بقلم: أ.د. نادر نورالدين محمد
منذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا أطالب بتدويل قضية سد النهضة وحتمية تقدم مصر بشكوي عاجلة إلي مجلس الأمن بالأمم المتحدة تتضمن أن بناء أثيوبيا لأضخم سد في القارة الأفريقية من شأنه أن يهدد الأمن والسلم الاقليمي بشرق القارة الافريقية لأنه يقام بقرار منفرد من دولة المنبع دون مراجعة شركائها في النهر بالاضافة إلي كونه سداً مخالفاً لقانون الأم المتحدة للمياه لسنة 1997
والذي يحتم أن تكون سدود دول المنابع سدوداً صغيرة.. فالتفاوض مع اثيوبيا عقيم ولن يجدي وهي ماضية في تنفيذ مخطط قديم لتغيير موازين القوي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكي تحل محل مصر كقوة إقليمية أفريقية حتي وان كان التدخل الصيني ووقوع الصين في غرام أثيوبيا قد يغير قليلاً من قناعات الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل بصناعة اثيوبيا كدولة كبري في شرق افريقيا فلا هدف للإثيوبيين
‘‘إلا التسويف وخداع المفاوض المصري بينما هم سائرون في طريق خلق حرب للمياه في القارة السمراء. فقد خرج علينا مستشار رئيس الوزراء الأثيوبي ليعلن أن اثيوبيا تريد أن تكون فترة عمل المكتب الاستشاري لمدة ثمانية عشرا شهراً مخالفاً بذلك ما تم التوقيع عليه مع مصر بألا تزيد مدة عمل المكتب علي خمسة أشهر فقط! ثم يزيد المسئول الإثيوبي كعادة تصريحاتهم التصعيدية قبل أي جولة مباحثات ليخبرنا بأن مشكلة المصريين أنهم لا يتصورون سد النهضة كياناً قائماً ولكننا سنريهم إياه حقيقة واقعة تذهلهم في القريب العاجل!! فهكذا تسير الأمور مع اثيوبيا تطالب من مصر التهدئة ونستجيب
رغم الغصاصة بينما هم يصعدون كل يوم وعلي كل المستويات. التسويف بدأ حتي قبل تصريحات مستشار رئيس الوزراء الأثيوبي حتي طلبت اثيوبيا الغاء اجتماع شهر ديسمبر الجاري والمفترض أن يتم فيه اعلان اسم المكتب الاستشاري الذي سيتولي فقط دراسة ما ستقدمه له اثيوبيا من دراسات قامت بها بشأن السد وتتعلق بالبيئة والتأثير الاجتماعي والاقتصادي والمائي علي دولة المصب دون أن يكون من حق المكتب الاستشاري أن يقوم بأي دراسات بنفسه للتأكد من هذه الدراسات ولا ايضا من حق أي دولة شريكة في النهر مثل مصر والسودان ودون ايضا أن يكون من حق المكتب الاستشاري اجراء اي دراسات علي السد نفسه ومواصفاته وارتفاعه وسعة تخزينه للمياه. وانما فقط ينظر فيما تقدمه له اثيوبيا من دراسات ولا أدري حتي اليوم كيف وافق وزير الري الحالي علي هذا الأمر في الوقت نفسه يصرح سفير اثيوبيا بالقاهرة في حوار شارك معنا فيه احدي الفضائيات الانجليزية بأن الشعب الاثيوبي فقط هو الذي يحدد مواصفات السد وارتفاعه وحجم بحيرته وليس أي دولة اخري أو مكتب استشاري وأن هذا المكتب ليس تحكيمياً
ولا دولياً وإنما وافقت عليه اثيوبياً فقط لطمأنة الشعب المصري بأنه لا تداعيات كبيرة علي مصر وأن النقص في حصة مصر من المياه لن يكون كبيراً!!. وهو ما كرره ايضا وزير الري الاثيوبي في جولة مباحثات القاهرة وللتذكرة نقول إن اثيوبيا تقدمت بشكوي عاجلة للأمم المتحدة عام 1959 عندما وقعت مصر والسودان اتفاقية إنشاء السد العالي وطلبت تحقيقاً عاجلاً علي الرغم من أنه لن يضر أي دولة اخري لأن مصر تقع في نهاية النهر وكأن اثيوبيا كانت تري أن ذهاب مياه النيل العذبة للبحر المتوسط أفضل كثيراً من أن يستفيد بها الشعب المصري وحققت الأمم المتحدة فعلياً في الأمر وقررت أن السد العالي أعظم عمل إنشائي في القرن العشرين لصالح البشرية وللحفاظ علي المياه العذبة من الإهدار.
الأمر الآن أن اثيوبيا كلما رأت أن مصر في طريقها لتدويل القضية سارعت بطلب مباحثات جديدة مع مصر بعد أن استقطبت السودان تماماً واصبح السودانيون يدافعون عن سد النهضة أكثر مما يدافع عنه الأثيوبيون. والغرض الواضح هو التسويف وتشكيل لجان ولجان لا تنتهي حتي ينتهوا من بناء السد يبدأون في بناء باقي سلسلة السدود علي النيل الأرزق والتي تصل إلي أربعة سدود متتالية وإجبارية للتغلب علي الحجم الكبير من الطمي الذي يحمله النهر ويبلغ 136.5 مليون طن سنوياً يمكن أن تردم سد النهضة في خلال سنوات قليلة وبالتالي لابد من بناء السدود المتتالية لتخفيف الاطماء المتوقع وهي سدود كارادوبي ومندايا ومابيل بسعات 47. 40. 37 مليار متر مكعب لتخزين المياه بالاضافة إلي حجم 74 مليار متر مكعب لسد النهضة لتصل كميات المياه التي تخزنها اثيوبيا خلف سدودها الأربعة إلي 200 مليار متراً مكعباً ولتبدأ بعدها تنفيذ خطط الغرب بتسعير وبيع المياه العذبة ولنستنزف أموالنا في شراء المياه أو يخوض الجيل القادم الحرب من أجل استرداد المياه التي فرطنا فيها.
لا يمكن لاثيوبيا أن تقيم نهضتها علي جثث المصريين أو أن تبني تنميتها علي حساب تراجع التنمية في مصر.