فى حكم تاريخي، حسمت محكمة القضاء الإداري، قضية ضريح الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة بقرية «دميتوه» فى محافظة البحيرة، بإلغائها قرار وزير الثقافة الأسبق الخاص باعتبار ضريح الحاخام اليهودى أبو حصيرة والمقابر اليهودية حوله من الآثار الإسلامية والقبطية.
واعتبرت المحكمة، قرار وزير الثقافة معدوما، مستندة فى ذلك إلى «الثوابت العلمية والدراسات التاريخية والأثرية فى العالم الغربي، والتى أثبتت أن اليهود لم يكن لهم أى تأثير يذكر فى حضارة الفراعنة» .
وألزمت المحكمة الحكومة المصرية، بشطب ضريح الحاخام اليهودى أبو حصيرة من السجلات الوطنية، وإعلان قرار الشطب بجريدة الوقائع المصرية، وبإعلان لجنة التراث العالمى بمنظمة اليونيسكو بقرار الشطب.
ورفضت المحكمة، نقل رفات الحاخام لاسرائيل لتعارضه مع مبدأ نبش القبور فى الاسلام ، واعتبرت طلب اسرائيل المقدم لمنظمة اليونيسكو بنقل رفات الحاخام للقدس تكريسا لفكرة يهودية الدولة على الأراضى الفلسطينية وتغيير هوية القدس العربية، كما اعتبرت الترهيب بمعاداة السامية نوعا من الترويع الفكرى الجديد، وهو أمر ترفضه الأعراف والتقاليد الدولية.
وألزمت المحكمة، الوزير المختص بإلغاء إقامة الاحتفالية السنوية لمولد أبو حصيرة بصفة نهائية لمخالفته للنظام العام والآداب وتعارضه مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها.
وذكرت المحكمة فى أسباب حكمها: أن المشرع اشترط عدة شروط جوهرية لتعريف الأثر ، القاسم المشترك بينها هو أن يتخذ الشيء المراد اعتباره أثرا من التاريخ القديم حتى ما قبل مائة عام مظهرا من مظاهر الحضارات التى أقيمت على أرض الكنانة مصر، ولا يمكن اعتبار هذا الضريح أثرا، إذ ينحسر عنه وفقا للقانون المصرى وصف الأثر لأنه لا يتعلق بتاريخ وحضارة هذا الشعب أو مقدساته الدينية .
وأشارت المحكمة إلى أن الدراسات التاريخية والأثرية التى قام بها العلماء والمؤرخون فى العالم وخاصة العلماء الفرنسيين والألمان والإنجليز والإيطاليين، انتهت إلى أن اليهود كانوا أقلية ضئيلة فى مصر الفرعونية ولم يكن لهم شأن يذكر فى مصر القديمة.
ونبه إلى أن الآثار المصرية قد خلت من ذكر اليهود وقد خلت جدران المعابد من ثمة دليل على أن اليهود كان لهم شأن يذكر فى مصر القديمة، بل كانوا أقلية لم تزد مدة إقامتهم فى مصر على مائتى عام، حسبما جاء فى التوراة أو على الأكثر لم تزد على أربعمائة عام وفقا للرأى الغالب لعلماء التاريخ والآثار.
ولفتت إلى أنه خلال مدة إقامة اليهود فى مصر الفرعونية لم يثبت التاريخ أنهم كانوا قوم حضارة قط بل كانوا متنقلين يعيشون فى الخيام ويرعون الأغنام وقت أن كانت مصر درة الأكوان ولم يتركوا فى أثناء إقامتهم فى مصر القديمة أى أثر يذكر، وبهذه المثابة فإن كل ما له صلة أو رابطة باليهود لا يمكن بأى حال من الأحوال اعتباره من الآثار المصرية أو القبطية أو الإسلامية، وإلا عد ذلك تزييفا للتاريخ الفرعونى وإهدارا للحضارة المصرية القديمة والقبطية والإسلامية وإنكارا للتراث الانسانى ويكون لزاما على المحكمة وهى قاضى المشروعية أن تنهض إلى تطهير الآثار المصرية من هذا الضريح والمقابر اليهودية الموجودة حوله.
وأقرت المحكمة بأنه لا يجوز اعتبار رفات الحاخام من رفات السلالات البشرية لعدم معاصرة أصحابها للحضارة المصرية فى مختلف عصورها التاريخية، إذ لم يكن لليهود ديانةً وشعباً ،أى تأثير يذكر على الحضارة المصرية فى مختلف عصورها ولم يكن للحضارة اليهودية بصفة عامة والديانة اليهودية بصفة خاصة أى تأثير مباشر أو غير مباشر على الحضارة المصرية القديمة.
ورأت المحكمة أن نقل رفات الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة من مصر إلى إسرائيل يتعارض مع سماحة الإسلام ونظرته الكريمة لأهل الكتاب واحترام قبور موتاهم بحسبانها مأوى المرء أيا كانت ديانته بعد مماته وداره التى يوارى فيها بعد خلاص حياته الدنيوية، قائلة: وإذ خلت الأوراق من ثمة حجة قانونية أو ضرورة ملحة تقتضى نقل هذا الرفات إلى إسرائيل فمن ثم يغدو هذا الطلب غير مستند إلى أساس سليم مما يتعين رفضه.
وانتهت المحكمة إلى أن مظاهر الاحتفال بمولد الحاخام اليهودى أبو حصيرة تعد انتهاكا بما تتمتع به التقاليد المصرية من آداب، الأمر الذى ينطوى على إيذاء الشعور الإنسانى للمسلمين والأقباط على حد سواء وخاصة أن المسلمين والمسيحيين يرون مقدساتهم الإسلامية والمسيحية تنتهك فى القدس مما يتعين معه الحكم بإلغاء تلك الاحتفالية السنوية بصفة نهائية لمخالفتها للنظام العام والآداب وتعارضها مع وقار الشعائر الدينية.