الأقباط متحدون - قصة البؤساء الأقباط!
أخر تحديث ٠٦:١٨ | السبت ١٣ ديسمبر ٢٠١٤ | ٤كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤١٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قصة "البؤساء" الأقباط!

بقلم منير بشاى
 فى سنة 1862 نشر فيكتور هوجو روايته الشهيرة "البؤساء"  Les Miserables وهى تعكس حالة المجتمع الفرنسى فى الفترة التالية لسقوط نابليون حيث انتشر الفساد وغابت العدالة.  والرواية تتناول بالتحليل عددا من الشخصيات تعبّر عن نمازج بشرية فى الحياة لتلك الفترة.  من هؤلاء كانت شخصية بطل الرواية جان فالجان وهو رجل فقير سجن بسبب سرقة رغيف خبز ليقتات به هو وعائلته.

 ونتيجة السرقة حكم عليه بالسجن 5 سنوات امتدت الى 19 سنة بسبب محاولته الهروب المتكرر من السجن.  وفى مقدمة الرواية يذكر هوجو هدفه من الرواية، ومنها هذه الكلمات "تخلق العادات والقوانين فى فرنسا وضعا اجتماعيا هو نوع من الجحيم البشرى.  وطالما توجد لا مبالاة وفقر على الارض تصبح هناك ضرورة لمثل هذا الكتاب"
 وما اشبه اليوم بالبارحة...

وما اشبه فرنسا 1862 بمصر 2014.
وما اشبه بؤساء فرنسا ببؤساء أقباط مصر.
 وما اشبه جان فالجان بعبد المسيح عزت.

 عبد المسيح عزت طفل قبطى يبلغ من العمر عشرة سنوات يعيش فى بلدة الفشن بمحافظة بنى سويف مع اسرته التى تتكون بالاضافة له من الاب والام وثلاثة اشقاء: مينا (19 سنة) ومارينا (15 سنة) وماريا (4 سنوات).
 الاسرة فقيرة ولكنها تتمتع بسمعة طيبة بشهادة الجيران من المسيحيين والمسلمين.  وتقول الجارة رشا احمد انها فى مرة فقدت حافظة نقودها وبعدها فوجئت باحد افراد الاسرة يردها بعد ان وجدها ملقاة فى الشارع.

 مثل جان فالجان وجد عبد المسيح نفسه جائعا. ولم يكن الخبز بعيدا عنه لأنه كان يعمل فى مخبز بلدى.  فاخذ عبد المسيح خمسة ارغفة وقبل ان يذهب بها  للمنزل أمسك به صاحب المخبز وسلمه الى مركز الفشن وحرر محضر فى مايو 2013 بسرقة الخبز.  أحاله المركز الى رئيس النيابة التى امرت باحالته الى مؤسسة الاحداث لعمل تحرى.  وفى النهاية ابلغت النيابة اسرة الطفل ان القضية حفظت وخرج عبد المسيح من عند النيابة بدون كفالة.
 ولكن بعد فترة فوجىء أهل عبد المسيح ان القضية ارسلت الى المحكمة التى حكمت غيابيا عليه بايداعه فى سجن الاحداث لمدة عام لسرقته خمسة ارغفة.  واضطرت الاسرة للاتصال بمحامى ورفع قضية لاستئناف الحكم.  وفى يوم الخميس الماضى حكمت المحكمة ببراء عبد المسيح  بعد ان قرر صاحب المخبز سحب دعواه.

ولكن القضية التى استغرقت عاما وسبعة اشهر تعكس مأساة الفقر والحاجة التى يعانيها بعض ابناء مصر وخاصة من الأقباط. وهى تعكس ايضا تخبط قضاؤنا الذى ما كان يجب ان يضيع دقيقة واحدة فى مثل هذه القضايا بينما لا يهتم بمجرمو الفساد الذين يسرقون الملايين.
 جميع الاديان تتعاطف مع الجائع خصوصا اذا كان يعمل فى تجهيز الطعام. فى زمن المجاعة امر الخليفة عمر الخطاب بوقف العمل بحد السرقة.  وفى التوراة يوصى الله ان "لا يكم ثورا دارسا" وفى العهد الجديد يشير الرسول بولس الى هذه الوصية ويقول انها كتبت مثالا لنا حتى نعطى العامل من ثمرة تعبه. والمثل الدارج يقول "طباخ السم يدوقه".

 قصة بؤساء فرنسا كانت السبب وراء نشر رائعة فيكتور هوجو "البؤساء". فيقول هوجو: "وطالما توجد لا مبالاة وفقر على الارض تصبح هناك ضرورة لمثل هذا الكتاب".  ولكن "البؤساء"  رواية من نتاج خيال كاتب.
أما بؤساء مصر فهى قصص حقيقية لم يسطرها كاتب بل هى نمازج بشرية حية يعيشها اناس حقيقيون ويكتبون تفاصيلها ليس بالقلم والحبر ولكن بالعرق والدم والدموع.

 الظروف التى حفزت هوجو الى كتابة روايته تتكرر حيثما وجدت اللامبالاة والفقر فى الارض.  ونحن نرى اليوم اللامبالاة فى من يتمتعون بالغنى الفاحش ويزيد الطعام عن حاجتهم فيلقونه فى سلة القمامة.  اما الفقر فنجده فيمن لا يجدون حتى الخبز  ليملأوا به بطونهم الخاوية.
 ايها المسيح يا رب عبد المسيح: انت عندما رأيت الجموع اشفقت عليهم وقلت لتلاميذك اعطوهم ليأكلوا ولم تشأ ان تصرفهم جياعا لئلا يخوروا فى الطريق.  ولما لم يكن مع التلاميذ مال او طعام غير خمسة خبزات وقليل من السمك امسكت بالخمسة خبزات وباركتها ووزعتها على الآلاف من الناس فأكلوا وشبعوا وفاض من الطعام الشىء الكثير.

اللهم امسك بهذه الخبزات الخمسة التى كادت ان تودى بعبد المسيح الى السجن وباركها كما فعلت منذ ألفى عام واشبع بها كل جوعان فى ارض مصر.
العبارة التى قالها السيد المسيح ان "الفقراء معكم فى كل حين"  لم تكن قبولا لظاهرة الفقر فى العالم، بل كانت ادانة لكل انسان يساعد على الفقر فى كل جيل.

Mounir.bishay@sbcglobal.net

  الطفل عبد المسيح عزت

 
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter