بقلم: عـادل عطيـة
مُنحت إسمك من: يانوس، إله البدايات: الساعة الأولى في اليوم.. اليوم الأول في الشهر.. الشهر الأول في السنة!
قد تبدو حزيناً في أيامنا؛ لأنك وثني الاسم.. ولأنك بزغت في ليلين: ليل الكون، وليل نصنعه بأيدينا، لحظة أن نطفيء كل الأنوار. ولأنك ولدت كاليتيم، عند سقوط الورقة الأخيرة من الروزنامة، ورحيل العام، الذي لفظ أنفاسه اللاهثة، إلى عالم الماضي القريب!
ولكنك، يا سليل حارس الحرب والسلام، وعصر الذهب، وأيام الهناء!
لا تزال الشهر الأول في الشهور، التي تؤرّخ في مجد: تاريخ الميلاد العجيب المدى!..
مرحباً بعودتك يا قمر البرد القارس، في ظلام شتائنا، معلناً: إستمرارية الحياة، ومانحاً، كل ذاتك، عربوناً للأيام المحمولة على أجنحة العام الجديد، التي منحنا اياها الرب ـ مجدداً ـ؛ كفرصة ثمينة، نقتنيها للحياة برفقته على الأرض!
حاملاً، كل رموزك المعبّرة، التي اكتشفها علماء الفلك؛ لنقرأ رسالتك:
فالجدي، يشير إلينا، مؤكداً: باننا خطاة، وبأننا ـ إن لم نتب عن أعمالنا الرديئة ـ؛ فسنكون: من أهل اليسار المرفوضين!
والعقيق الأحمر، يشير إلى دم الفداء، الذي ليس بغيره الخلاص!
وزهرة القرنفل، تشير بعصارتها ـ المسكنة للآلام ـ، إلى إنتهاء شعورنا بالإغتراب لكوننا فانين!
واعظاً، في حفلنا الليلي، بأننا لسنا سوى عابري سبيل في الزمن العابر، وأن الأيام التي تنقضي، لا تعد خسارة، وإنما: نمواً.. وخبرة.. وحكمة، وأن الإنسان ـ إن لم يكن قادراً على تجديد ذاته ـ؛ فإنه لا يكون كائناً حياً نابضاً!.
أيها الشهر المبارك، يناير!..
يا ذو الوجهين.. ترى باحدهما: المستقبل، وبالآخر: الماضي!..
سنتخذك: الشهر الأول في تقويم حياتنا الروحية الجديدة، وسننطلق ـ عبر مخاض ظلمة الماضي ـ: من عالم وثنية تمجيد الخطية إلى عالم القداسة؛ لنولد ولادة ثانية!
فبعودتك، منحتنا التفاؤل تشجيعاً لنا للعبور.. وبالعزيمة، سنعبر على مسئوليتنا، وسنتجوّل في الثواني، والدقائق، والساعات؛ فينتعش شعورنا، الذي تدانى حتى فقد إحساسه بالنقاء: بالمواقف المفعمة بالعبر، والسخيّة بمحبة الله!
وكما تحتضن عقارب الساعة نفسها عند منتصف الليل، فرحاً وتهليلاً بسطوعك في الكون، نحتضن أنفسنا، وتتشابك الأيدي بعبارات التهاني القلبية، تمتلكنا الرغبة في أن نتسابق، ونفوز في بطولة يقوم التصنيف فيها على الطموح الروحي، وعلى وعلى الاستمرارية التي لا تفتر، تحرسنا فيه نجمة الروح القدس، وتهدينا إلى الطريق الأوحد. بطولة، تزداد فيها حرارة حبنا المقدس، ويكثر فيها التناغم والتعاطف بين الناس؛ فنحمي أنفسنا من: الجوع، والبرد، والتشرد، والدمار...، معلنين: أن كوكبنا ما زال محتملاً، وصالحاً لصوت الله!.
فلنتعقب آفاقاً من التعب وتقدير الذات؛ لبعث شعلة الأمل.. حاملين النور إلى أرض تزحف عليها الظلمة!
ومعاً ـ يناير، وأنا، وأنت ـ، نتطلع إلى نشر الأخبار السارة، الواعدة بعودة الحياة، والجمال إلى كل بقعة من العالم.. إلى كل شجرة مقصوفة، وكل نبتة منكسرة، وكل نهر متجمد!
إلى كل مخلوق، وكل كائن ينتظر رحيل الشتاء.. ورحيل الشر، والضغينة، والبغضاء!...