أجاز الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، سفر المرأة إلى الخارج للعمل إذا تَوَفَّر الأمنُ فى الإقامة بِبَلَد السفر، وذلك بشرط موافقة ولى الأمر، ولا يُشترط اصطحاب المحرم فى حلها ولا ترحالها.
وأضاف الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، فى جوابه على سؤال ورد إلى مجلة الأزهر، ما حكم سفر المرأة للعمل بالخارج مِن غير أن يكون معها مَحرم؟، وأجاب: "يجوز للمرأة أن تسافر بدون مَحرَم بشرط اطمئنانها على الأمان فى دينها ونفْسها وعِرضها فى سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقاتٍ فى شخصها أو دِينها؛ فقد ورد عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخارى وغيره عن عَدِى بن حاتم رضى الله عنه أنه قال له: "فإن طالَت بكَ حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينةَ -أى المسافِرة- تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالكَعبةِ لا تَخافُ أَحَدًا إلَّا اللهَ"، وفى رواية الإمام أحمد: "فَوَالَّذى نَفسِى بيَدِه لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى تَخرُجَ الظَّعِينةُ مِن الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالبَيتِ فى غَيرِ جِوارِ أَحَدٍ"، فمِن هذا الحديث برواياته أخذ جماعةٌ من الفقهاء المجتهدين جوازَ سفر المرأة وحْدَها إذا كانت آمنة، وخصَّصوا بهذا الحديث الأحاديثَ الأخرى التى تُحَرِّم سفرَ المرأة وحدها بغير مَحرَم؛ فهى محمولةٌ على حالة انعدام الأمن التى كانت مِن لوازم سفر المرأة وحْدَها فى العصور المتقدمة.
وأوضح الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن جمهور الفقهاء أجازوا للمرأة فى حج الفريضة أن تسافر بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقاتٍ أو رفقةٍ مأمونة، واستدلوا على ذلك بخروج أمهات المؤمنين، رضى الله عنهن، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحج فى عهد عمر رضى الله عنه، وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن رضى الله عنه.
وذكر الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن الإمام أبو الحسن بن بطال المالكى قال فى "شرح البخارى" (4/532، ط. مكتبة الرشد): [قال مالك والأوزاعى والشافعى: تَخرج المرأة فى حجة الفريضة مع جماعة النساء فى رفقةٍ مأمونةٍ، وإن لم يكن معها مَحرَم، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحجُّ معه نسوةٌ مِن جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصرى، وقال الحسن: المسلم مَحرَمٌ، ولعلَّ بعضَ مَن ليس بمَحرَمٍ أوثقُ مِن المَحرَم] اهـ.
وقال الإمام الباجى المالكى فى "المنتقى شرح الموطأ" (3/82، ط. مطبعة السعادة): [ولعلَّ هذا الذى ذكره بعضُ أصحابنا (أى: عدم خروجها فى حج التطوع مِن غير مَحرَم) إنما هو فى حال الانفراد والعَدد اليسير، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندى مثل البلاد التى يكون فيها الأسواق والتجار؛ فإن الأمن يحصل لها دونَ ذى مَحرَمٍ ولا امرأة، وقد رُوِى هذا عن الأوزاعى] اهـ.
وأكد العلَّامة الحطَّاب المالكى فى "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/523، ط. دار الفكر): [قَيّد ذلك الباجى بالعَدد القليل، ونصه: "هذا عندى فى الانفراد والعَدد اليسير، فأمَّا فى القوافل العظيمة فهى عندى كالبلاد، يَصِحُّ فيها سفرُها دون نساءٍ وذوى مَحارِم" انتهى، ونَقَلَه عنه فى الإكمال وقَبِلَه ولَم يَذْكُر خِلافَهُ، وذكره الزنَاتى فى شرح الرسالة على أنه المذهب، فيقيد به كلام المصنف وغيره. ونص كلام الزنَاتى: إذا كانت فى رفقةٍ مأمونةٍ ذات عَدَدٍ وعُدَدٍ أو جيشٍ مأمونٍ مِن الغَلَبة والمَحَلَّة العظيمة فلا خِلاف فى جواز سفرها من غير ذى مَحرَمٍ فى جميع الأسفار: الواجب منها والمندوب والمُباح، مِن قول مالك وغيره؛ إذ لا فرق بين ما تَقدَّم ذِكْرُه وبين البلد. هكذا ذَكَرَه القابسى. انتهى] اهـ.
ومِمَّا يُبَيِّن أن تَوَفُّر الأمن هو المُعَوَّل عليه عند الفقهاء فى الإقدام على السفر والامتناع منه: أن الإمام مالكًا رضى الله عنه كَرِه سفر المرأة مع المَحرَم الذى يَغلِب على الظَّنِّ قِلَّةُ حِرصه وإشفاقه عليها؛ قال الإمام الباجى فى "المنتقى" (3/82): [كَرِه مالك أن يَخرج بها ابنُ زوجها وإن كان ذا مَحرَمٍ منها، قال الإمام أبو الوليد: ووجه ذلك عندى ما ثبت للربائب مِن العداوات وقِلَّة المُراعاة فى الأغلب؛ فلا يَحصُل لها مِنه الإشفاق والستر والحِرص على طيب الذِّكْر] اهـ.
وقد نص الفقهاء على أن صيرورة الطرق آمنةً يجعل السفر فى حكم الحضر: قال إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى الشافعى فى "نهاية المطلب فى دراية المذهب" (4/150، ط. دار المنهاج) وهو يتحدث فى اشتراط الأمن فى وجوب الحج: [ليس الأمن الذى نذكره قطعًا، فالمسافر ومتاعه على قَلَت (أى: توقع الهلاك) إلا ما وقى الله، وإنما الحكم على غالب الظن، والنفس لا تثق بالخلاص عن الحوادث.فالذى يجب التفطن له: أننا لا نشترط فى السفرِ الأمنَ الذى يغلب فى الحضر؛ فإن ذلك إنما يحصل لو صار السفر فى حكم الحضر، بأن تصير الطرق آهلة، ولا سبيل إلى شرط ذلك؛ فالأمن فى كل مكانٍ على حسب ما يليق به].
والذى عليه الفتوى أنَّ سفر المرأة وحْدَها عبر وسائل السفر المأمونة وطُرُقِه المأهولة ومَنافذه العامرة؛ مِن موانئ ومطاراتٍ ووسائل مواصلاتٍ عامَّة جائزٌ شرعًا، ولا حرج عليها إذا أذن لها وليُّها فيه؛ سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا، وأنَّ الأحاديث التى تَنهى المرأةَ عن السفر مِن غير مَحرَمٍ محمولةٌ على حالة انعدام الأمن، فإذا تَوَفَّرَ الأمنُ لَم يَشملها النهى عن السفر أصلًا.
وبناءً على ذلك وفى واقعة السؤال: فلا مانع شرعًا مِن سفر المرأة إلى الخارج للعمل إذا تَوَفَّر الأمنُ فى الإقامة بِبَلَد السفر، وذلك بشرط موافقة ولى الأمر، ولا يُشترط اصطحاب المحرم فى حلها ولا ترحالها