الأقباط متحدون - عقدة إيران في العراق (5-5)
أخر تحديث ٠٨:٣٢ | الاثنين ٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٩هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عقدة إيران في العراق (5-5)

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

د. غسان نعمان ماهر الكنعاني

7-  تغير العقدة الإيرانية بين الاشتداد وعدم وضوح الرؤية – مرحلة ما بعد 2003
من أيسر الأمور على الباحث هو الحديث عن قضية معاشة يومياً ليس على أرض الواقع وحسب ولكن مع الإعلان عنها في الإعلام والسياسة والحديث الشخصي والاجتماعي، فإن معرفة الناس بالموضوع يجعل من نافل القول إعطاء مقدمات وخلفيات تاريخية وغيرها من ضروريات تقدم للبحث. هذا يصدق تماماً على حالة العراق وعقدته الإيرانية بعد 2003 لأن الموضوع معاش من العراقيين كل يوم. نعم في حالة غير العراقيين لا يزال هناك جهل كبير بالعراق وتفاصيله على الرغم من كونه تصدر الإعلام كثيراً في العقود الماضية ولحد الآن، يصل إلى حد لا تملك معه إلا الضحك على إعلاميين وسياسيين ومسؤولين كبار في دول عربية وحتى مجاورة.

بعد ذكر المقصود بالعقدة الإيرانية عند سنة العراق وشيعته في الأقسام الماضية، وكيف أنها تطورت عند الطائفتين، نستطيع القول أنه حتى 2003 لم يكن هناك تصريح علني بهذه العقدة، ما أدى إلى عدم وجود معرفة حقيقية بآثار هذه العقدة على الفرد والمجتمع والبلاد عموماً، بل حتى إلى جهل شبه كامل عند الكثيرين. أما بعد 2003 فإنه يندر أن تقرأ مقالاً، ولو صغيراً، يتعلق بعلاقات العراق الخارجية، سواء على مستوى المشاكل المتفجرة أو العلاقات الاقتصادية والسياسية عموماً، إلا وتجد ذكر إيران والشيعة والسنة والطائفية بصراحة، أو أحياناً بين السطور بما هو أشد مما لو ذكر صراحة.

فيما يتعلق بالبحث القصير بين أيدينا، فإن المقصود بالتغير وعدم وضوح الرؤية ما يلي:

إيران في صميم الأحداث
"أنتم التالون" هكذا قال الأمريكيون علناً يخاطبون الإيرانيين، أي بعد أفغانستان والعراق دوركم سيأتي. رد الإيرانيون بلسان الحال "حسناً، سنقاتلكم في المكان الذي تظنون أنكم ستنطلقون منه لإسقاطنا!" أما في الواقع المعلن، فقد قامت إيران بردود الفعل الإيجابية – أول من رحب واعترف بالوضع الجديد في العراق، ثم بحكومة مجلس الحكم وما بعدها، ونشطت السفارة الإيرانية، ودخلت المخابرات الإيرانية مع من دخل من مخابرات العالم، مع فارق هو وجود العراقيين المرتبطين بإيران ممن كانوا داخل إيران ويقاتلون النظام العراقي الساقط.

وبغياب العرب "الزعلانين" على التغيير الجذري في العراق – المعارضة العراقية لصدام في الواجهة + دستور تتفق عليه لجنة عراقية + إنتخابات + المرجعية الشيعية تقف في المعترك للمساعدة على استحصال حقوق العراقيين + الشيعة في المقدمة – فإن إيران وجدت الأبواب، بل والشبابيك أيضاً، مفتحة؛ ولم يتصرف من العرب بشكل فاعل يختلف غير الحكم في سورية الذي كان هو الآخر مستهدفاً "أنتم التالون" أيضاً، فكان قناة إرسال الإرهابيين إلى العراق وهو ما يضعف الوجود الأمريكي والوضع العراقي في ظل الاحتلال الأمريكي، وهذا يصب في مصلحة إيران أيضاً (بغض النظر عن أية تفاهمات سورية إيرانية لا شك في وجودها على طول الخط).

تبع ذلك استيراد الكهرباء من إيران، واستيراد البضائع الإيرانية المختلفة، ومضاعفة الزوار الإيرانيين إلى مراقد الأئمة (ع) بما لا نظير له في الماضي.

أما السياسيون الشيعة، فقد كان واضحاً مدى علاقة البعض منهم بإيران أصلاً، ومدى الحاجة لنيل قبول إيران بالنسبة للآخرين. ثم انسحب هذا على السياسيين السنة.

هذا كله جعل السني العراقي – وهو ما بين رافض لما حصل وموافق عليه على مضض ومقاوم له بالسلاح – في حالة انتقالية تتغير كل يوم، وتتقبل ما يمكن أن يساعد وبضمنه تنظيم القاعدة الوهابي.

وأما الشيعي العراقي، فكان هو الآخر في حالة انتقالية متعددة الوجوه – في السياسة والإعلام والحكم والإدارة والدين والحياة اليومية المرهقة والآمال المنعقدة على القادمين (لا سيما الذين كانوا يتكلمون تحت شعارات إنقاذ المظلومين والشهداء والسجناء الخ)، وهو يرى "الزعل العربي" و "الزعل السني العراقي" و "النفوذ المتعاظم الإيراني"، وكل هذا في حالة صراع بأشكال مختلفة، وتحت مظلة احتلال له برنامجه الخاص هو الآخر.

تغير عقدة إيران
هذا "التغير" طال سنة العراق أكثر من شيعته، فقد تحولت إيران:

من "جار بغيض" إلى "جارة السوء" / أي – من فعل سني عراقي سلبي ضد إيران إلى فعل إيراني ضد العراق

من "بلد مجاور أي خارجي" إلى "بلد متنفذ في الداخل أو محتل" / أي – من بلد مأمون الشر بالحدود الفاصلة إلى بلد يشيع "السوء" عندك بنفوذه أو احتلاله (يسمي البعض الحكومة العراقية حكومة الاحتلالين)

من "بلد يشترك مع الشيعة في المذهب" إلى "بلد مسيطر على الشيعة محرك لهم" / أي – بعد أن كان ممكناً وضع "الجانب السيء من تشيع إيران الموجود في شيعة العراق" بوضع شيعة العراق "تحت الحذاء" صار الآن هؤلاء الشيعة مدعومين بالقوة الكبيرة لذلك "الجار القوي السيء"

من "بلد انتصرنا عليه يريد الانتقام" إلى "بلد صار يشرع بالانتقام نتيجة نفوذه واحتلاله" / أي – بعد أن وضعنا إيران في حجمها الطبيعي وجعلناها تيأس من تحقيق النصر (وهو ما يسميه البعض انتصاراً ترديداً للإعلام البعثي المضحك الذي لا يخجل من أن أهداف الحرب التي شنها نظامهم هم كانت "إسترداد حقوقنا في الأرض والمياه" وهو ما لم يحصل، ولكن حصل الخراب والدمار والقتل الذريع) صارت الآن تقوم بالانتقام فعلاً من خلال النفوذ أو الاحتلال بأيدي عملائها من الشيعة

من "إيران / العجم (ما قبل الحرب سنة 1980)" إلى "بلاد الفرس المجوس (بعد الحرب)" إلى "بلاد الفرس الصفويين" / أي – مرحلة أعلى مما قلته أعلاه، لأننا بدأنا نخرج إلى مساحة "المذهب" وهو ما يخرجنا إلى ما هو أبعد من العراق، وبما أنهم "صفويون" فإنهم: يحتلون العراق + يشيعون التشيع الصفوي (هذه من مفردات الحياة اليومية الآن) + ينتقمون من أهل السنة

من "بلد له طموحات امبراطورية شاهنشاهية" إلى "بلد له طموحات امبراطورية شيعية صفوية أو مشروع صفوي" / أي – أبعد من الفعل الصفوي خارج إيران إلى داخل العراق إلى "الفعل الصفوي أبعد من حدود العراق" ما يعني "شمول الشيعة العرب أينما كانوا بهذه المعضلة"، وهو ما يأتي بمقابلهم "السنة العرب" ليصبحوا "أقرب إلى سنة العراق من شيعة العراق" لأنهم "يتعرضون لتهديد مشترك"

هذه النتائج تعني شيئاً واحداً:
جميع من يرتبط مع إيران، بأي صفة من الصفات أعلاه – عجم، فرس، صفويون، شيعة – يشترك معها في مشروعها الصفوي لتكوين امبراطورية فارسية معادية للعرب تستخدم الغطاء الشيعي الصفوي وسيلة لتحقيقه، وبما أنها "تحتل" العراق وبما أن القوى الشيعية من المرجعيات الدينية إلى العلماء الأدنى إلى الأحزاب إلى القوى الفاعلة الأخرى "عملاء" عندها، فإن شيعة العراق – كونهم واقعين تحت سلطة هذه القوى الشيعية بشكل أو بآخر – هم "جزء من المشروع الإيراني الفارسي الصفوي المعادي للإسلام والعرب"، أي "معاد للإسلام السني + العرب كل العرب"؛

وعليه يجب مقاومته بكل وسيلة ومن أولها "التحالف مع السنة العرب في كل مكان" ما يعني (1) "قبول مساعدتهم، بل طلبها" (2) "قبول القيام بما يطلبونه مقابل ذلك، إذ لا عطاء دون مقابل" وهذا "يأتي بقوى الوهابية المتوحشة وغيرها" كما "يأتي بتخفيف العداء مع العدو المركزي إسرائيل لأنه عدو مؤجل" إضافة إلى "التفاهم والتحالف والتعاون الكامل مع القوة الوحيدة التي تستطيع لجم إيران، الولايات المتحدة الأمريكية" ولا يهم أن تكون من ضمن حكومة "الاحتلالين" فإن الاحتلال الأمريكي يهون أمام الاحتلال الإيراني المرتبط بـ "العقدة" ذات الرؤوس المتعددة – قومية وطائفية وتاريخية وجغرافية (ومصلحية آنية للبعض).

نعم، هناك فرز بسيط لمن يسمونهم "الشيعة العرب الأقحاح" بعيداً عن هذا التوصيف المعادي بشكل حاسم، وهو فرز يضعون له ضوابط ربما لا يخرج ناجحاً منها إلا أقل القليل وهم الذين لا بد وأن يقدموا شهادة واضحة على موقفهم بأن لا يتكلموا إلا مع إعلان الموقف المعادي لإيران والاحتلال الصفوي وعملاء إيران جميعاً (وهذا يعني بالضرورة أن يكون معادياً لبشار الأسد وثورة البحرين والحوثيين الخ) – بعبارة أخرى: أن يتصرفوا كما كان يتصرف الشيعي البعثي قبل 2003.

وهكذا: تغيرت "عقدة سنة العراق من إيران"، باتجاه الاشتداد والترسخ، بحيث صارت مستحكمة لا يمكن التخلص منها إلا بمعجزة، بل معجزات.
 
عدم وضوح الرؤية حول إيران
هذا هجم على عقدة إيران عند شيعة العراق، جميعهم أو أكثرهم.

كما ذكرت قبل، كان الكثير من شيعة العراق يحملون إيران مسؤولية الكثير من الدمار ومئات الآلاف من ضحايا الحرب العراقية الإيرانية لأنها رفضت إيقافها على الرغم من المحاولات الكثيرة للجهات الإقليمية والدولية، وبالتالي لم تكن إيران تمثل جاراً صديقاً أبداً، وبالتالي فإن دخول الإيرانيين بعد 2003 غير مرحب به.

غير هؤلاء من عنده حساسية قومية من الإيرانيين لا يرحب بهذا الدخول الإيراني. من هؤلاء مرجعيات دينية، بعضها يتمتع بجمهور واسع وبعضها ليس كذلك (بعضها مشكك بارتباطاته من قبل الأعداء والمناوئين والمنافسين).

الكثير من الشيعة العلمانيين، أو ذوي الاتجاه العروبي، لا يرحبون بإيران الإسلامية دولة ولاية الفقيه، لا سيما والتصريحات التي تصدر من هذا المسؤول الإيراني أو حتى بعض العراقيين تتوجه بالخطاب إلى العراقيين من "ولي أمر المسلمين" بمعنى "ولي أموركم أيها العراقيون الشيعة"؛ ومن يتذكر الفذلكة في تسويق مرجعية السيد خامنئي في منتصف التسعينيات أنه مرجع للشيعة "خارج إيران" فإنه يحتمل كم أن هذا مزعج لملايين الشيعة الذين يقلدون مراجع معتبرين خارج إيران، في نفس الوقت الذي يزعج العروبيين من الشيعة لأنه يقول أن شيعة إيران أعلى مستوى من أن يمكن التلاعب بمرجعياتهم الإيرانية في داخل إيران بينما الشيعة العرب يمكن شطب مرجعياتهم كائناً ما كانت ومهما كانت أعلى فقهياً من السيد خامنئي واعتبارهم – رضوا أم لم يرضوا – تحت "ولاية ولي أمر المسلمين" فقهياً أو سياسياً أو الاثنين معاً.

في المقابل، يرى الشيعة هذا "الزعل السني العراقي + الزعل العربي" والذي صار يأخذ شكل القتل على الهوية والتهجير تحت طائلة التهديد والتفجيرات والمفخخات والانتحاريين والتصريحات الطائفية المعادية (بعضها في مؤتمرات تحمل اسم أهل السنة)، وجلـّه على أساس طائفي واضح – أن للجنبة الطائفية للتغيير الحاصل في العراق أو للجنبة السياسية للتغيير والذي لا يريد حكام العرب له استقراراً. فماذا يفعلون؟

يذهبون إلى المرجع الأعلى فيأمرهم بالصبر، بل وعدم اللجوء إلى أخذ الحق إلا من خلال القانون. ولكن القانون غير موجود، والدولة غير موجودة، فماذا يفعلون؟

يقتلون على الهوية فيعلن المرجع الأعلى المضي في طريق الصبر "حتى ولو قتل نصف الشيعة".

طبعاً المرجع يتصرف بناء على مسؤوليته الشرعية وحكمته، فيقول لبعضهم مرة أنهم ليسوا أكثرية بل أقلية! فيعترضون ويتساءلون، فيجيبهم أن لا ينظروا إلى العراق وحسب ولكن إلى المحيط العربي السني – وهو معاد بطبيعة الحال.

فإذا أضفنا إلى المحيط العربي الواقع التركي، والذي بدأ احتضانه للتوجه الطائفي عند بعض سنة العراق منذ 2005 إذ عقد مؤتمر بإسمهم علناً. اليوم لم يعد هناك شك في التوجه المذهبي – إن لم يكن الطائفي – للحكم في تركية.

فمن بقي لشيعة العراق غير إيران؟
إذا كنت تحب إيران فلا مشكلة معها – أي لا عقدة معها.

إذا كانت مشاعرك محايدة فإن مصلحتك تدعوك إلى عدم التفريط بالظهير الوحيد المتبقي.

حتى إذا كنت معادياً مبغضاً لإيران، فإن مصلحتك في بقاء قوتها الفاعلة قبالة الهجوم الطائفي المستمر دون هوادة.

نعم، يبقى هناك من يعتقد أن النفوذ الإيراني هو الذي يأتي بالطائفية من الجانب الآخر. وربما هناك من يعتقد أن إيران نفسها تقف وراء الطائفية أو نصفها على الأقل.

ولكن هذين الصنفين يعلمان علم اليقين – إذا كانا من صنف العقلاء – أن ما يعتقدانه أو يشعران به لا ينفع شيئاً في درء الخطر الداهم من القوى الطائفية الفاعلة، والتي صارت تتحكم بسنة العراق بحيث لا يستطيعون التصرف بعيداً عما تريد. لعل الجميع يتذكر كيف أن "السعودي" بن لادن قام بتعيين "الأردني" الزرقاوي أميراً على العراق!

على أن هذا يتم بسرعة كبيرة أولاً، ووسط نقمة شديدة جداً على شيعة السلطة ثانياً، وبالتالي لا يساعد – كتحصيل حاصل – على أن يكون هناك وضوح رؤية تجاه إيران، في واقع نفوذها المتعاظم داخل العراق كما في ما يقبله هذا الشيعي العراقي من "دعم" أو "حماية" من إيران إزاء الهجمة الطائفية المعادية، لا سيما وهو يعلم أن مثل هذه الدعم أو الحماية إن تمت فإنها لن تكون مجانية ولا مؤقتة.

لكن في نهاية المطاف، هناك خط فاصل للشيعي العراقي:
إذا وصلت السكين إلى الرقبة هل هناك مجال لاختيار الداعم والناصر والمنقذ؟

إذا كانت السكين تنطلق من أرضية فكرية عقدية تقول أن هذا الشيعي هو أسوأ خلق الله، وأنه حلال الدم والمال والعرض، هو وأهله وأطفاله ومقدساته وكل شيء يتعلق به، فإن المصالح المشتركة والتعايش مع العراقيين السنة واقع تحت التهديد المباشر من أولئك التكفيريين الذين لا يرعون حرمة حتى لأهل السنة فيما إذا خالفوهم.

وهذا كان سيهون لو أن العراق هو هدف لهؤلاء تنتهي معه المشكلة، وبالتالي إذا تم طردهم من العراق بشكل أو بآخر فإن القضية تنتهي. إلا أن هؤلاء لا يرون العراق أكثر من ولاية أو مجموعة ولايات في دولة الخلافة، وعندها فإن السني العراقي ليس حليفاً شريكاً بحيث أن التفاهم بين شيعة العراق وسنته ينهي الأمر، بل هو أحد الرعية الذين يجب أن يخضعوا لقوانين هؤلاء الهمج.

وهكذا صار الشيعي العراقي "مكرهاً أخاك لا بطل" بخصوص إيران. مهما تكون خطط إيران، فإنها لن تقتل الشيعي العراقي على التشيع، ولن تضطهده مذهبياً في عباداته وممارساته الدينية.

ومن يعترض على هذا فإني أدعوه لتصور سيناريو نقل إيران من جوار العراق إلى منطقة أخرى من العالم، أو تحول إيران إلى المذهب السني، هل يجد صورة غير صورة الدبابات والمدرعات والطائرات تدك المحافظات العراقية الشيعية، وبعد بضع ساعات من بدء هذا السيناريو المفترض؟

تبقى نقطة غاية في الأهمية:
إيران هي اليوم قائدة محور المقاومة ضد إسرائيل، لا يشك في ذلك إلا من أعمى الله بصيرته بسواد الطائفية (وإن كنت أظن أن معظم الذين يرفضون هذا إنما يفعلونه من دافع العداء ليس إلا، لأنهم يعلمون الموقف الثابت منذ 35 طيلة عمر إيران بعد الثورة من فلسطين وإسرائيل، حتى أن الصواريخ الإيرانية صارت تضرب المدن الإسرائيلية، وهي التي أوصلها مقاومو حزب الله حلفاء إيران العرب وطور بعضها مقاومو فلسطين في غزة)،

وهذا يجعل من الشيعي في فسحة من الحال يستطيع التخفف قليلاً من العقدة وما تسببه من حاجة للمجاملات والحديث بأنصاف الجمل، حتى بالتهجم على إيران دون سبب في بعض الأحيان (أعترف أني – انطلاقاً من الواجب الشرعي تجاه الآخرين – أقوم بهذا كثيراً، لأن حجم الهوس المعادي لإيران، وإطاره الطائفي – صراحة أو خفية – لا يصدق، تعرف من السباب والتهجم والاتهامات والافتراءات التي تصلني في رسائل ردود، إضافة إلى خفة العقل وغياب المنطق، مع شيء من الرقاعات عند البعض).

كما أن إيران اليوم قوة عظمى صغيرة، قوتها هذه ليست فقط من التطوير العسكري والتكنولوجي والاستقرار السياسي، ولكن من حقيقة أنها لا تتنازل شعرة عن أي شيء يتعلق بحقوقها القومية العليا. فهي مثلها في هذا مثل تركية عندما يتعلق الأمر بقبرص أو بحر إيجة أو الأكراد، لا تتنازل عنه حتى ولا إلى أمريكا وحلف الناتو التي هي عضو فيه.

وهذا كله في إطار الدهاء السياسي وطول النفس الإيراني الذي لم يزل يحقق النجاحات تلو النجاحات على الصعيد الإقليمي والدولي.

هذا يجعل الشيعي العراقي يشعر أنه لن يخسر إذا ما وضع رهانه على القوة الإيرانية، خصوصاً وهي اليوم حليف لروسيا والصين اللتين تنطلقان لتعديل ميزان القوى في العالم، وهو ما سيخدم الحلفاء وإيران أهمهم.

وهكذا نخلص إلى القول أنه بالنسبة لشيعة العراق فإن إيران هي اليوم:
(أولاً) الظهير الوحيد الذي لا توجد عنده أجندة طائفية معادية

(ثانياً) الجهة التي لها مصلحة عقدية في العراق – على الأقل ينتظر منها تطوير المراقد المقدسة وليس تدميرها كما سيفعل الوهابيون لو أتيحت لهم عُشر فرصة

(ثالثاً) الجهة القوية المتحالفة مع القوى العالمية المواجهة لأمريكا وحلفائها من الحكام العرب المعادين لشيعة العراق.

ولكن، بسبب عدم وضوح الرؤية من جانب، وعدم الانعتاق من الماضي القريب المعقد، والأمل في تسوية الأمور في الوطن الواحد وما يحتاجه من عدم إثارة الشريك السني إذا ما أظهر الشيعي ميلاً لإيران، فإن الشيعي العراقي لا يزال:

يعيش المجاملة في طرحه وقوله وفعله عندما يصل الأمر إلى إيران... وهذه هي العقدة كما كانت، والتي خفت من جانب نتيجة التغيير السياسي الهائل، ولكنها قويت من جانب نتيجة ما ذكرناه من عدم ارتياح للنفوذ الإيراني المتعاظم كما للرفض السني القاطع لهذا النفوذ.
 
نقطة جانبية / تبادل المواقع!
مثلما كانت سنة 1979 سنة فاصلة في مسار الدولة العراقية وتعاملها مع شيعة العراق، فإن سنة 2003 سنة فاصلة  في مسار الدولة العراقية وتعاملها مع شيعة العراق وسنته.

فقد صار موقف السنة بعد 2003 نفس موقف الشيعة قبلها – الشكوى من التهميش والإقصاء والسجون والقتل والتعذيب والطائفية.

ولكن ينبغي القول أن شيعة العراق لم يصدر منهم ما ينادي بتقسيم العراق كحل للخلاص (إلا من بعض الأصوات الضعيفة التي لم تكن في الواجهة السياسية)، كما لم يعقدوا المؤتمرات باسم الشيعة (مثلاً سنة 1986 عقد "مؤتمر نصرة الشعب العراقي" في طهران الشيعية، ثم مؤتمر بيروت وفيينا وصلاح الدين وأخيراً مؤتمر لندن وكلها باسم المعارضة العراقية)، وعندما دعى السيد عبد العزيز الحكيم إلى إقليم الوسط والجنوب بعد 2003 بقليل وهاج عليه أهل السنة ومعظم الشيعة فإنه تراجع وانتهى الأمر.

إلا أن الموقف السني كان مختلفاً، لأنه بمجرد أن تغيرت الأمور صار الحديث طائفياً، فتشكلت "هيئة علماء أهل السنة" ثم قيل لهم فيها فقلبوها إلى "هيئة علماء المسلمين في العراق" (ونعرف مآلها طبعاً)؛ وعقد مؤتمر نصرة أهل السنة في اسطنبول. وكان صادماً حقاً المطالبة بالفيدرالية وحتى التقسيم قبل سنة عندما تأزمت الأمور بين حكومة المالكي والمحافظات السنية، لأنه يصدر من أهل السنة الذين أداروا الدولة العراقية عشرات السنين فكيف يكونون هم الذين يدعون إلى تقسيمها؟ وعلى الرغم من الشكوى من الإقصاء والتهميش والظلم – وهو واقع فعلاً على السنة – فإنهم لا يزالون يرفضون رفضاً قاطعاً وجود أي ظلم خاص على الشيعة أيام النظام الساقط!

فهل لهذا صلة بـ "العقدة" من إيران؟
نعم. لأن وجود النفوذ الإيراني القوي في العراق، والذي يسميه الكثيرون من أهل السنة "إحتلال" بل "الاحتلال الصفوي"، والذي يقف في ظهره ألف وأربعمائة كيلومتر من الحدود الإيرانية، أي إيران ذاتها، يعني أن الحكم الشيعي في بغداد لا مجال لإسقاطه، وبالتالي فإنه "لولا إيران لكان ممكناً العودة إلى ما قبل 2003"، وعليه فإن البغض والحقد والعداء لإيران اشتد كثيراً لهذا السبب، وكما قلت لا يرجى زواله إلا بمعجزة.

إنتهى


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع