الأقباط متحدون - إهانة الذات الثورية!
أخر تحديث ٠٠:٤٨ | الاثنين ٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٩هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إهانة الذات الثورية!

بقلم منير بشاى

    نشر مؤخرا خبر يقول انه يجرى الاعداد لمشروع قانون يجرم اهانة ثورتى 25 يناير و30 يونية.  وقد تعجبت ان يصدر مثل هذا القانون فى هذا الوقت بالذات الذى يجب تشجيع نقد الذات وليس تحجيمه.  الاحداث التى تمر فيها مصر ومنها "الثورات" هى من صنع الانسان وبديهى انها تحتمل وجود المآثر والعيوب.  اضفاء صفة القدسية عليها وتجريم اهانتها سينتج عنه حظر الحوار حولها وبالتالى عمل الخطة التى تعالج العيوب وتصلح مسيرة الوطن.

    لا يختلف اثنان على ان زوبعة عنيفة من الاضطرابات السياسية قد اجتاحت منطقة الشرق الاوسط فيما يسمى بالربيع العربى.  هذه بدأت منذ حوالى اربعة سنوات وتسببت فى ثورات وصراعات محلية وعالمية وما تزال آثارها الدموية تعمل بعنف فى المنطقة حتى الآن.

    ولا ينكر احد انه نتيجة لهذه الزوبعة عانت مصر من الانفلات الأمنى الى يومنا هذا.  ولذلك لا شىء يسعدنى قدر رؤيتى لمصر وقد عاد اليه الانضباط فى الشارع والاحساس بالأمان بين الناس الذى هو الركيزة التى يقوم عليها بنيان مصر الحديثة.  واعتقد ان المصريين جميعا يشجعون اى اجراء فعال يعيد الاستقرار لمصر.

    ولكن يزعجنى ما أراه من تخبط باتخاذ معايير غريبة لتحقيق هذا الاستقرار وهى لن توصلنا للهدف بل ستدخلنا فى المزيد من الارتباكات التى نحن فى غنى عنها.  ومن هذه مشروع القانون الجديد الذى يقال ان الرئيس السيسى ارسله لرئيس الوزراء والخاص بتجريم اهانة ثورتى 25 يناير و30 يونية.   ولا أدرى ما هدف هذا القانون الغريب.  ولا يبرر هذا القانون ان يكون هدفه ايجاد آلية للتصدى لفريقين كلاهما مرفوضان شعبيا وهما:  فلول نظام مبارك وهم اعداء ثورة 25 يناير وفلول نظام الاخوان وهم اعداء ثورة 30 يونية.  فالغاية المشروعة لا تبرر الوسيلة المشبوهة، وتفصيل القانون على مقاس بعض الناس  مبدأ مرفوض قانونيا واخلاقيا.

    هل هناك فائدة ترجى وراء هذا القانون؟ هل القانون سيعزز الحريات ويبنى صرح الديمقراطية؟  هل سيساعد على استقرار الاوضاع ويقر السلام المجتمعى فى مصر؟  هل سيحد من الارهاب الذى ما يزال يبث الرعب فى قلوب الناس؟  هل سيساعد على بناء اقتصاد مصر المنهار؟  هل سيوقف او يقلل من انتقاد العالم الخارجى لمصر ام سيدخلنا فى صدام جديد معهم؟  واذا قيل اننا لا يهمنا الا مصلحتنا، فاين هى مصلحتنا فى هذا القانون؟

    وماذا تعنى كلمة "اهانة" ثورتى 25 يناير و 30 يونية؟ وهل الحوار العلمى السلمى الدائر الآن بين المفكرين ودارسى العلوم السياسية عن مدى انطباق اصطلاح "الثورة" عليهما يعتبر اهانة لهما واشتراكا فى جريمة يعاقب عليها القانون؟

    وهل اذا انتقد انسان احد الحدثين نتيجة اعتقاده انه قد جلب علينا مشاكل لم تكن موجودة قبلا، هل هذا معناه اهانة يرتكب صاحبها جريمة يعاقب عليها القانون فى الوقت الذى كان يظن انه يمارس حقه المشروع فى ابداء الرأى ؟

    الاهانة فى مفهومى هى القيام مثلا بسب انسان او نشر المعلومات الكاذبة عنه والتى تسىء لسمعته وقد تتسبب فى ايلامه وقد تحط من قدره بين الناس وبالتالى قد تؤدى بالنسبة له الى خسائر مادية بالاضافة للخسائر المعنوية.  الاهانة بهذا المعنى جريمة ومن حق المهان ان يرفع دعوى ضد الذى اهانه.  فهل هذا ينطبق على الثورتين المشار لهما؟ هل هما اشخاص يمكن ان تصيبهما الاهانة بأذى؟ وهل هما كائنان لهما مشاعر بحيث تصبح الاهانة جرحا لمشاعرهما وهل لهما وضع اجتماعى يمكن ان يتأثر اذا انتشرت الاهانات ضدهما فى المجتمع؟

    وهل اصبح للثورتين مفهوما مؤكدا ومعترفا به بين الناس بحيث يصبح من يتعدى عليه قد اهان الثورتين وبالتالى يجب محاكمته؟ والا فكيف يمكن تحديد واقعة الاهانة وعلى اى اساس تبنى؟  اذكر انه فى يوم من الايام كانت جريمة ان تطلق على "ثورة 52" انها انقلاب عسكرى. ولكن بعد انقضاء ذلك النظام اصبحنا نسمع من يحبذ انها انقلاب. فهل المبادىء تتلون حسب النظام الحاكم؟

     وماذا يعنى "تجريم" هذه الاهانة المزعومة؟  هل اصبح من يناقش القضايا (أيا كانت) مجرما بين يوم وليلة ويجد نفسه فجأة قابعا فى السجن لمجرد انه استعمل عقله وفكّر ثم تكلّم سواء اتفقنا مع فكره وكلامه او لم نتفق؟ هل اصبح من يناقش مجرما مع انه لم يرفع السلاح ضد احد ولم يحاول ان يأخذ القانون بيده أو يفرض رأيه على الناس بالقوة؟

    أليس غريبا ان نبتكر جرائم جديدة تافهة بينما مرتكبو الجرائم الحقيقية يعيثون فى الارض فسادا ويمارسون جرائمهم دون رادع بل يقال انهم يرتكبونها بالتنسيق مع عناصر داخل اقسام الشرطة ذاتها؟

    ان كانت قوات الامن تشكو من الفراغ وهذا القانون هو محاولة لايجاد عمل لهم فالعلاج موجود.  بدلا من محاربة من يهين الثورة تعالوا لتطبقوا القانون على من لا يهين المواطنين فقط بل ايضا من يروعهم.  وجهوا اهتمامكم لما يحدث فى صعيد مصر.  امّنوا حياة الناس الذين يعيشون تحت تهديد الخطف ودفع الاتاوات الباهظة التى يضطروا معها الى بيع بيوتهم وحقولهم ودفع رأسمال تجارتهم ليفتدوا فلذة اكبادهم وبعدها يتحولوا الى معدمين.  حاولوا ان توقفوا خطف الفتيات القبطيات من التنظيمات الارهابية التى تظن انها تقدم خدمة لله بفرض الدين على الناس وتحويلهم قسرا لدين لم يختاروه.  ان كنتم تريدون ان تخدموا البلد وجهوا اهتمامكم لمن يستعمل القنابل والبنادق وزجاجات المولوتوف وليس لمن يبدى رأيا بمجرد الكلام.

    ألم تنزعجوا بما فيه الكفاية من اساءة استعمال قوانين ازدراء الدين فتريدوا نصب مصيدة جديدة للايقاع بالابرياء يستخدمها محترفو شهادة الزور الذين يعتقدون انها حلال فى سبيل الله طالما هى موجهة ضد من يعتبروهم من الكفار؟

    هل تريدون ان تبتكروا آلية جديدة تبكم الاصوات وتقتل حرية الرأى؟ ان كنتم تصرّون على هذا فعندى اقتراح.  قبل اصدار هذا القانون يجب وقف الجرائد واغلاق محطات الراديو والتلفزيون والفضائيات ومنع استعمال الانترنت وتجريم المواقع الالكترونية والفيسبوك.

    الثورة الحقيقية - يا سادة-  هى القضاء على القمع والطغيان.  وثمار الثورة الحقيقية تظهر فى تحرير العقل واللسان من الخوف قبل تحرير اليدين والرجلين من الأغلال.  وطالما لم تتحقق هذه الحريات فمن العبث الكلام عن اهانة الثورة، لأن الثورة الحقيقية تكون لم تولد بعد.

Mounir.bishay@sbcglobal.net


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter