1- على ورق أزرق..

سيدة القلب وآمرته..

أكتب لك بحبر القلب على ورق أزرق وليس على «الواتس أب»، أكتب لك بمودة الكلمات الرحبة وليس الحروف «المهيبرة» فوق شاشة صماء، أكتب لك بالنقطة والفصلة والهمزة والألف الممدودة وكلها حروف مغموسة فى الحب المجرد منزوع الغرض أو الأنانية. أكتب وأراك على الصفحة البيضاء بمخيلة المحب وشوق العاشق، أكتب وعيناك تقفزان فوق السطور بشقاوة طفل، وما أنت سوى طفلة بالغة تكور صدرها، أكتب وأتمثلك أمامى بخصلات شعرك الفحمى الذى أفضله لوناً، أكتب وأكاد أشم رائحة برفانك المفضل يعبق المكان، إلى هذا الحد، مدى حضورك الطاغى، هاأنذا أكتب لك من قاع الروح لا من دقات الأصابع فوق حروف لا تعى ما أقول.

هل فاجأتك رسالتى الورقية لأنها جاءت فى زمن الكراهية وجفاف الرومانسية؟ ربما لم تؤهلى نفسك لاستقبال رسالة على عنوان بيتك داخل ظرف مغلق يحمل اسمك ومكتوب عليه «شكراً لساعى البريد»! أنا مثلك لا أعرف إن كان هناك «ساعى بريد» ومن هو الآن «مرسال المراسيل»؟ ومع ذلك يهبط عليك خطابى المعنون فى لحظة غير متوقعة وتعرفين المراسل جيداً، فالخط «الرقعة» الذى أكتب به محفوظ فى ذاكرتك، تصورى أنى أحدثك عن الخط الرقعة والنسخ فى زمان مادى يدعى الخصوبة وهو عاقر، يدعى حب اللغة العربية وهو مدان بالتنكر لها، فقد اخترع لغة جديدة يتفاهم بها، مزيج من الروشنة والصياعة، أما أنت فرغم أنك ودعت الثلاثين بقليل فلاتزال لغتك العربية محفوظة ومصانة ومجبورة الخاطر، ولايزال للكلمة طعمها ومذاقها وجرسها الموسيقى ولهذا نتواصل ونلتقى ونلتحف بغطاء اللغة، أظن أنك تمسكين بخطابى وعيناك تصافحان الكلمات وأنت تستقبليننى فى «بلاطك السامى»، هاأنذا أبث أشواقى النازفة من قلمى الموصول بقلبى ليزف حنينى إليك، وكيف أعبر عن الحنين بالموبايل؟ هل بضغطة طويلة على حرف النون؟ لا، ولكن بكلمة شوق تلفح وجهك وتلثم خديك، هل يملك صهيل القلب المشتاق؟ وأجزم حبيبتى أنه لن يؤثر فيك مهما مددت الحروف بحركة بهلوانية لأعبر لك عن الشوق الساكن، أنا بعد يا سيدة القلب لا أزال أحيا فى زمن الموال والدور والتواشيح وصهللة الغناء والكتابة بالقلم الفلوماستر، ولا أشق بدفء الحروف إلا فى حضنها الحقيقى.. الورقة. مازلت أكتب بقلمى وأدخل المكتبات كلما سافرت باحثاً عن أقلام تتدفق فوق الورق وتشرب من نبع صفائه، أنا لا أطمئن لدفقة المشاعر التى تحملها كلماتى فوق أجنحة الشوق إلا إذا سكنت الورق حيث يستفز فراغها الأبيض قدراتى على العناق، أكتب بحبر القلب الذى لا يجف، ومن نبع الحب الذى لا يجف، ومن بحيرة الإحساس الذى لا يجف، أكتب رسالتى بخط يدى، قد أنسى نقطة وقد أتجاهل همزة، قد أنصب الفاعل، هذا لا يهم مادمت أحبك. «المخلص: ميم».

2- ماذا فعلت التكنولوجيا؟

سيدة القلب وآمرته..

ماذا فعلت فينا التكنولوجيا يا حبيبتى؟ سهلت أمورنا واختصرت وقتاً مهدراً، وفى المقابل ذبحت الحميمية بسكين الإيقاع اللاهث السريع المجنون وتجسست علينا، ابتلعت فى جوفها الخصوصية، فما عادت لنا خصوصيات، صار الناس يتراسلون بكلمات لا هى بالعربية ولا هى إنجليزية.. إنما مزيج غريب ولغة ثالثة اخترعناها، ولأن الموبايلات من فصيلة الآلات الذكية فقد تسعفك بإكمال عبارة تود أن تقولها أو حرف تتعثر فيه، وصار من السهل دعوتك لدفيليه أو فرح أو معرض أو حفل توقيع كتاب على الموبايل برنة خاصة، وأيضاً رسالة غرام ليس فيها غرام، وكلمات غزل تخلو من ملاحة الغزل وعبارات أشواق منزوعة الشوق! وأنا - يا آمرة القلب - رجل أضيق بلغة الواتس أب القصيرة الموجزة المبتورة الصاعقة، أنا لا أحب الرغى والثرثرة ولكنى أتوتر من لغة الأوامر، صحيح الرسالة فى نفس الثانية ولكن دون حميمية، أنا أفضل الرسالة الصوتية أكثر لأنها اللحم والدم والصوت، جسر للتلاقى، وربما أميل إلى التليفون الأرضى حيث لا يحتاج الأمر إلى «شحن أو رصيد»، وعندما كنت فى عمان الأردن اشتريت «سماعة تليفون أرضى»، يمكن أن أوصلها للموبايل وتعطينى طعم الزمن الجميل! نعم إلى هذا الحد، أحب التليفون الأرضى المهجور، القابع بجوارى بكبرياء ولا يقبل التوسل ولا يشعر أن الموبايل ألغى زمانه!

يقول البعض عنى إنى «قديم»، نعم أنا من جيل المنفلوطى ونزار قبانى، جيل جدول الضرب والليل لما خلى وجفنه علم الغزل، جيل يا ظالمنى، وجددت حبك ليه، أحب وأنا أشرب فنجان قهوتى أن أرى «الكنكة» وصب القهوة بوش فى الفنجان، تصدقى بالله - يا شهد عمرى - إنى فخور بأنى قديم، أخلاقنا الجميلة كانت بالأمس، تعاملاتنا النفيسة والشريفة كانت بالأمس، أفلامنا الجميلة الخالدة كانت بالأمس، مسرحنا المحترم المؤثر فى جماهيره كان بالأمس، الحب والود والخصام والعتاب واللقاء كان بالأمس، يخيل لى أن الدمع احتبس فى مآقى العيون التى ما عادت تمطر يخيل لى أن الود صار بالأجر، يخيل لى أن العتاب صار عملة نادرة بعد أن كان العتاب بحجم الحب، العتاب تلك الطرقات الناعمة على باب القلب، باب المحبوب ليفتح ويصفح ويغفر، اختصرت التكنولوجيا حياتنا، فالناس لا يتزاورون، والأهل لا يتقابلون مادام هناك «SMS». الناس يلتقون على شاشات الموبايلات الذكية والغبية وقد يرون بعضهم البعض فى «التانجو» أو «سكاى»، فما مبرر الزيارة وعذاب المرور والرؤية بالعين والمصافحة باليد والحضن بالأذرع واللمس بالأصابع؟ ما عادت زيارة الأهل من الواجبات وصارت sms رسول الرسائل واللوعة والهيام، وانكمش الناس لدواع تكنولوجية!! عشت لى، أراك وتريننى، أصافح عينيك، ألثم خديك، أعانقك تبكين على صدرى، تقرئين فنجانى المقلوب، نتواصل من قرب، تطمنيننى بعودتك على الموبايل فقط، دعينا نستخدم أدوات التكنولوجيا ولا تستخدمنا، سيظل الشوق شوقاً واللهفة هى اللهفة، القبلة هى القبلة، مهما استفحلت التكنولوجيا، ووحشتينى «المخلص: ميم».

3- الاحتياج..

سيدة القلب وآمرته

لاحظت - يا عمر العمر - أن بعض الناس يملكون متعة الحنين إلى الماضى، إنهم لا يتجاهلون «الحاضر» لكنهم يتعاملون معه بحذر بعد أن انتشرت موجات الإلحاد والكراهية، بعض الناس صاروا يشمتون ببعض الناس، يكرهون الخير للآخرين، بعض الناس قلوبهم أسود من لون الحبر، بعض الناس شرور على قدمين، بعض الناس ينام الحقد فى شرايينهم، بعض الناس مولودون من رحم الغل، ولذلك يهرب الناس إلى أم كلثوم وحليم وفريد ونجاة وفايزة وليلى مراد وهدى سلطان وأفلام الأبيض والأسود لعلها السلوى فى ليل نخاف فيه من الغد أو نهار نخشى فيه الليل!

يبدو أن الحاضر كان قاسياً، فارتموا بين أذرع الماضى بأصالته وعفويته وجماله وتنوع ثقافاته، تغير ذوق الناس، ولهذا لن يسقط الجورنال الورقى فى الشبكة الإلكترونية ولن يختفى، وسيظل لتقليب صفحات الجورنال أو المجلة ذلك الصوت المميز، ستظل الموسيقى العربية هى مرجعية النغم، أنت قد طلبت منى شريطاً لأغانى ليلى مراد خصوصاً أغنية «يا حبيب الروح فين أيامك»، هاأنذا أرسله إليك يا حبيبة الروح، وبالمناسبة، كتر خيرك يا غالية لسؤالك عن أمى، لقد راحت أخلاق السؤال فى غياهب الفوضى غير الخلاقة، زمان، كنا نحمى سفاراتنا الأجنبية من المظاهرات، اليوم تغلق بعض السفارات أبوابها تحسباً لإرهاب متوقع دون أن ننتبه أن إغلاق السفارات هو إرهاب الجيل الرابع من الإرهاب، الآن، لا أحد يسأل عن أحد إلا قليلاً، كل إنسان تمركز فى نفسه، واعتبر ذاته مركز الكون فسقط فى براثن الاكتئاب، صرنا نحيا فى زمن المهدئات، الكل يصيح فى وجه الآخر، تفتح التليفزيون تسمع فى المسلسلات قاموس شتائم، تنام فى المساء على صراخ وبهتان. الوجوه كالحة ومزورة، صار الأمل والأمنية أن نعيش داخل خميلة سكون أو صدفة محبة، لكن هذا الأمل صار عزيزاً وبعيد المنال، نعم إنه زمان الكراهية، فهل انسدت مسام القلوب كما تنسد البلاعات؟ هل نحن «أولاد الكراهية»؟ فالحب بين الناس شحيح والحب بين العشاق مفخخ، والحب بين الآباء والأبناء مشروط، فما عادت «السلطة الأبوية» حاكمة، سقطت شرعيتها يا ولدى فى ميدان الفوضى والحقوق.

حبيبة أيامى: خطك المنمنم الجميل بأخطائه اللغوية ولوى حرف العين يحرضنى على البوح، البوح بهزائمى لك قبل انتصاراتى، فأنت أجمل «احتياج» فى حياتى، أليس الحب اجتياحاً لآخر يمضى معه على الطريق؟ إن رسمك لحروف اسمى يصيبنى برعشة الاحتياج لكل ما فيك من ثمار الروح والجسد، أشعر ساعتها أنى خارج خريطة هذا الزمن البائس، أطير بجسارة نسر وأحط على موانى الفرح، هل يروق لك أن نلتقى فى «جنينة الشاى» فى حديقة الحيوانات؟ هل لاتزال فى رونقها أم كرمشت بفعل الزمن والأحداث؟ أريد رؤيتك لأنى «أحتاج» إلى مقابلة نفسى، أريد أن نتناصف الكلام والثرثرة والصمت والتأمل.

عشت لى مرايا صادقة، أرى فيها نفسى منزهة عن المبالغة والغش، عشت لى تعزفين من صوتى مكمن الوجع والآهة المكتومة.

«المخلص: ميم».

نقلا عن المصري اليوم