الأقباط متحدون - دماء على أسطر الصحف
أخر تحديث ١٣:٢٥ | السبت ١٠ يناير ٢٠١٥ | ٢ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

دماء على أسطر الصحف

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم : مينا ملاك عازر

كلاهما يستخدم الرصاص لمحاولة تغيير واقع هو يراه يحتاج للتغيير، لكن الفرق شاسع بين نتائج محاولات هذا، ونتائج محاولات ذاك، فرصاص هذا يخلف وراءه خطوط على ورق ترسم مستقبل يراه صاحبها أو نقداً لشيء يرفضه كاتبها أو أملاً يحمله خاططها، وفي كل هذه الحالات تجد بعده عصف

ذهني، أما رصاص ذاك فيخلف وراءه خطوط من الدماء على الأرض وملابس ممزقة وأعضاء متهتكة ورؤوس طائرة، مما ينتج عنه عاصفة من الكره تتزايد، وبغض متلاحق، واستياء وحزن بالغين.

رصاص الصحفي يختلف عن رصاص الإرهابي رغم أنهما يتواجها، إلا أنك لا تستطع أن تعرف أيهما سيفوز، فرصاص كلا منهما أقوى من رصاص الآخر،

رصاص الإرهابي يفجر الرؤوس ورصاص الصحفي يفجر الطاقات، رصاص الإرهابي نابع من سلاح ورصاص الصحفي نابع من قلم رصاص يستخدمه كالسلاح، الإرهابي يرغب في أن يقتل ويخضع الكل لإرادته فيستخدم الرصاص أم الصحفي فيرغب في أن يحيي ويحرر الكل من عبوديته وقيوده، وهنا الفرق بين من الرصاصين.
 
خلف إرهابيو فرنسا من دماء صحفيو شارل إبدو دماء على أسطر الصحف، كتب بها زملاؤهم أعداد من الصحف، وسيبقون يكتبون، فدماء الأبرياء لا تنضب أبداً،

أما دماء الإرهابيين فلا تترك وراءها أثر سوى أن هنا كان يعيش قاتل يرضا العالم عن قتله والتخلص منه، تبقى الوسيلتين تتفق في أنهما يعتمدان على الرصاص، بيد أن الرصاص الصحفي يبحث عن أن يكتب على العقل أما رصاص الإرهابي يبحث دائماً عن تغييب العقل وقهره،

ولذا سيبقى الصراع مستمر مدى الحياة بين من يريد الحياة ومن يريد الموت، من يريد الفكر ومن يريد الفجر، بين من يريد التسطير بالرصاص ومن يريد التسطير بالدماء.
 
وطوال هذا الصراع المتأجج لا يريد أن يفهم الإرهابي أنه مع تعاظم ما يفعله من جرم لم يثن أحداً قط عن فكره، ولم يغير من وجهة نظر أحد بعكس نجاحات الصحفين وأصحاب الفكر في أن يثنوا كثيرين عن إرهابهم، ويبطلون مفعول قنابل كثيرة عن التفجير، في حين لم يفلح إرهابي واحد عن منع أحد عن التفكير،

وهذا يدعوك للسؤال هل مقارعة الحجة بالحجة أفضل أم مقارعة السيوف، مقارعة السيوف ليس مكانها المجتمعات الحديثة والمتحضرة أما مقارعة الحجج فلا مكان لها بين الإرهابيين، ولذا فعليك أن تختار صديقي القارئ بين الجنة والنار،

بين عواصف الذهن أوعواصف الحزن، بين الكره أم الحب، بين الدم أو الحبر، كلاهما يٌكتب به ولكن ترى أيهما يٌغير؟
 
أظن أن سيول الدم تعزز من المواقف وتزيدها صلادة، أما سيول الحبر فتلين الحجر، وترهب الإرهابي، فتجعله مجنون وهو يحمل سلاحه ظاناً منه أنه سيفعلها، ويغير الكون، في حين أن تغيير الكون لا يتم إلا بالفكر والعواصف الذهنية،

شهداء الصحافة الفرنسية ليسوا هم الأوائل، ولنا في العملاق فرج فودة أسوة حسنة، فلقد بقى فرج فودة رغم موته بافكاره وكتاباته، ونسى الكل قاتله، وبقى فكر فرج فودة ليغير، وانتهى الإرهابي بسلاحه، ليغيب آخرين

ليفعلوا فعلته مثله، لن تؤتي ثمراً مثل فعلته، وأتى صحفيين آخرين يمتشقون قلم فودة، وشرعوا يغيرون، ويبقى الصراع بين التغيير والتغييب.
المختصر المفيد التغيير بالفكر أقوى من التغييب بالسلاح.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter