الأقباط متحدون - مصر هبة العفاريت
أخر تحديث ١٢:٣٧ | الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠١٤ | ٩كيهك ١٧٣١ ش | العدد ٣٤١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر هبة العفاريت

عبدالرحيم كمال
عبدالرحيم كمال

الجن والعفاريت هى حديث كل بيت، وكذلك مقاهى الملحدين وحمامات الشواذ جنسيا، الإعلام ترك دوره، الذى لا يعلمه أحد حتى الآن، واتجه إلى أدوار أخرى، صار مخبرا ومرشدا، ومروجا للخرافة، وداعما للجهل، ونبراسا لكل متخلف، ومنارة لكل أحمق، بإمكانك الآن إن كنت تبحث عن فتح المندل أو قراءة الكف والفنجان أن تجلس أمام التلفاز وتختار قناة من القنوات المحترمة وتتابع باهتمام المواضيع المطروحة على ساحتنا الإعلامية المحترمة، ولا تندهش أو تقشعر أو تقلق أو يرتفع ضغط دمك، فقط اجلس وتعلم كيف تنتهك خصوصيتك وخصوصية عقلك، وكيف يستطيع الإعلام، بكل ما أوتى من إمكانيات وعلوم وتكنولوجيا، أن يهين الكرامة الإنسانية أو يقتحم خصوصية المرضى النفسيين، أو وهو يتطوع بالإبلاغ عن الناس وتصويرهم وتقديمهم لرجال الأمن، بإمكانك الآن عندما تشعر بالضيق من جارك مثلا أو تستشعر فيه اختلافا أخلاقيا عما اعتدت أنت من أخلاق وسلوك أن تتصل بأى مذيع لامع شهير أو مذيعة نجمة ليصنعوا حلقة عنه تعقبها مداهمة من الأمن لشقته حتى تصبح بلادنا ناصعة البياض، وأخلاقنا قويمة، وسلوكنا معتدلا غير معوج، إذا مررت بمدخل الشارع ووجدت مجموعة من الشباب يضحكون بصوت عال فحاول أن تعثر على رقم تليفون برنامج من برامج الهواء الشهيرة لتخبرها بأنك لا تفهم سر تلك الضحكات، وسيأتى البوليس خلال دقائق من مكالمتك لتشميع المقهى وإلقاء القبض على جميع الزبائن الذين يبدو من ضحكاتهم وهمهماتهم أنهم ملحدون ومشركون ويعبدون زجاجات المياه الغازية، ويتمتمون بأسماء أوثان وأصنام عجيبة أثناء تظاهرهم باللعب بالنرد، فيذكرون اسم الإله القديم جوهار سى أو الصنم الشهير هبيك أو الوثن الأشهر دوبارة، أما إذا أوقعك سوء الحظ وسمعت بأذنيك فى المترو أو الميكروباص أو فى أحد الأتوبيسات رجلين يرطنان بالإنجليزية، أو امرأة وصديقتها تتحدثان بفرنسية عجيبة فما عليك إلا الذهاب إلى أقرب قسم لو كنت تطيق الصبر،

أما إذا كانت وطنيتك تفوق حدود صبرك فما عليك إلا أن تقتادهما بيدك من قفاهما إلى القسم بعد أن تأكدت بنفسك أن اللغة التى يستخدمانها ليست لغتك الأم، أما إذا كانت وطنيتك بجلاجل فلتختر مقدم برامج شهيراً تقع فى غرامه وترسل له بفكرة حلقة تجعل المصريين يسهرون للصباح يتابعون المذيع اللامع وهو يحلل هذا الحدث الجلل: رجلان يتحدثان بلغة أجنبية فى مكان عام من أماكن الوطن، وبعد أن كانت مصر هبة النيل وهبة أولادها المخلصين صارت هبة العفاريت، تلك العفاريت التى استباحتنا وأحاطت بنا كل ليلة، واستلبت عقولنا وأنظارنا، وكم من الأخطاء ارتكبت باسم الوطنية والشفافية والكثير من المصطلحات التى نستخدمها وفق هوانا وأغراضنا وأمزجتنا، صار الإعلام الصريح والحر هو ذلك الإعلام الذى يروج للمعتقدات الفاسدة ويخترق الخصوصية ويمارس القهر ويتجاوز حدود الأخلاق والأدب، بينما الإعلام الآخر هو إعلام يدعى التدين ويمالئ الأخلاق وينافقها، إعلام يدعى أنه يحمينا من الشذوذ والعهر، بينما اختراق المواثيق والأعراف والأخلاق المهنية هو عمل مبرر وجيد، ويعتلى منابر الإعلام والصحافة والفن عنصريون متطرفون بل ومرضى أحيانا يستحلون لأنفسهم كل شىء بادعاء الحرية، ويحرّمون على غيرهم كل شىء بادعاء الأخلاق الحميدة، وصارت الحجج التى يسوقها الإعلامى على الحرية هى ذات الحجج التى يسوقها للحفاظ على الأخلاق، وصارت الوطنية هى الحجة العظمى التى يختفى خلفها الصادق والكاذب، والمزايدة على حب الوطن هى شعار حتى أولئك الذين باعوا الوطن عدة مرات أمام أعيننا. وستظل الوطنية أعظم من أن تكون حجة للانتقام، وستظل الأخلاق أجمل من أن تكون حجة للتعالى والاستغلال والتميز، وعلى الإعلامى الذى ينتهج فكرة التشويق بلا ذوق، والظهور بلا معنى، والضجيج بلا طحن، والمزايدة دون فائدة عليه، أن يعى أن تاريخاً من استخدام الفضائح والنميمة لن يخلق فى ذاكرة المتفرج ربع ابتسامة سلوى حجازى الساحرة الصادقة، وأن الوطنية الحقيقية هى مزيد من الاحتراف والجهد والصدق والاهتمام واحترام عقلية المشاهد، وأن الاجتهاد إلى حد الإرهاق فى تقديم حلقة تليفزيونية تنتهج المنهج العلمى، وتنشد مزيداً من الوعى والرقى، أفضل مليون مرة من ادعاء الأخلاق الحميدة، وأن الترويج للخرافة والجهل من أجل التواجد والفرقعة هو لهو وإلهاء يضر الوطن ويفسده، وأن الفساد فى مهن، كالإعلام بكل تخصصاته، لا يقل عن الفساد الاقتصادى والسياسى، لأنه فساد يومى مرئى ومقروء ومسموع، وتأثيره على ملايين فى مصر التى كانت طوال قرون عديدة هبة للنيل، ثم صارت مصر هبة الجن والعفاريت.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع