المقدم «تامر»: تلقيت البلاغ وقلت مش هتعامل مع القنبلة ومش هلبس بدلة الشغل.. وبعدها شعرت بالرغبة فى التضحية بحياتى
هو أول بلاغ بوجود قنبلة عقب انفجار قنبلة الطالبية، التى أودت بحياة النقيب الشهيد ضياء فتحى، المكان: أمام مستشفى الشرطة بالعجوزة، الزمان: بعد 24 ساعة من استشهاد «ضياء».. الضابطان المكلفان: زميلان للشهيد بإدارة المفرقعات. وبعد 30 دقيقة من وصول البلاغ، انتهت أصعب مهمة لضباط مفرقعات الجيزة فى السنوات الأخيرة.
«الوطن» أجرت معايشة مع خبراء المفرقعات، ورصدت أجواء الترقب والجدية التى أحاطت بعمل الضباط، فى ظروف تتشابه تماماً مع الواقعة الأخيرة التى قتل فيها زميلهم قبل أيام قليلة. المقدم «تامر تيمور»، قال لـ«الوطن»: «أول ما تلقيت بلاغاً بوجود قنبلة أمام مستشفى الشرطة قلبى انقبض، وقلت مش هتعامل مع القنبلة، ومش هلبس البدلة من الأساس، واتفقت على كده أنا وكل الفريق المرافق لى فى السيارة، وتذكرت الشهيد ضياء فتحى، اللى انفجرت فيه القنبلة فى لحظة، لأن الفرق بين الحياة والموت عند ضابط المفرقعات، جزء من اللحظة، وأخبرت قياداتى فى العمل بعدم مقدرتى على ارتداء البدلة، ﻷن أعصابى متوترة جداً، وذهنى غير صاف، ومش عارف أنسى زميلى ضياء، الله يرحمه».
الشهيد ضياء فتحى داخل مكتبه فى «مفرقعات الجيزة»
وأضاف «تيمور»: «طول الطريق من مكتبى إلى مكان البلاغ لم تفارقنى صورة زميلى الشهيد لحظة واحدة، وبداخلى قرار نهائى وقاطع لا رجعة فيه بأننى لن أتعامل مع البلاغ فى حال إيجابيته، ورأيت أمام عينى منظر أم الشهيد وأبيه وزوجته وابنته الرضيعة، وهم فى قمة الانهيار والحزن، والله منظر لا يمكن أن يتحمله بشر على وجه الأرض، الأهل يموتون كمداً من الأسى والحسرة وهم يحملون جثامين أبنائهم».
وتابع: «من هذا المنطلق قررت عدم التعامل مع القنبلة وهو قرار نهائى لا تراجع فيه، خاصة أنه يستحيل لأى ضابط أن يتعامل مع واقعة كهذه، وهو غير مستقر نفسياً، واتخذت هذا القرار حتى لا أضع أبى وأمى فى نفس الموقف الذى رأيت فيه أهل «ضياء»، والله لم أخشَ الموت، لكن دار فى ذهنى أمى التى ستموت كمداً، لو سمعت خبرى فى يوم من الأيام، خاصة أننى أحمل كفنى على يدى فى كل خطوة أخطوها، لكنه قدرى أن أسير فى حقل من الألغام، وأصعب شىء فى الدنيا التعامل مع المتفجرات، لأنها مابتهرجش، خاصة أننى وكل زملائى فى المفرقعات نؤمن بالله وحده، وبالقضاء والقدر، وننتظر الموت فى أى لحظة، وكل مرة بنجح فى تفكيك عبوة ناسفة نسجد لله حمداً وشكراً، لأنه كتب لنا عمراً جديداً، وخلى بالك أنا شفت الموت 87 مرة، هى عدد العبوات الناسفة التى نجحت فى إبطال مفعولها، بالعربى كده مت وحييت 87 مرة، لكن بجد أول مرة أخاف بهذه الطريقة، خاصة بعد وفاة ضياء الله يرحمه، كان شجاعاً لا يخشى الموت، وتمنى من الله الشهادة ونالها، وكان بارعاً فى التعامل مع المتفجرات ويتمتع بجرأة لا مثيل لها».
الرائد حسام أثناء ارتدائه بدلة المفرقعات قبل تفكيك المفرقعات
وعن طريقة التعامل مع القنبلة قال: «عندما وصلت إلى مكان البلاغ شعرت بالرغبة فى التضحية، فقررت فى لحظة أن أفدى العشرات من الأبرياء، وأن ألحق بزميلى الشهيد، وقلت لنفسى: أنا مش أقل وطنية من «ضياء»، وفى لحظة ارتديت البدلة دون تفكير، وبعدها نزلت أجرى من سيارة المفرقعات، وتوجهت إلى مكان البلاغ، فى البداية سألت عن مكان الجسم الذى تم العثور عليه، وجدته داخل أوتوبيس نقل عام، كان واقف أمام مستشفى الشرطة بالعجوزة، صعدت ومعى زميلى الرائد حسام الهلالى، واللواء عماد الشلقانى، الذى سبقنا إلى موقع البلاغ، كانت معى الكلاب البوليسية وكل الأجهزة، وعقب تحديد الهدف، نزلت بسرعة من الأوتوبيس لأنى لمحت 4 أشخاص على الرصيف المقابل للمستشفى، أسرعت نحوهم وألقيت القبض عليهم على الفور، وقمت بتفتيشهم وتحفظت على الموبايلات التى كانت بحوزتهم، خشية من أن يكون وسطهم إرهابى يفجر العبوة عن بُعد أثناء تعاملى معها، بعد ذلك توجهت إلى العبوة، وبدأت التعامل معها، وكانت عبارة عن موبايل وجهاز مكثف يستعمل فى التفجير وتجهيز القنابل، وحملت العبوة من داخل الأوتوبيس ووضعتها على الأرض وسط الشارع، بعد تمشيط المكان، ونجحت فى إبطال مفعولها عن طريق مدفع المياه، وهو عبارة عن رصاصة مياه سعرها 500 جنيه، وعن طريقها أستهدف الدائرة الكهربائية للعبوة لكى أركز عليها وأطلق عليها الرصاصة حتى أبطلها، ومدفع المياه ثمنه 350 ألف جنيه».
وأضاف: «أبى وأمى طلبا منى أن أقدم استقالتى وأترك الشرطة، خاصة أنى ألعب بالنار، على الرغم من أن والدى كان لواء شرطة سابقاً، لكنه يقول لى ما كنش فى عهدنا خطر مثل هذه الأيام السوداء، ويقول لى: يا ابنى أنت لو حصل لك حاجة أنا هموت وراك أنا وأمك، كل هذه الكلمات دائماً ما أتذكرها قبل أن أتوجه إلى أى بلاغ، وعلى فكرة، أنا بخاف أخبر أبى وأمى أننى متوجه لأى بلاغ، لأنهم هيطلبوا منى عدم التوجه إليه، والله أمى بتبكى وبتدعى لى أنا وزملائى ربنا ينجينا من المخاطر والإرهاب، وأنا التحقت للعمل بالمفرقعات فى 2001، لكن عمرى كله فى كفة وآخر سنتين فى كفة تانية».
الرائد «حسام»: زوجتى تنتظر خبر وفاتى فى أى لحظة.. و«مصطفى» ابنى قال لى: يا ترى هترجع تنام فى حضنى تانى ولا هيحصل لك زى عمو «ضياء»؟
أما الرائد حسام الهلالى، الضابط بالمفرقعات، فقال لـ«الوطن» عقب التعامل مع العبوة: «تلقينا بلاغاً بوجود قنبلة، وعلى الفور استقللنا السيارة أنا والمقدم تامر تيمور والأمين إيهاب حسن وهانى الخضرى، ومعنا كلب مدرب وكافة الأجهزة، ونحن فى الطريق قررنا جميعاً عدم التعامل مع البلاغ، لكنه كان مجرد كلام، ﻷنه بمجرد أن وصلنا إلى هناك كانت عندنا عزيمة وإصرار لم نرهما من قبل، وأول مرة يكون عندنا رغبة فى التحدى بهذه الطريقة، وشعرنا بالمسئولية تجاه الوطن لأننا نحمى الأبرياء، خاصة أن بلاغ يوم الأربعاء كان مجرد اختبار من الإرهابيين لنا بعد حادث يوم الثلاثاء، الذى راح ضحيته ضياء، فهم يريدون أن يكتشفوا مدى قدرتنا على التعامل مع المتفجرات والبلاغات، هم يريدون أن يكتشفوا ما إذا كان لدينا معدات أخرى من عدمه، الأمر الذى جعلنا نزداد حماساً لأننا نعمل لوجه الله، ونحمى أرواح المواطنين بأجسادنا ودمائنا».
وأضاف «الهلالى»: لدىّ زوجة وثلاثة أبناء أكبرهم «مصطفى»، 7 سنوات، وأنا متوجه للبلاغ كان معايا على الموبايل قال لى: «بابا يا ترى هترجع تانى تنام فى حضنى ولاّ هيحصل معاك زى ما حصل مع عمو ضياء؟، وأنا تماسكت وشجعته وقلت له ادعيلى يا مصطفى أرجع لحضنكم بالسلامة، وأنا كل يوم بسمع نفس العبارات من «مصطفى» لأنه أكبر إخواته ودائماً أتحدث معه عن طبيعة شغلى ومدى خطورته، وعن التضحيات التى نقدمها من أجل المصريين لكى أجعل منه بطلاً، وأزرع بداخله حب الوطن وروح التضحية، لكن زوجتى يومياً تبكى قبل ذهابى للعمل وتطلب منى أن أستقيل، أنا عايش بين نارين: الواجب وعذاب ولادى ومراتى، أنا بخرج كل يوم بودّع ولادى ومراتى وكأنى آخر مرة هشوفهم».