسين قدراته لن يكون جذابا أو مغريا سوى بالنسبة للأشخاص الأكثر طموحا، أو لأولئك الأكثر تشددا فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية والدينية.
لكن على أقل تقدير، فإن تعلم كيفية خوض غمار تجربة "الأحلام الواعية"، قد يوفر لي أنا شخصيا ذريعة جديدة، لتجنب مغادرة فراشي في الصباح.