فى يناير المقبل، سيتم الدكتور كمال الجنزورى عامه الـ82، متعه الله بالصحة، وأضاف إلى عمره سنوات، لكن ما نفهمه أن هذا العمر يمنع صاحبه، ولأسباب طبيعية تمامًا، من أداء بعض الأمور، منها على سبيل المثال تحمل مسؤوليات سياسية كبرى، خاصة فى أوقات تكون فيها البلاد فى حالة نشاط وفوران، ورغبة فى تعويض ما فاتها، وهو كثير.
بعض المهام تتطلب همة وحيوية وقدرة على التحمل، وهى أمور لا تتوافر إلا فى سن الشباب، وهذه قوانين الخالق ولا علاقة لنا بها، لهذا عندما نستنكر ما يروج له الجنزورى من أنه سيكون رئيس مجلس الشعب المقبل، فإنا لا نحجر على رغبته فى الممارسة السياسية، لكننا فقط نذكره ببعض ما قد يكون فاته.
على رأس ما نود لفت انتباه الجنزورى إليه، بخلاف السن وأحكامه، أنه لا يجوز على الإطلاق استباق نتائج انتخابات مجلس الشعب، ثم ما تسفر عنه اختيارات الأعضاء للرئيس ووكيليه، فهذا قد يوحى للبعض بأن تلك الانتخابات والعملية الديمقراطية الوليدة بأكملها فى مصر، لا قيمة لها، ولم لا يفكرون هكذا ما دام هناك من تعميه مصالحه الخاصة عن الصالح العام، فلا ينتبه فى رحلته للحصول على منصب جديد يضيفه إلى سيرته الذاتية، لما قد تسببه أطماعه الصغيرة من ضرر بالغ بمستقبل وطن يحارب ويقاتل على جبهات عدة فى الوقت نفسه ولا تنقصه ضربات جديدة ممن يفترض أنهم المدافعون عنه؟
فى ملف الجنزورى السياسى، الكثير والكثير مما ينبغى مناقشته، الأداء السياسى له بشكل عام لا بدّ من وضعه تحت المجهر، هناك مثلًا من يرون أنه كان أحد الأسباب الرئيسية فى الاضطراب السياسى الذى حدث بدءا من 2011،بسبب برنامج الخصخصة الذى يرى البعض أنه كان أول من بدأه فى مصر، والذى أدى إلى أن تخرج الحكومة فقراء مصر وطبقتها الوسطى من حساباتها، وتبدأ فى التعامل مع نفسها على أنها شركة استثمارية باحثة عن الربح. ليس ذلك فقط فالمصيبة الأكبر هى ما أثير حول ذلك البرنامج من شبهات فساد وتربح، وكان الموضوع برمته سببًا أساسيًا فى إثارة غضب ملايين المواطنين من سياسات الرئيس الأسبق مبارك، ما أدى إلى ثورة 25 يناير فى نهاية المطاف.
السؤال الآن: ما الذى نتوقعه من رجل لديه تلك الخلفية السياسية عندما يصبح رئيسًا لمجلس الشعب؟ من الذى سيقبله فى منصب كهذا، كرئيس لأول برلمان بعد 30 يونيو؟ هل هذا ما يتوقعه الناس؟ هل فكر الجنزورى فى هذا؟ ألم يكن ينبغى أن يفكر فى الوطن الذى أعطاه الكثير بالمناسبة، وجاء الوقت ليرد له ولو قليلا؟ وليس المطلوب منه شيء.. فقط أن يكتفى بمنح خبرته السياسية للشباب الذين من المفترض أن يقودوا هذه المرحلة، دون أن يسعى لأن يفرض عليهم شيئًا، أن يحترم رؤاهم المختلفة والأكثر عصرية وحداثة عما يراه، وفى الوقت نفسه، أقرب للناس، بحكم أن سنهم تفرض عليهم الوجود بينهم.
للأسف، كنا نأمل فى الجنزورى الكثير، كنا نأمل أن يتمكن من تنظيم قائمة وطنية، تكون أساسًا لبرلمان قوى يدافع عن الناس الذين هم فى أمسِّ الحاجة بالفعل لمن يدافع عنهم، لكن.. قاتل الله الأطماع الصغيرة.