د.رفعت السعيد
ونعود إلى مسيرة جابر عصفور التى أتى كما ورد فى مذكراته عن "زمن جميل مضى" لأب متمرد مستعص على الخضوع لمتطلبات الحياة الأسرية ، وكان من ثم بلا مورد ثابت تقريباً وإنما يلتقط رزقه يوماً بيوم ، ثم انتقل من موطنه مدينة المحلة إلى حيث ما يعتقد أنه به رزقاً متاحاً واستقر حيث وجد بالعافية ما يضمن له ولعائلته . صعد جابر فى سلم التعليم مسرعاً مترسماً طموحات ابيه وتتلمذ على أستاذة شديدة الاحترام هى الدكتورة سهير القلماوى والتى اشرفت على رسالته للماجستير ثم الدكتوراه بعد أن تخرج من قسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة القاهرة عام 1965 ..
وبدأ جابر عصفور يتلمس طريقة الى أدب الليبراليين أمثال إحسان عبد القدوس واليساريين أمثال لطيفة الزيات . وإذ يأتى السادات إلى الرئاسة ويسلم مفاتيح الجامعات والمدارس للقوى المتأسلمة . ثم يستخدمهم لتصفية اليساريين والناصريين جسدياً وسياسياً داخل الجامعات وهنا تمرد جابر عصفور مع من تمردوا من اساتذة الجامعات مدافعين عن مصر دولة مدنية رافضين للتأسلم ، بما أدى به الى الفصل من الجامعة صحبة ستين استاذاً آخرين . وبعدها سافر جابر عصفور الى استكهولم وعندما أعاد حسنى مبارك الأساتذة المفصولين عاد للقاهرة
ثم الى جامعة الكويت [1983- 1988] وفى عام 1993 عين أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة ليجعل منه منارة فكرية مستنيرة وظل فى نفس الوقت محتفظاً بحلم أبيه الذى تحقق "أستاذ كرسى اللغة العربية فى جامعة القاهرة" . وأسس أيضاً المركز القومى للترجمة وسار به صعوداً الى قمة ابداع ترجمات منحت الفكر المصرى طاقة استنارة بلا حدود . حتى أحيل إلى المعاش متألقاً بل وأكثر تألقاً ممكا كان . وحتى وهو فى منصبه الرفيع كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة لم يستطع أن يمنع نفسه من إظهار إستيائه وقرفه من فساد نظام مبارك ومن هذا التحالف الخفى والغبى مع جماعات التأسلم السياسى وهو ما أغضب ذوى السلطة وإن كانوا لا يقرأون وإنما يقرأ لهم الوشاة ..
وتجلى ذلك فى كتابه "مقالات غاضبة" الذى أصدره فى 2009 وقال أنه جمع فيه "بين الغضب من الاستبداد بالحكم وتحالفه مع التطرف الدينى وأيضاً الدولة الدينية" وهنا كان جابر عصفور يستجمع مقالاته الغاضبة رفضاً للعنف الذى مارسه المتأسلمون ضد المبدعين والمثقفين المنحازين للدولة المدنية" ويمضى عصفور قائلاً "
وأوضح مثال على ذلك ما حدث لرواية الكاتب السورى حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" التى انفجرت أزمتها مع بداية تضخم نفوذ تيارات الإسلام السياسى فى مطلع عام 2000، وذلك فى سياق لم يكف عن التصاعد وممارسة العنف المادى والمعنوى على المبدعين وغيرهم من المثقفين المدافعين عن الدولة المدنية وتحقيق شروطها الحديثة" [للتنوير والدولة المدنية – صـ36] .. ونمضى مع غضب جابر عصفور من ممارسات تلك المرحلة ونقرأ "وفى السياق المتوتر الذى أدى إلى انتخابات آخر مجلس شعب فى زمن مبارك (2010)
والتى كانت أسوأ انتخابات فى تاريخ مصر الحديثة والتى وصل فيها التزوير إلى مدى تجاوز الخيال وأثار غضب الجميع وتشبه هذه النتيجة بغبائها الفادح النتيجة التى انتهى إليها السادات بقرارات سبتمبر والتى أفضت الى اغتياله" ويقول "وتقديرى أن تداعيات انتخابات 2010 كانت الذروة للأخطاء والجرائم التى أدت الى اغتيال مبارك معنوياً بإسقاط حكمه فى 11 فبراير 2011 بعد ثمانية عشر يوماً من ثورة 25 يناير المجيدة" .
ولا نستطيع فكاكاً من متابعة سيرة ومسيرة جابر عصفور .. فهى تجسد مسيرة القوى المستنيرة فى مصر .
نقلآ عن البوابة نيوز