أكتب هذا المقال يوم الجمعة أمس الأول والمياه مقطوعة عن معظم مبانى مدينة نصر منذ الفجر، ولا أدرى هل ستعود المياه قبل صلاة الجمعة أم لا ؟ على أية حال وبعد الصلاة، لم تعد المياه حتى كتابة هذه السطور اللقاء الذى أعنيه، هو لقاء إعلامى مع المستشار هشام جنينة، نشرته «المصرى اليوم» فى يوم 11 من شهر يونيو 2014 ، ولكن تبرز اليوم أمامنا أهمية هذا اللقاء، فى ضوء وضع الاستراتيجية الجديدة لمحاربة الفساد، التى أعلنها مؤخرًا رئيس الوزراء محلب.
... وفى ضوء تشكيل «اللجنة الوطنية التنسيقية لمواجهة الفساد» حسب مقتضيات الدستور الجديد، وحتى تسير الأجهزة الرقابية فى اتجاه واحد، بالتنسيق فيما بينها، وتطبيق الاستراتيجية بالتكامل فيما بينهما وتنجح فى مهمتها العظيمة.
وقفت أمام ما نُقل على لسان المستشار جنينة – إن كان النقل دقيقًا – وهى أول جملة فى التقرير المنشور، من أن معظم أفراد الشعب المصرى أصبح «متعايشا» مع الفساد، وينظر له على أنه أمر طبيعى لا يستحق التوقف أمامه ، سواء المواطنين العاديين أو كبار المسئولين الذين يستبيحون حرمة المال العام! ناهيك عن أن هذا الجهاز الرقابى «الجهاز المركزى للمحاسبات» الذى يقوده المستشار جنينة، لا يستطيع أن يقوم بعمله على أكمل وجه فى ظل انعدام مبدأ سيادة القانون ، والاستقلال الكامل للقضاء، وتوافر الحكم الديمقراطى». أعتقد أن كلمة « متعايشًا» هنا غير دقيقة، وربما تكون للإثارة أو جذب القراء، رغم أن تفاصيل اللقاء لا يختلف كثيرًا عن المعنى المطروح فى كلمة « تعايش».
كان من اللافت للنظر، أن أول تقرير للجهاز يرصد مخالفات لم يكن يتم رصدها من قبل، صدر فقط فى عهد الرئيس المستشار عدلى منصور. إذن نفهم من ذلك أن التقارير السابقة فى عهد الرئيس المتنحى، لم تكن كاملة، وأن هناك من كان لا يعرض الواقع السيئ، بل يحسن ذلك الواقع، حتى لا يغضب الرئيس ولا أسرته ولا زمرته، وحتى لا يذكرهم بشىء يشير إلى الفساد من قريب أو بعيد، وهذا طبعًا ليس «تعايشا» من الشعب بل خوفا منه، وسعيًا الى تجهيله. كما جاء فى المقابلة: أن أهم المخالفات التى تم رصدها فى عهد الرئيس المعزول مرسى هى»: تعيين موظفين بالمخالفة للقانون، خاصة تعيين أحد الأشخاص من المحكوم عليهم فى قضية أمن دولة، فضلا عن تعيين بعض أساتذة الجامعات ويتلقون مرتباتهم من الجامعات المعينين بها، رغم توقفهم عن العمل بها، بالإضافة إلى تلقى أجور كمستشارين لرئيس الجمهورية، هذا إلى جانب رصد زيادة فى بند الأغذية والمشروبات فى الموازنة المخصصة لرئاسة الجمهورية.».
كدت أذوب خجلاً من هذا التقرير ، كيف يخالف الرئيس مرسى – الإخوانى الإسلامى - القانون وفى يده تعديل القانون للأحسن، وليس بالإعلان الدستورى الديكتاتورى فى نوفمبر 2012. طبعًا لن يعترف مرسى ولا من فعلوا هذا الفساد بذلك، ولكننا عندما نقرأ هذا الاعتراف عن حكم المعزول ، نعذر الشعب المصرى الذى خرج فى 30 يونيو ، تجديدًا للثورة وأهدافها ومطالبها، وتصحيحًا للمسار بعد ان فقد الثقة فى «الإسلاميين « فى السلطة ، وفقدها فيهم لممارسة العنف من خلال ما يسمى بالتحالف، بعد السلطة.
قرأت المقابلة أكثر من مرة ، لأن الجملة الأولى الاستفزازية التى تصدرت اللقاء ، أثارتنى كثيرًا، ووجدت أن نص الرد المكتوب بالداخل على سؤال عن أكبر التحديات، والمعوقات التى يواجهها الجهاز للقيام بدوره المنوط به يقول: « نسعى لتمكين أعضاء الجهاز من القيام بدورهم على أكمل وجه، لكن ثقافة المجتمع تعودت وتآلفت مع أشكال الفساد، وأصبح الاعتداء على المال العام لا يشكل بالنسبة لهم أى هاجس، وهذا لا ينطبق فقط على المواطنين، بل على المسئولين أيضًا الذين يستبيحون المال العام، ويعتبرون أنه لا يجوز لأحد أن يراقبهم.»رغم أن الفرق واضح بين النصين ، إلا أن الخطر الحقيقى للفساد يصل أو يستشرى فى المجتمع إلى الحد الذى يقول فيه رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات «إن ثقافة المجتمع تعودت وتآلفت مع أشكال الفساد، وأصبح الاعتداء على المال العام لا يشكل بالنسبة لهم أى هاجس».
إن ذلك معناه أن المشكلة والتحدى لم يعد فى الفاسدين فقط، بل انتقل الى المواطنين، العاديين، لم يستثن أحدًا من الشعب، حتى أصبح الفساد « ثقافة مجتمع»، والخطورة الثانية فى هذا الحديث، أن المسئولين الذين يستبيحون المال العام يعتبرون أنه لا يجوز لأحد أن يراقبهم. وإلى الاستكمال فى مقال الأسبوع القادم بمشيئته تعالى.
والله الموفق
نقلا عن الدستور