بقلم - ماجد كامل
كنا قد كتبنا في عدد سابق من مجلة "رسالة الشباب الكنسي" عن "الارادة" ؛وفي هذا العدد سوف نكتب عن الحماس ؛ فهو الوجه المكمل للارادة ؛ فالارادة تعطينا الاشارة الاولي للبداية القوية ؛ولكن الحماس هو الذي يعطينا القدرة علي أن نكمل ؛ والله يحب فينا هذا النوع من الحماس يقول الكتاب المقدس (ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة )"ار 48 :10 ".
ويقول ايضا (غيرة بيتك اكلتني) "مز69 :9 " والغيرة والحماس هي الوقود المقدس الذي يقود الانسان الي النجاح سواء في الحياة الروحية او في الحياة العملية ؛ فالغيرة والحماس هي التي دفعت شعب اسرائيل الي الخروج من أرض مصر وتحمل الام التيه في برية سيناء مدة اربعين سنة حتي وصلوا الي ارض الميعاد ؛ الغيرة والحماس هي التي اعطت القوة والصبر لنحميا لاعادة بناء اسوار اورشليم بعد عودتهم من السبي حتي وقف امام اسوار اورشليم وقال (هلم فنبني اسوار اورشليم ولا نكون بعد عارا )"نح2 :17 "
ثم حث شعب اسرائيل علي البدء في العمل فصرخ فيهم قائلا (إله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني ) "نح2 :20 " الغيرة والحماس هي التي اعطت ابائنا الشهداء القديسين القدرة علي تحمل العذابات والاضطهادات حتي الاستشهاد من اجل اسم السيد المسيح ؛ الغيرة والحماس هي التي اعطت النعمة للاباء الرهبان والسواح علي تحمل الجوع والعطش والتيه في البراري والقفار من اجل عظم محبتهم في الملك المسيح ؛ الغيرة والحماس هي التي اعطت القديس اثناسيوس الرسولي القوة والنعمة علي الصمود ضد الاريوسية وتحمله النفي خمس مرات حتي انه قيل انه كاد العالم كله ان يكون اريوسيا لولا أثناسيوس وقيل ايضا (اثناسيوس ضد العالم)
الغيرة والحماس هي التي اعطت القديس كيرلس الكبير القدرة علي الصمود والتصدي ضد نسطور والنساطرة ؛ الغيرة والحماس هي التي اعطت معلمنا القديس ديسقوروس القدرة علي الصمود والتصدي ضد اصحاب الطبيعتين ؛ الغيرة والحماس هي التي اعطت القديس يوحنا الذهبي الفم القوة علي تحمل مكائد الملكةاوذكسيا ضده ؛ واذا مانظرنا الي التاريخ الحضاري الغيرة والحماس هي التي اعطت اجدادنا المصريين القدماء القوة لبناء الاهرامات احدي عجائب الدنيا السبع والتي استمر البناء فيها حوالي 20 عاما واشترك في بنائهاحوالي 20 الف عامل ومازالت قائمة حتي الان تتحدي الزمن حتي انه يوجد مثل عربي شهير يقول (الانسان يخشي الزمن
والزمن يخشي الاهرامات ) وقس علي ذلك جميع المعابد الضخمة في الاقصر واسوان ؛ الغيرة والحماس هي التي اعطت العلماء والمفكرين والمبدعين القدرة علي انجاز اعمالهم العظيمة ؛فالحماس هو الذي دفع العالم الرياضي الكبير اسحق نيوتن الي الصبر علي المعادلات الرياضية الي الحد الذي قيل عنه انه كان ينسي مواعيد الطعام بل وينسي حتي ان كان تناول طعامه ام لا(روي عنه ذات مرة انه من شدة تركيزه في المعادلة وأراد ان يسلق بيضة ليأكلها وضع ساعته في الماء المغلي بدلا من البيضة)
الغيرة والحماس هي التي دفعت العالم الفرنسي لويس باستير الي اكتشاف الجراثيم الي الحد الذي تأخر فيه عن موعد زفافه مؤثرا إنجاز التجربة اولا قبل اي شيء اخر؛وفي مجال الادب الغيرة والحماس هي التي دفعت اديب مصر العالمي الكبير الكاتب الراحل الاستاذ نجيب مجفوظ الي انجاز اروع اعماله الادبية حتي انه قال عن شخصيات رواياته انه صنع لها ارشيفا كاملا يوثق فيه لكل شخصية ميلادها وحياتها ومواصفاتها حتي لا يختلط عليه الامر
وعندما شاهده احد الصحفيين واقفا بنفسه في احد الطوابيرسأله لماذا لا يرسل احد العمال للوقوف في الطابور بدلا من الوقوف بنفسه ؟ اجابه قائلا "يأخي أني أبحث فيهم عن شخصية جديدة لرواياتي " ؛ومن شدة حماس اديبنا الكبير لنبوغ الشباب وتفوقهم عندما سأله أحد الصحفين (هل تري انه من حق الادباء الشبان ان يتجاوزوك في ابداعهم الأدبي ؟ ) فكان رده (ليس فقط من حقهم بل من واجبهم أيضا) ويبقي هنا سؤال هام وهو ما الفرق بين"الحماس "الذي يبني صاحبه " والتهور" الذي يضيع صاحبه ؟ . والحق انها شعرة صغيرة تفصل ما بين الكلمتين ولكن اذا حاولنا إيجاز الفروق بين الاثنين فأننا نلخصها كما يلي :- (وذلك حسب وجهة نظري الشخصية)
1- الحماس ويدرس ويحسب حساب النفقة قبل الشروع في العمل بينما التهور يندفع بغير عقل ولا حساب غير حاسب اي شيء فتكون النتيجة هي الضياع
2- الحماس يكون هدفه مقدسا ومباركا كذلك وسائله ؛اما التهور فأنه غالبا لا يكون مقدسا لا في الهدف ولا في الوسيلة
3- الحماس يراعي الاصول والقواعد والقوانين المتبعة للوصول الي اهدافه ؛بينما التهور غالبا لا يراعي اي قوانين ولا لوائح وانما يتبع مبدأ (اللي تكسب به العب به ) او (الغاية تبرر الوسيلة) وهو ما اصطلح علي تسميتها بـ "الفهلوة"
4- الحماس غالبا يؤثر الغيرية ويكون حريصا علي تقديم اخوته وزملاءه وشركائه في العمل بينما التهور غالبا ما يكون انانيا لا يهمه الا مصلحة نفسه فقط ويكون شعاره (انا ومن بعدي الطوفان ). فأذا نجح نسب النجاح الي نفسه فقط واذا فشل أرجع الفشل الي اخوته وزملائه
5- الحماس غالبا يكون هدفه هو الصالح العام والمجموع ؛بينما التهور غالبا ما يهدف الي تحقيق مجد ونجاح شخصي ولا يهمه الصالح العام
ويبقي في النهاية سؤال هام هو :- كبف اقتني الحماس ؟:-
كما ذكرنا في مقال الارادة انه لا توجد اجابة واحدة محددة وقاطعة عن هذا السؤال وانما الامر يختلف من شخص لاخر وانما نحن هنا نحاول تلخيص بعض المباديء العامة لأقتناء الحماس وهي (وذلك ايضا حسب وجهة نظري الشخصية)
1- وضوح الهدف والرؤية يعطينا الحماس للوصول الي اهدافنا
2-الثبات علي المبدأ مهما كانت المعوقات ومهما كان هناك نوع من الضعف والفتور
3-وضع برنامج محدد للعمل للوصول الي الهدف والألتزام به مهما كانت الظروف
4- عمل شكل من اشكال التقييم الدوري لعملنا وذلك لتحديد نقاط الضعف والقوة وتعظيم نقاط القوة وتلافي نقاط الضعف
5- اولا واخيرا وقبل وبعد كل شيء الصلاة الدائمة والمستمرة من اجل ان يعطينا الرب الحماس والقوة
واخيرا فلنردد مع نحميا النبي ونقول (إله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني)" نح 2 :20 "