بقلم نسيم عبيد عوض
يفسر لنا القديس يوحنا ذهبى الفم قول الرب يسوع " سلاما أترك لكم . سلامى اعطيكم. ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب." يو14: 27‘ بقوله( إذ اضطرب التلاميذ عند سماعهم قول الرب " أنا أمضى لأعد لكم مكانا) متصورين ان انصرافه عنهم سيثير العداوة والحروب عليهم ‘ ولكنه نزع ارتياعهم ورعبهم قائلا" سلاما أترك لكم . سلامى أعطيكم." فأوشك أن يقول " مادام السلام يشملكم فما الذى يضركم من العالم .)
سلام المسيح الذى تركه لنا
وكما فسرها القديس أغسطينوس إنه يترك سلاما وهو راحل ‘ وسيقدم سلامه عندما يأتى فى النهاية‘ سلاما يتركه لنا فى هذا العالم ‘ وسلامه سيهبنا فى العالم الآتى. يترك لنا سلامه وإذ نسكن فيه نهزم العدو. سلاما يترك لنا حتى يمتلك الرب على قلوبنا فنصير ملوكا لله أبيه. سلاما يترك لنا حتى نحب بعضنا بعضا هنا على الأرض‘وسيعطينا سلامه عندما نكون فوق كل الخلافات بيننا.
سلاما يتركه لنا حتى لا يدين الواحد الآخر ‘ وسيهبنا سلامه عندما" يظهر آراء القلوب وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله." 1كو4: 5. فيه ومنه ننال السلام سواء الذى يتركه لنا وهو ذاهب الى الآب أو سيمنحنا إياه عندما يحضرنا الى الآب. والسلام الى تركه لنا هو حضوره الذى لن يسحبه منا فانه هو " سلامنا الذى يجعل كلاهما واحد." اف2: 14‘ بصير هو سلامنا سواء عندما نؤمن به أو عندما نراه كما هو"1يو3: 2. والسلام الذى يتركه لنا هو سلامنا لا سلامه ‘ لأنه بلا خطية ليس فيه أى من عناصر الخلاف نفسه ‘ والسلام الى يتركه لنا هوالذى فى وسطه نقول" أغفر لنا ما علينا" مت6: 12" .
السلام الذى يتركه لنا هو ذاته ميراثا ثمينا هو سلامه لأنه هو نفسه سلامنا " لأنه هو سلامنا الذى جعل الاثنين واحدا ونقض حائط السياج المتوسط." أف2: 14. يقدم لنا سلاما ليس كسلام العالم –تحية شكلية- بل هبة وعطية مجانية تحدث بركة تتمثل فى تقديمه لنا ذاته. " قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام ‘فى العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ." يو16: 33 . هذا السلام أبدى ولا يمكن للعالم بكل إمكانياته أن يهبنا مثله ولا بكل أهواله أن يسحبه منا نحن المؤمنين‘ لأن مايعطيه العالم سلاما ماديا يتمثل فى الغنى المادى وأمجاد جسدية محدودة بالزمن والمكان ‘ أما سلام الرب يسوع المسيح فيشمل كيان الإنسان كله ‘ لايقدر عليه زمن أو مكان ان يسحبه من المؤمنين به ‘ سلام يسحب أعماقنا الى إختبارات أبدية‘ كقول الكتاب " لأن اهتمام الجسد هو موت‘ ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام."رو10: 15.
السلام الذى من الرب يسوع المسيح أبدى ‘ ليس من قوة على الأرض تقدر أن تنزعه من إنسان متمسك به ‘ أما سلام يمنحه العالم قد يدفع الانسان لفعل الخطايا باللذات وبإشباع الجسديات وبالتكبر على الغير. سلام المسيح هو ناتج من عمل النعمة الغنية التى تبقى المؤمن فى قداسة وبر‘ بل ويهبهم الفرح الأبدى والسلام السماوى كما فعل التلاميذ بعدما إرتفع عنهم الى السماء " عادوا الى أورشليم والى العلية وكانوا مواظبين على الصلاة والطلبة."أع2: 12. " فسجدوا له ورجعوا الى أورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين فى الهيكل يسبحون ويباركون الله."لو24: 52و53.
نبوات عن سلام المسيح
قبل ميلاد السيد المسيح بحوالى 750 عاما جاءت النبوة على فم إشعياء النبى وكأنه يصف مشهدا يراه" لأنه يولد لنا ولد . ونعطى إبنا. وتكون الرياسة على كتفه. ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام ." اش9: 7‘ وأيضا" ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام . المبشر بالخير . المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك. اش52: 7‘ وهو يتنبأ هنا بأن سلام المسيح هو سلام داخلى . سلام فيه كل الخير لمحبيه. سلام الخلاص الأبدى.
ولذلك يتوقف سلامنا عليه" وهو مجروح لأجل معاصينا .مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه. وبحبره شفينا." أش53: 5. والمرتل العظيم ملء مزاميره نبوات عن السلام المنتظر فيقول انه سلام يعنى الإطمئنان الداخلى" بسلامة أضطجع ‘بل أيضا أنام ‘لأنك أنت يارب منفردا فى طمأنينة تسكننى."مز4: 8 ‘ وأيضا" السلام عز ويباركهم بالخيرات" الرب يعطى عزا لشعبه‘ الرب يبارك شعبه بالسلام." مز29: 11‘ وهو سلام يمنح الفرح والسرور" ليهتف ويفرح المبتغون حقى‘ وليقولوا دائما ليتعظم الرب المسرور بسلامة عبده.: مز35: 27‘ ويمنح السلام لودعاء الأرض " أما الودعاء فيرثون الأرض‘ ويتلذذون فى كثرة السلامة." مز37: 11 ‘ ويمنح السلام للإنسان الكامل والمستقيم الذى يعمل السلام فيصبح اسمه انسان السلامة" لاحظ الكامل وانظر المستقيم‘ فإن العقب لإنسان السلامة." مز37: 37 . ولذلك يطوب الرب صانعى السلام بين الناس " طوبى لصانعى السلام لانهم أبناء الله يدعون."مت5: 6‘
سلام المسيح عهدا أبديا
فى قول الرب "سلاما أترك لكم ." يقطع عهدا أبديا معهم بالسلام ‘ وليس مفهومه السلام الدارج بين الناس "كتحية سلام" ولكنه السلام الداخلى الذى يملئ القلب ويفرح كل نفس المؤمن كميراث أبدى لهم ‘ فكلمة "أترك" جاءت ككلمة "تركة" كبداية للعهد الجديد. وجاءت النبوات قبل ميلاد المسيح بمئات السنين لتعرفنا بعهد السلام الذى يمنح لنا بالإيمان بالمسيا ‘ وجاء قول الرب على فم أشعياء " فان الجبال تزول والآكام تتزعزع. أما احسانى فلا يزول عنك. وعهد سلامى لا يتزعزع .قال راحمك الرب."أش54: 10 ‘ وأيضا " وأقطع معهم عهد سلام .
وأنزع الوحوش الرديئة من الأرض. فيسكنون فى البرية مطمئنين.وينامون فى الوعور."حز34: 25‘ وهو أيضا الذى تنبأ" وأقطع معهم عهد سلام . فيكون معهم عهدا مؤبدا وأقرهم وأكثرهم‘واجعل مقدسي فى وسطهم الى الأبد." حز37: 26.
سلام المسيح الخاص
فى قول الرب " سلامى أعطيكم " يمنحنا سلامه الخاص وهو عطية أو هبة من نوع هبة الحياة الأبدية‘ فالسيد المسيح هنا يمنح ويهب تلاميذه والمؤمنين به هبة السلام الأبدى كقول الكتاب المقدس" وسلام الله الذى يفوق كل عقل. يحفظ قلوبكم وأفكاركم فى المسيح يسوع."فى4: 7‘ وأيضا يقول" وليملك فى قلوبكم سلام الله الذى اليه دعيتم فى جسد واحد . وكونوا شاكرين."كو3: 15‘ وكقول الرسول " وثمر البريزرع فى السلام من الذين يفعلون السلام."يع3: 18‘وفى نبوة زكريا عند ميلاد ابنه يوحنا "ان "بأحشاء رحمة الهنا التى بها إفتقدنا المشرق من العلاء.
ليضئ على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت لكى يهدى اقدامنا فى طريق السلام."لو1: 78و 79. وتتجلى هبة السلام بحلول الروح القدس ليدوم معهم ولهم الى الأبد فيجنون ثمارها " واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان." غل5: 22.
والسيد المسيح يهب عطية السلام مع المحبة والفرح كقوله الطاهر" ليكون لهم فرحى كاملا فيهم."يو17: 13‘ الفرح والسلام متلازمان ولا يفترقان فسلام المسيح يشيع البهجة والفرح والسرور فى قلب المؤمن ويطرد الخوف بعيدا عن نفوسهم‘" لأن ليس ملكوت الله أكللا وشربا ‘بل هو بر وسلام وفرح فى الروح القدس." رو14: 17‘ ويقول بوعد صادق" ولا ينزع أحد فرحكم منكم." يو16: 22. " كلمتكم بهذا‘ لكى يثبت فرحى فيكم ويكمل فرحكم." يو15: 11‘ سلام الرب يسوع الخاص هو السلام الدائم والفرح الكامل المقيم فينا. ولذلك يعلمنا الرب" لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب." أنا هو لا تخافوا. أمين