الأقباط متحدون - حَيث الكل سَيِّد.. فالكل عبيد!!
أخر تحديث ١٠:٥٨ | السبت ١٠ يناير ٢٠١٥ | ٢ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حَيث الكل سَيِّد.. فالكل عبيد!!

مهندس عزمي إبراهيم
قال الفيلسوف الفرنسي بوسيت أو بوسيه ( BOSSUET ) قولته المشهورة:
 
"حيث يملك الكل فعل ما يشاء.. لا يملك أحدٌ فعل ما يشاء"
 
"فحيث لا سَيِّد فالكل سَيِّد.. وحيث الكل سَيِّد فالكل عبيد"
 
 
وترجمة ذلك، أو تفسير ذلك أنه عندما يكون المجتمع بلا قانون، وبلا نظام يحفظ القانون، وبلا قيادة، وسلطات تحفظ كل من القانون والنظام، وبلا ضمير يحفظ الكل ويحافظ على "الإنسانية في الإنسان" فالفرد في هذا المجتمع يكون "مطلق الحرية"، يفعل ما يشاء،

ويقول ما يشاء، ويتصرف كيفما شاء تجاه من يشاء، ولا رقيب عليه ولا رادع من سلطة أو قانون أو شخص أو ضمير. فالفرد عندئذ هو السيد، المطلق السيادة على المجتمع حيث يعيش. وبالمثل يصير كل فرد آخر في ذاك المجتمع سيداً، مطلق السيادة مثله. فيصير المجتمع كله مكوناً من أسيادٍ.. حيث الكل مطلق الحرية. أو هكذا يظنون!!
 
فحيث أن المجتمع قد صار مجتمعاً كله أسياد، وحيث أنه لابد للأسياد من عبيد، فيصير كل أفراد هذا المجتمع عبيداً. وفي مجتمع كله عبيد لا يستطيع الفرد في حقيقة الأمر أن يفعل ما يشاء، أو يقول ما يشاء، أو يتصرف كيفما شاء، حتى في ضروريات الحياة. وبما أن الكل عبيد فحقيقة الأمر، ليس واحد منهم سيداً.. حتى ولا واحد!! وخلاصة ذلك أن المجتمع ذو الأفراد مطلقي السيادة هو مجتمع منفلت فوضوي عصابي ترويعي من بلطجية وإرهابيين وعبيد. وإن ظن هؤلاء أنهم أحرار فما هم في الحقيقة كذلك.
 
وهنا أود أن أقتطف بتصرف بعضاً من مقدمة "المدخل إلى علم القانون" وهي مادة تُدرَّس لطلبة كليات القانون أو كليات الحقوق في أول سنة دراسية في معظم جامعات الشرق والغرب.
 
الإنسان كائن اجتماعي، إذ لا غنى له عن الحياة في مجتمع. فهو عاجز بمفرده عن حماية نفسه من العوامل الخارجية أو المحلية المحيطة به. وعاجز بمفرده عن الوفاء بمختلف حاجاته وضروراته.

ولذلك لا يعيش بمعزل عن أقرانه. غير أن الحياة في جماعة تتطلب تنظيم سلوك أفرادها وعلاقاتهم عن طريق وضع قواعد تبين ما لكلٍ منهم من حقوق وما عليه من واجبات لمنع أي تداخل بين المصالح ولتجنب اختلال التوازن والاستقرار الاجتماعي.
 
من ذلك نجد إن وجود "القانون" و"سلطة تطبيق القانون" في الوطن لا بد منهما. ويلاحظ القارئ أني فرزت بين "القانون المكتوب" و"سلطة تنفيذ القانون". فحاجة الوطن الأولى هي إلتزام الدولة بوثيقة تشريعية عليا هي "دستور الدولة". تُبنَى على تلك الوثيقة وتنبع منها القوانين الفرعية اللازمة لتنظيم العلاقات بين سلطات الدولة وتحدد ما على المواطنين من واجبات وتحمي ما لهم من حقوق..... بعدالــــــة مطلقــــة!!
 
فلا يكفي للدولة فخر أن يكون لديها دستورٌ!!. بل يلزم أن يكون الدستور مُرسَى على قواعد صلبة عادلة مساوية بين جميع أفراد وطوائف المجتمع بلا استثناء وبلا ثقوب تسمح بالتلاعب والتأويل والافتاء.

ولو لم يصحب الدستور سلطة تنفيذية وسلطة قضائية تكفلان تطبيقه بحزم ودقة ونزاهة وعدالة فلا قيمة له ولا لهما، ولا يكونوا أكثر من مجرد حبر على ورق، أو شعارات خاوية جوفاء، أو كشيكات بلا رصيد!!!
 
فالهدف هو ضمان وتنظيم حرية وأمن أفراد المجتمع وتوفير الجو لهم للحياة معاً مهما اختلفت خلفياتهم وأديانهم. وذلك بالالتزام بالقانون ومعاقبة مخالفيه بحزم وشفافية وعدالة ومساواة بين الجميع. يظن البعض أن الشريعة الدينية تصلح دستوراً للبلاد، وما أبعد ذلك عن الصواب.

فالشريعة شريعة دين بعينه، بل شريعة مذهب بعينه. أي شريعة قبيلة بعينها أو فصيل "مُدَلـَّـل"بعينه من المواطنين، وليس شريعة وطن ومواطنين بخلفيات وعقائد ومذاهب متباينة، مهما كانت أغلبية هذا الفصيل المدلل.
 
الدستور هو أبُ القوانين. ولا يكفي فقط أن يكون الدستور عادلاً صريحاً شفافاً لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير أو استفتاء وإفتاء. فلا بد له من جناحان لا يقلان عنه عدالة ونزاهة وشفافية. هما السلطتين التنفيذية (أي النظام الحاكم الإداري والأمني) والسلطة القضائية (نيابة وقضاء). وذلك لتطبيق القوانين بحزم.. وبعدالة.. وبمساواة.
 
فإذا انعدم هذا التنظيم، أو وُلـِـدَ مشوهاً، أو وُجِدَ مع (إيقاف التنفيذ) لكانت أنسب صفة لهذا الوضع هي الفوضى والانفلات الاجتماعي، ولسادت شريعة الغاب والإرهاب، وأصبحت بالتالي الغلبة للأغلبية والبقاء للأقوى، ولانطبقت عليه كلمة الفيلسوف الفرنسي بوسيت (BOSSUET) قولته المشهورة المُوردة بمقدمة هذه المدونة "حيث لا سَيِّد فالكل سَيِّد.. وحيث الكل سَيِّد فالكل عبيد". وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الجماعات والقبائل والفصائل والطوائف المكونة للوطن الواحد.
 
فمُطلقية الحرية ما هي إلا فوضى وانفلات شخصي ومجتمعي. وبتخصيص القول على وطن ما، فالحاجة ماسة إلى القانون وتنفيذ القانون في الوحدات الإدارية على المستوي المحلي والوطني.

وذلك للحد من "مُطلقية" حريات الأفراد والجماعات والطوائف في الوطن والتوفيق بين مصالحهم حتى لا تتعارض الأهداف بينهم. الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى البلطجة والفوضى والإستبداد من حاكمٍ فردٍ متطرف أو جماعة أو طائفة أو أغلبية، ولو بحجة إعلاء الدين فوق الإنسانية وفوق الوطن وفوق المواطنين. الأمر الذي نتاجه الظلم والتمييز وتمزيق الوحدة الوطنية وفقد الولاء والهوية.
 
وهذا هو بالضبط ما عانت منه مصر، وما جرَّها إلى مستنقع العنصرية والإرهاب والتخلف بدءاً من أوائل سبعينات القرن الماضي، حيث بدت نوازع أنور السادات الطائفية الاستبدادية تطفو واضحة على السطح الإداري والأمني والسياسي بمصر. كان حاكماً مستبداً وإنساناً عنصرياً. أخرج شياطين العنصرية والعنصريين من قمقمهم ومن جحورهم. فقد وصل استبداد السادات أنه إتخذ القول المأثور عن لويس الرابع عشر "أنا الدولة" شعاراً له، وكان أى هجوم عليه أو نقد يوجه إليه كان يعتبره تهجماً على مصر.
 
ويقول محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب صفحة 375 "لقد بدا ذلك إعتقاده فعلاً فأصبح يتحدث ويقول "شعبى" و "جيشى" و "أسطولى" .. ألخ ... لكنه فى هذا كله لم يكن يستطيع أن يرى أن أى رئيس دوله كان يمكن له أن يتحدث بإسم شعبه إذا كان بالفعل يُعَبِّر فيما يقول عن مصالح شعبه المشروعة وطموحاته."
 
أضف إلى ذلك دَسَّه لعنصرية الدين في دستور البلاد، وما كان ذلك إلا تأكيداً لعنصريته الشخصية وعدم حياده تجاه مواطني مصر المسيحيين. فقد صرح السادات في جدة عام 1965، عندما كان السكرتير العام للمجلس الاسلامي، بأنه "خلال عشر سنوات سوف يحول أقباط مصر إلى الاسلام أو تحويلهم إلى ماسحي أحذية وشحاذين" كتاب مصير الأقباط صفحة 217 لأسامة سلامة.
 
ويقول المؤرخ عزت اندراوس تحت فصل (الرئيس أنور السادات) أن "السادات طلب فى بدايه حكمه ملفات الأخوان المسلمين وقرر الإفراج عنهم فى صفقة سياسية بدون مقابل ومن طرف واحد ومن غير تأمين، رغم تحذير جميع أجهزه الأمن والشرطة بخطورة الإفراج عنهم، فقد كانوا جميعا مصنفين "خطر جداً".

وكأن التاريخ يعيد نفسة فقد فعل الخليفة عثمان نفس العمل عندما وقع بنفسة على قرار الإفراج عن من حدد إقامتهم عمربن الخطاب كان فى الحقيقة يوقع قرار بإعدامة على يد هؤلاء الصقور الجائعة الشرهه لرؤية الدماء وتكررت القصة مع السادات حيث اغتالوه في 1981."
 
وتواكبت في عصره مساوئ الطائفية، فإنتشر الأخوان والجماعات الإسلامية فى ربوع مصر ينشرون الموت والفزع والإرهاب، وخططوا لكل محاولات الإغتيالات فى مصر. ومن كتاب فؤاد علام، أخطر لواء أمن دولة يروى السادات المباحث والإخوان، صفحة 19 "لو قرأ السادات سطراً واحداً من ملف مؤامرات الإخوان المسلمين، لأراحنا وإستراح. ولا كانت مصر قد وقعت فى دائرة العنف التى إنفجرت فى بداية السبعينات وراح هو ضحيتها فى أوائل الثمانينيات "
 
وتراكمت مساوئ العنصرية والارهاب  تحت حكم مبارك المتراخي المستسلِم للأخوان والمتأسلمين والسلفيين الوهابيين!! حتى وصل حال مصر إلى أسوأ فأسوأ بفيض الفوضى والعنصرية والإرهاب في حنايا وثنايا مصر ونخاشيشها وشوارعها نتيجة الحرية المطلقة للمتأسلمين الدمويين الأخوان والوهابيين والجماعات تحت حكم محمد حسين طنطاوي ثم محمد مرسي العياط. ولم يكن هذا ليحدث لولا التهاون في فرض سلوك معين يلتزم به الكافة: دولة ومؤسسات وطوائف وأفراد، مما يحقق النظام والعدالة والمساواة في المعاملات بين الجميع.
 
*****
الهدف الأكبر اليوم هو إعادة بناء مصر دولة حرة متحضرة مستقرة.. والدول الحرة المتحضرة المستقرة لا تبنى إلا على قواعد صلبة نقية من كل شوائب التطرف والعنصرية. وتلك القواعد هي دستورها، وأجهزة نظمها، ومناهج تعليم أطفالها ونشأها ورجالها حتى في أزهرها!!. وأمل مصر لتحقيق ذلك كبيــر في بنيـها: قــادة ورعــايا.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter